مرة أخرى عن الطرف اليمني الثالث
لا تزال الأطراف الداخلية المتصارعة في اليمن متخندقة في مواقعها، متصلبة في مواقفها، متحجرة في أدائها، ويتفوق تحالف الحوثي – صالح في هذا المضمار لكنهم جميعا يتساوون في سوء الأداء وقلة الحيلة وانعدام التفكير السياسي المتحرر من الأحقاد والضغائن والتنافس على المجهول، وتتبارى الأطراف في تبادل الاتهامات وإلقاء تبعات ما يدور على الطرف الآخر، وفي نفس الوقت تندفع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الموالية لكل منهما لتحميل الآخر مسؤولية ما يدور على الأرض.
واقع الحال يبرهن بأن الأطراف الداخلية المتصارعة عاجزة منذ ١١ شهرا عن إقناع الرأي العام الداخلي بمشروعية سياساتهم ويفشلون يوميا في تدبير أمور المناطق الخاضعة لسلطتهم ويخسرون كل يوم الدعم الشعبي لمشاريعهم، وحال كهذا لابد أن يصيب المواطنين بالإحباط واليأس ويستنزف جهد ووقت القوى الإقليمية المؤيدة لكل طرف، واليمنيون والمهتمون بالشأن اليمني يتذكرون الأحداث التي جرت في اليمن ما بين ١٩٦٢ و١٩٧٠ وكيف انتهت فصولها بمصالحة وطنية أعادت كل مواطن يمني كان يوالي آلِ حميد الدين إلى الداخل يمارس حياته كيفما يحلو له.
إن ما يغيب عن أذهان الطرفين اليوم هو أن كليهما عاجز عن اكتساب المشروعية لأهدافه المعلنة على الأقل.
وفي كل الأحوال فإن الواجب الأخلاقي يلزمهما الاعتراف بأنهما لا يمثلان الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين يكتوون لوحدهم بنيران الحرب ولهيبها، ومن الواجب الاعتراف أن تحالف الحوثي – صالح يخوض معركة يعتبرها مصيرية لمستقبلهم ولكنها مدمرة لمقدرات الوطن بأكمله، والاستمرار في خوضها ليس إلا انتحارا كامل الأركان وليس من الجائز رفع شعارات التحدي واللامبالاة في وقت يدرك الجميع أن كلفتها الإنسانية قد تجاوزت كل حدود المعقول والمقبول، ولم يعد ترفا يمكن السكوت عنه والتغاضي عن هول آثاره.
في كل الحروب التي سجلتها كتب التاريخ كانت النهاية جلوس الأطراف على طاولة حوار تبدأ بتفاهمات خلف الكواليس تتولاها جهات أو شخصيات مقبولة وموثوق بحياديتها وتتمتع برضا الأطراف كلها، ولا شك أن الجهد الإيجابي الذي يبذله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد إسماعيل ولد الشيخ يمكنه أن يفسح المجال لمثل هذا الفعل الإضافي، ولكني مازلت عند قناعتي بأن وجود ممثل الأمين العام لمجلس التعاون السيد صالح القنيعير حيوي وهام لأنه سيمنح أي جهد يمني خارج الأطراف الحالية القدرة على التحرك في اتجاه الحصول على ضمانات لا رجوع عنها لضمان سلامة الأمن الإقليمي واستبعاد أي تأثير غير عربي داخل حدود اليمن والجزيرة والخليج.