آراء

تعز نقطة انطلاق المصالحة الوطنية

اقتربت الحرب في اليمن من عامها الأول وقد تحقق الهدف الأساس وهو عودة الرئيس هادي وجزء من حكومته إلى عدن، ومحاولة البدء باستعادة المشروعية الوطنية له ولها، وما من شك أن حالة الفراغ الأمني الذي تشهده حاضرة الجنوب تصيب الكثيرين بالإحباط والخوف من تكرار المشهد في المناطق التي تمت استعادتها من سلطة الحوثيين وهو أمر يستحق الدراسة الجادة والبحث عن الأسباب الحقيقية ومن يقف خلفها، إذ ليس من المصلحة إخفاء الجناة الحقيقيين للتخلص من المسؤولية السياسية والأمنية وما يخشاه الجميع هو الاستمرار في عدم معالجة الأمر بحزم وحكمة ووضوح في آن، ويضيف عدم انسجام الحكومة من الآثار السلبية على المجتمع بأكمله، ولعله من المفيد إزالة مسببات الخلافات التي تلقي ظلالا كثيفة على العمل الجمعي وترتد سلبا على مساعي الاستقرار.

 
إن الاكتفاء بالتفكير في مسلسل لإرضاء بالتعيينات في مواقع لايمكن القيام بمهامها هو ضرب من العبث في وقت يستفسر الكثيرون عن أهدافها لأن إثبات شرعية أي نظام لا ترتبط فقط بالقدرة على إصدار قرارات بل بممارسة الوظيفة على الأرض، ومن السخرية في الجانب الآخر سيل التعيينات التي تصدرها سلطة الأمر الواقع في صنعاء وكأنها تمارس حقا سلطة دستورية في حين أنها لا تلتزم بأي قانون أو لوائح والأكثر سوءا هو إصرارها على منح أغلب الوظائف العامة لفئة اجتماعية واحدة غير مدركة أن هذا الفعل يعيد إلى الذاكرة الوطنية فترات حكم سابقة احتكرت فيها هذه الطبقة الاجتماعية مفاصل الحكم، وهنا يجب الاعتراف أن الغالبية العظمى منهم كانت في مقدمة المطالبين بالنظام الجمهوري في 1962 ثم في ساحات التغيير التي فرضت استقالة علي عبدالله صالح في فبراير 2012، ومن المحتم أن يعلن الجميع أن لا استهداف لفئة أو طبقة أو منطقة، فالكل يعلم أن التعميم في هذه المسألة مقدمة لكارثة اجتماعية ووطنية وهو ما لا يفهمه الحوثيون ولا يدركون آثاره المستقبلية.

 
خلال العام الذي مارس الحوثيون فيه السلطة في صنعاء على وجه التحديد أثبتوا عدم دراية في إدارة شؤون الحكم واندفعوا على غير هدى للاستيلاء على مقدرات البلاد المتاحة لهم، ومارسوا سلطة قمع ضد كل معترض ومنتقد غير مكترثين بالمشاعر السلبية تجاههم وتنامي الغضب والكراهية لهم داخل وخارج مناطق نفوذهم الحالي.

 
الحديث عن السلام واستعادة الهدوء النفسي والاجتماعي والسلم الوطني مسؤولية جامعة ولكن الأمل وإن كان ضئيلا يحتم على الحوثيين وصالح إدراك أن العناد تحت شعارات غير مجدية ولن تجلب إلا المزيد من الدماء والدمار، وليس مقبولا أخلاقيا ووطنيا استرجاع شعارات الستينات التي لم تصمت إلا حين استولت إسرائيل على سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

 
التاريخ يتكرر أمامنا ولا أحد يريد استيعاب الحقيقة المرة بأن لامنتصر في هذه الحرب وإنما الكل يسقط صريعا أمامها، وكم يتمنى العقلاء تلافي المزيد من الأحقاد وليس عيبا ولا خيانة وطنية ولا تنازلا عن سيادة في أن يبدأ الحوثي - صالح في رفع الحصار عن المدن وخاصة تعز ولا يجوز أخلاقيا مقارنة ما يجري فيها بما يحدث خارجها، فظلم ذوي القربى أشد وأقسى وجالب للأحقاد ومن غير المفهوم اعتبار تعز ورقة مساومة بدل أن تكون ورقة البدء في المصالحة الوطنية المنشودة والتي تبتعد عنا مع كل قطرة دم يمنية تراق ومنزل يتهدم وأرض تحترق.

 
* كاتب يمني وسفير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى