عقدة الخلود وجنون السلطة
هناك قضية في بلداننا وهي حب التسلط وهذه مشكلة ما يجري في الصراعات العربية حيث نرى تشبث الكثير من الساسة بالسلطة وسعيهم للدمار والخراب مقابل ذلك ما يجري في سوريا. إن الرئيس لا يريد أن يضحي بالكرسي مقابل بلاده وشعبه ولكنه يريد أن يضحي بشعبه وبلاده مقابل بقاءه وكأنه خالد مخلد ولم يعتبر بوفاة من قبله كوالده وغيره من رؤساء.
وكذلك لم يعتبر المتصارعون في ليبيا من نهاية القذافي فتصارعوا على كراسي السلطة ودمروا البلاد، وفي اليمن تصر الأطراف المتنازعة للوصول لهذه السلطة، وما نراه في تعز من قصف للمدنيين والانتقام منهم وضرب المساجد والمستشفيات والمتاحف والمصالح أمر لا يصدقه إنسان لديه عقل، ويظن هؤلاء أنهم لن يحاسبوا وأنهم خالدون وأن الحكم أصبح صكاً باسمهم. وفي العراق نجد نفس المأساة.
ماذا جرى في بلداننا سنوات ونحن نعيش هذه العقدة عند الحكام والساسة هوس الحكم بل إن بعضهم يكون مقعداً ومريضاً فلا يستقيل. وأخيراً ظهرت فكرة شيطانية من أصحاب النفوذ ومن يتسلقوا للوصول لمصالحهم بإقناع هؤلاء بتوريث أبنائهم وأقاربهم وإعطاءهم الامتيازات وكأن الأرض ليست لله يورثها من يشاء، لا يصدق هؤلاء أنهم خرجوا على الدنيا عراة لا يملكون شيئاً وسيغادروها عراة لا يملكون شيئاً وأن العاقل من يعمل لحساب القبر ويوم المحشر عندما ينزل هؤلاء للقبور لا ينزلون بألقاب ولا أموال ولا قصور، بل إن أقاربهم وأصدقائهم للمصالح ينسونهم عند دفنهم. لم يعتبروا أين ذهب الشاه الذي كان يتجبر وأين ذهب ماوتسي تونج وأين ذهب كندي وروزفلت وديجول وهتلر وماسوليني وعبد الناصر ونهرو وتيتو. أسماء ظلت تشغل الإعلام واليوم صاروا منسيين ونزلوا إلى التراب. وهناك ستبرز لهم صفحات أعمالهم وسيسألون عنها. كنت دائماً أقدم هذه النصيحة لقادة بلادي ورئيسها السابق وقلت له لا تصدق المادحين فهؤلاء مدحوا ما قبلك تم شتموهم وسيتعاملون بنفس الأسلوب وصاحبك من نصحك سيحصل على الخير وحذرك من الشر.
ولكن للأسف إن هؤلاء لم يقرأوا التاريخ ماذا حصل لفرعون من الغرق وماذا حصل للنمرود عندما سلط الله عليه بعوضة وماذا صنع الله بشداد بن عاد وبالريح الصرصر العاتية وأصحاب نوح ومدين ونهاية أبو جهل وألو لهب ونهاية بنو أمية وبنو العباس والعثمانيين والسلاجقة ولكيف النهى كسرى وقيصر وكثير ونهاية نابليون وهتلر ولينين كل هؤلاء الجبابرة.
ظل آل حميد الدين يضطهدون اليمن ويستعبدونها سنوات فثار الناس ضدهم وطردهم الشعب اليمني وهم يحاولون أن يعودوا الآن تحت راية الحوثيين والجيش اليمني. للأسف أن هؤلاء مخدوعين لا يقرءوا نهاية الأمم بل يصروا لو أحد منهم ولو كان مريضاً أو معوقاً أن يقدم استقالته لأهل الحل والعقد لتداول السلطة كما يفعل العالم الآخر ولم تبرز عندنا ظاهرة إلا سوار الذهب الذي تنازل طوعاً أو ابن علي الذي غادر بلاده مسالماً حرصاً على حقت الدماء مهما اختلف البعض معه فهو ترك السلطة حرصاً من الفتنة.
ويشعر الإنسان بالأسى لحجم الكارثة لهذه الفتنة وما وصلت إليه اليمن والعراق وسوريا وليبيا لماذا لا يفكر العقلاء عندنا بوضع أسس لهذه الأمور وإرساء ضمانات ومؤسسات. ديننا دعا لذلك وهي ما قاله أبوبكر وقاله عمر وكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلمنا ديننا من خلال القرآن بتحريم القتل وسفك الدماء والدعوة إلى الرحمة وحتى مع العدو لا يحرق شجر ولا وليد ولا عجوز ولا كاهن. أما الآن فلا أمان لأحد أنا أو الطوفان أن هؤلاء يظنوا أنهم باقون والكارثة الكبرى أن هؤلاء يظنوا سيبقوا إلى الأبد. لننظر إلى قصة الرئيس الأمريكي رونالد ريغين الذي كان يبده مفتاح الزر النووي فمرض بالزهايمر وعجز أن يعرف حتى أهله سبحانه الله، وكذلك كان هنا رؤساء مثل شارون ظل في غيبوبة سنوات حتى مات ولكن من يعتبر.
إن عدم وجود ثقافة الدار الآخرة وحساب القبر مع أن الأفلام الوثائقية والتسجيلات والبصمات دليل على ذلك إذا كانت هذه في الدنيا عند البشر فكيف عند الله الذي خلق الكون وحذرنا بالقرآن من ذلك اليوم، ولكن هناك من لا يخاف الله. وقيل أن عبد الملك بن مروان عندما وافته المنية نظر إلى غسال ثياب فقال كلمته المشهورة تمنيت لو كنت غسالاً أكل من أجر يدي ولم أكن حاكماً.
هناك أيضاً أناس يملكون شركات ومؤسسات يحرموا أقربائهم من الميراث ويتسلطوا عليها بعد موت الآباء، وهناك أصحاب مناصب حكومية وتجارية وغيرها يعاملوا من معهم بظلم ويأخذوا أجرهم وحقوقهم، وهناك أناس يستغلوا حاجة الناس وغير ذلك كثير، ولكن سكوت أهل الحق وصمتهم سلط الله عليهم أمثال هؤلاء . انظروا إلى الهند ودول أوروبية أصبحت اليوم تتناوب الحكم وانظروا لبيل غيس وغيره. وقد شاهدت في بلاد الغرب أصحاب الملايين والمليارات يرصدوا مبالغ ضخمة للأمور الإنسانية والصحة والأبحاث والمستشفيات لعلاج الأمراض المستعصية، وهو ما يوجد بلادنا.
وهناك مثل كلينتون وغيره يتفرغوا للعمل الإنساني، ولم أشاهد أحد من هؤلاء يتفرغ للمصالحة وخدمة الناس حتى يترك بصمة خير ودعوة بظهر الغيب، ولكن عقدة الخلود والدوام والعمر أصبحت رمز وجنون عند هؤلاء الذين نرى يومياً لبيوت مدمرة وكوارث لا يصدقها عقل وتجعل الإنسان يبكي دماً وهو يرى المهجرين من بلدانهم وقراها والدماء التي تسيل ومن يموتون بالقوارب بالبحار. والعجيب أن هؤلاء يستخدموا سلاح الطائفية والدين وغيرها للوصول لأهدافهم. ولا يدركون العقوبة الربانية وسؤال الميزان والصفحات. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم ارحم ضعفاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم.