مبادرة "الخيار الثالث" تثير جدلا واسعا في اليمن
أثارت مبادرة "الخيار الثالث" للأزمة اليمنية، تبناها سياسيون ودبلوماسيون سابقون، أطلق عليهم "المجموعة الرمادية"، جدلا واسعا في الأوساط اليمنية. واعتبرها المنتقدون "التفافا واضحا على استحقاقات اليمنيين في إنهاء انقلاب الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله"، وإنقاذه عبر الدفع ب"وجوه ناعمة" للدعوة إلى "طريق ثالث" للحل، على أثر تقدم قوات الشرعية في أطراف صنعاء الشرقية، وظهور مؤشرات على تراجع قدرات الحوثيين وحلفائهم العسكرية بعد أكثر من 10 أشهر من الحرب في أكثر من جبهة.
ومن أبرز الوجوه التي تصدرت الدعوة لهذا الخيار، السفير اليمني السابق مصطفى أحمد النعمان، ووزراء سابقون، وآخرون سبق وأن التقوا المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ، في الأردن العام الماضي.
انقلاب جديد بوجوه ناعمة
وبهذا الخصوص، رأى الكاتب والمحلل السياسي، عبدالهادي العزعزي، أن "الطريق الثالث" الذي بدأ الترويج له، لا يعدو كونه "طريقا ثانيا" للحل، ينطلق من منظومة أهداف مشتركة للانقلابيين وأصحاب هذا الطريق، لأسباب عدة أهمها أنه "لو كان هناك طريق ثالث لكان ظهر في الربع الأخير من عام 2014، قبل الدمار وقتل كل مظاهر الحياة".
وأضاف أن الثورات والتغيرات الكبرى، تسببت في هدم النخب القائمة، التي تسعى حاليا إلى العودة مجددا، للحفاظ على موطئ قدم لها، من خلال" التكتل بفعل ترابط المصالح التي خلقت روابط جمعية لهذه المجموعة، فإن سنحت الفرصة لها، وسعت شبكة تحالفاتها، وإن حدث العكس، أعادت تحالفاتها القديمة بإجراء تعديلات طفيفة وشكلية، حتى يتسنى لها عقب ذلك، وأد الثورة والتغيير بحنكة وحكمة"، حسبما ذكره العزعزي.
وأشار العزعزي إلى أن توقيت إطلاق هذه الدعوة، له دلالة مهمة، الهدف منها "سرقة أي انتصار للقوى الجديدة الثورية من خلال تخفيض سقف طموحاتها أولا، والحفاظ على مصالح هذه القوى وإشراكها في المستقبل بنصيب تفاوضي جاهز دون أي خسائر ثانيا.. وثالثا،الخوف من دخول قوات الجيش الوطني، المجال الحيوي للعاصمة، والذي من شأنه إعادة فرز النخب السياسية"، وفقا لهذا المعطى.
وقال إن الشخصيات التي طرحت هذا الخيار قسمان: الأول "نخب ثورة 1962 التي حصلت على استحقاقات أسرية ومناطقية وباعتبارات ليست ذات ديمومة واستمرار"، وقسم آخر هم عبارة عن "الوجه الناعم للانقلاب" كانوا قد سقطوا من النظام المتهاوي في 11 شباط/ فبراير 2011، واحتفظوا باستحقاقات غير مشروعة منذ ذلك الحين إلى اليوم"، في إشارة منه إلى الثورة التي أطاحت بنظام علي عبدالله صالح.
ولفت إلى أن الأجزاء الخشنة في لعبة الانقلاب تتساقط، وبالتالي فإنه حان دور الأوراق الناعمة، التي كانت بدون موقف وفي المنطقة الرمادية، غير أنها ترى الحرب في اليمن بين أطراف بطريقة مستفزة وقذرة، ف"الانقلاب" ك"الشرعية" في نظرهم.
واجهة لوساطة سياسية
من جهته، وعلى نحو مغاير لما طرحه العزعزي، قال الصحفي والباحث السياسي، رياض الأحمدي: "من الخطأ اعتبار أن هدف أي دعوة سلام هو خدمة طرف آخر"، موضحا أن "موضوع الخيار الثالث الذي طرح وأثار جدلاً، لم يكن واضحا بما فيه الكفاية للحكم عليه، إلا أنه يشير إلى أن هناك في اليمن من ليس مع استمرار الحرب وليس مع الحوثيين أو غيرهم".
وأكد الأحمدي أن فكرة هذا الخيار، تتمحور في أن تتولى شخصيات ممن لم تقف مباشرة مع أي من الطرفين، "واجهة وساطة سياسية أو حل سياسي"، بحيث أن الأمر يكون مرتبطا أيضا برضا الحكومة الشرعية أو المنقلبين عليها، أي الحوثي وصالح.
وأوضح الباحث السياسي أن "الفكرة طرحها الدبلوماسي اليمني مصطفى النعمان، عبر صحيفة سعودية، وهو شخصية متزنة، ترى أن الحل السياسي حتمي في نهاية المطاف وأن تأخيره يعقد الأمور أكثر".
لكنه استدرك قائلا: "قد يكون النعمان قصّر أو أخطأ في طريقة عرض الفكرة أو بالأسماء التي ذكرت، بالمقابل أي دعوة يجب أن تعرض ما لديها من دون صدور حكم مباشر عليها بأنها لصالح طرف أو ضده".
دعوة مشبوهة لإنقاذ الانقلاب
من جانب آخر، فإن عضو المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية، فهد سلطان، يعتقد بأن مبادرة "الطريق الثالث" لا يمكن فصلها عن سياقها الموضوعي، بالنظر إلى الحالة الحرجة التي يعيشها الانقلابيون، ما يجعلها "دعوة مشبوهة وخطوة استباقية لتجاوز المحطات السياسية التي مرت بها القوى السياسية خلال الفترة الماضية"، بحسب قوله.
وأضاف سلطان أنها "محاولة كاملة الدسم للالتفاف على مخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، في الوقت الذي تحاول فيه صناعة مخرج للرئيس السابق صالح"، وفق تعبيره.
وأكد أنها "مبادرة ظاهرها فيه الحل، وباطنها من قبله العذاب الذي يقضي على أي أمل قادم في التخلص من المشروع الأمامي والمناطقي"، في إشارة منه إلى جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح.
وشدد عضو منتدى التنمية الديمقراطية باليمن على أن هذا الخيار، لا شك أن من شأنه أن يصيب المقاومة في مقتل، على اعتبار أنه الخيار الوحيد، ما يعني أنه "صراع بين مكونين فقط، وليس بين مشروع انقلاب وبين حكومة شرعية".
ونوه إلى أن هذه المعطيات تكفي لتأكيد أن هذه الدعوة لم تكن بريئة، ولا تهدف إلى حل مشكلة البلد بقدر ما أنها تعقدها وتعود بها إلى نقطة الصفر، بحسب وصفه.
وتؤكد مبادئ مجموعة "الخيار الثالث" التي طرحها السفير النعمان، أن طرفي النزاع باليمن، استهلكا تماما، وصارا جزء من المشكلة، ومن المستبعد إنجاز أي حل سياسي بينهما.