تقارير ووثائق

رسائل الشرعية والحوثيين وصالح والحراك تحاصر محادثات الكويت (تقرير)

يترقب اليمنيون انطلاق الجولة الجديدة من محادثات السلام المقرر أن تبدأ غداً الاثنين في الكويت، في وقت تحاول فيه الأطراف الفاعلة إيصال رسائل سياسية وعسكرية تستبق المحادثات، ولا سيما أنه ينظر إليها على أنها محطة مفصلية بالانتقال إلى السلام أو استمرار الحرب، وإن كانت الأمم المتحدة تعول على الخيار الأول بحسب ما جاء في إفادة المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، التي قدمها مساء الجمعة إلى مجلس الأمن، والتي أكد فيها أن اليمن بات اليوم أقرب إلى السلام من أي وقت مضى، في انعكاس الاختراق السياسي الذي حققته الأزمة منذ أكثر من أشهر.

 

حسابات الشرعية
على مدى الأيام الماضية، حرصت الحكومة الشرعية عبر تصريحات شبه يومية وخطوات عملية على إيصال رسائل مزدوجة في الجانبين السياسي والعسكري، أبرزها أنها ستتوجه إلى محادثات الكويت من أجل تحقيق السلام، وأنها ملتزمة بالمساعي الإقليمية والدولية في هذا الجانب. وهو ما أكده أيضاً نائب رئيس الوزراء اليمني، وزير الخارجية، عبد الملك المخلافي، بقوله إنه "إذا سلم الحوثيون سلاحهم فسيكونون شركاء معنا في العملية السياسية في الوطن".

 

كما أكد مسؤولو الشرعية على مرجعية قرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، لأي محادثات فضلاً عن التشديد على أن الهدف هو إيجاد آلية لتطبيق القرار 2216 الذي تعتبره شرطاً للسلام.

 

وفي موازاة ذلك، سعى صفّ الشرعية لإيصال رسائل عسكرية وعملية في المقابل، فحواها أن محادثات الكويت فرصة لتحالف الانقلاب ممثلاً بالحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح للقبول بالسلام والامتثال للقرارات الدولية، على الرغم من تشيكك الطرف الحكومي، وهذا ما ورد في تصريحات للرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر وغيرهما بأكثر من مناسبة، في جدية الانقلابيين في تنفيذ التزاماتهم.

 

أما في حال عدم نجاح المحادثات، فإن الخيار الآخر لا يزال حاضراً ممثلاً بمواصلة العمليات العسكرية بمعية قوات التحالف العربي. وانعكس تلويح الشرعية بعصا الحسم في حال فشل المحادثات، من خلال تعيين الفريق علي محسن الأحمر، الذي يعتبر الخصم العسكري الأبرز للحوثيين، كنائب للرئيس اليمني ما جعله في موقع الرجل الثاني في الدولة. ولم يتأخر الأحمر، في التأكيد في أول بيان له بعد تعيينه أن الشرعة تسعى لإنجاز السلام ب"أحد الخيارين"، في إشارة إلى الحوار أو الحسم.

 
كذلك تضمن تحديد هادي اليوم التالي لاختتام محادثات الكويت موعداً لانتهاء الهدنة، ما لم يتم الاتفاق على التمديد لها، رسالة واضحة بأن جانب الشرعية مستعد للخيار العسكري ما لم يرضخ الانقلابيون ويحققوا الحد الأدنى من شروط الشرعية خلال المحادثات.
وتوجد مخاوف لدى أطراف في الشرعية من أن يكون الحوار فرصة للانقلابيين لاستعادة الانفاس. كما يخشى البعض من أن تأتي أي تسوية على حسابه، بما في ذلك التوافق على قيادة انتقالية للبلاد خلال المرحلة المقبلة.

 

الحوثيون: سلام مع السعودية ومواجهة بالداخل
تسعى جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بوصفها في صدارة طرف الانقلاب، إلى التمسك بمطلب وقف إطلاق النار بشكل كامل لا تتواصل معه عمليات التحالف الجوية. وهو الأمر الذي يتفق فيه طرفا الانقلاب (الحوثيون وصالح) بشكل مبدأي. وفي سبيل ذلك حرص الحوثيون على إيجاد خط تواصل مع السعودية، بوصفها صاحبة القرار في التحالف، والطرف الأبرز الذي يؤثر في توجه طرف الحكومة الشرعية.

 
ووفقاً لمصادر مقربة من الحكومة، ووثائق، فقد أبدى الحوثيون قدراً كبيراً من المرونة والاستعداد لتقديم التنازلات وإبداء حسن النية تجاه الرياض، وذلك خلال اللقاءات المباشرة التي جمعت ممثلين عن الحوثيين وآخرين عن الجانب السعودي.

 

ونجحت تلك اللقاءات بعقد التهدئة الحدودية التي صمدت منذ أكثر من شهر، ووصل الأمر إلى الثناء على الجهود السعودية في السعي لإيقاف الحرب، عبر الاتفاقات التي وقعها ممثلون عن الشرعية وآخرون عن الحوثيين برعاية سعودية في مدينة ظهران جنوب المملكة.

 
وعلى الرغم من توجه الحوثيين الواضح في هذا الجانب، فقد استمرت الجماعة بإجراءات ورسائل تحاول من خلالها المحافظة على سيطرتها الميدانية وإيصال رسائل بأنها، وفي حال عدم نجاح السلام، لا تزال قادرة على الاستمرار بالمواجهة، باعتبارها الخيار الوحيد في حال لم تنجح التنازلات التي تقدمها وتعتبرها قدراً مأموناً. في غضون ذلك، بدا لافتاً أن أغلب خطوات حسن النية التي يبديها الحوثيون، موجهة نحو الرياض وبشكل محصور، فيما على الصعيد الداخلي حاولت الجماعة إيصال رسالة مفادها "أن ما لم يتمكن التحالف من تحقيقه بالحرب لن يتحقق بالسلام"، وهي رسالة ترددت في الخطاب الإعلامي للجماعة وفي تصريحات لقيادات فيها.

 
صالح: نحن هنا
يتفق شريكا الانقلاب على أن أي حوار يجب أن يؤدي إلى وقف العمليات العسكرية للتحالف أو ما يصفونه ب"العدوان"، لكن يختلف الطرفان في أن لهم أهدافاً ومصالح مختلفة أمام أي مرحلة مقبلة بعد الحرب. وبذلك فقد وجد الحوثيون طريقهم إلى حوار مباشر مع السعودية بعيداً عن حليفهم حزب المؤتمر الشعبي الذي يترأسه الرئيس السابق صالح، ما دفع الأخير لإثبات وجوده وسيطرته بعيداً عن الجماعة التي تحالف معها خلال الحرب.

 

وفي هذا الصدد، بدأ فريق صالح بإيصال أهم رسالة أواخر شهر مارس/آذار الماضي من خلال حشده لتظاهرة غير مسبوقة بمناسبة مرور عام على بدء عمليات التحالف في اليمن، بعيداً عن الحوثيين، الذين احتشدوا في ساحة منفصلة بنفس اليوم. والرسالة التي كان صالح يريد إيصالها هو أن لديه قاعدته الجماهيرية وسيطرته العسكرية التي تجعله طرفاً لا بد منه في أي سلام، وعزز الرسالة من خلال انتشار القوات الموالية له في أجزاء من العاصمة ومحيطها بالإضافة إلى العديد من اللقاءات والإجراءات التي يحاول من خلالها تمييز نفوذه ووجوده عن الجماعة.

 

الحراك الجنوبي: شمال وجنوب
وسط هذه التطورات، عادت تحركات قيادات الحراك الجنوبي بصورة مفاجئة. وبدأت ما تعرف ب"القيادات التاريخية" لجنوب اليمن بلقاءات خارج البلاد، شملت بشكل أساسي آخر رئيس حكم اليمن الجنوبي قبل الوحدة مع الشمال، علي سالم البيض ومستشار رئيس الجمهورية حيدر أبو بكر العطاس بعد أيام من طرح الأخير مبادرة لحل القضية الجنوبية تتضمن تقسيم البلاد إلى إقليمَين فيدراليَّين (شمالي وجنوبي) لمدة خمس سنوات، ومن ثم يتحولان إلى دولتَين تدخلان في وحدة كونفدرالية لضمان مصالحهما الكبرى، ويتم ضمّهما لمجلس التعاون الخليجي.

 

كما وقّع البيض إلى جانب رئيس حزب الرابطة عبدالرحمن الجفري على وثيقة "توحيد الجهود" التي تؤكد على مطلب الانفصال الفوري بعيداً عن أي حلول أخرى، ومن ثم جاءت الدعوة إلى مهرجان تحت عنوان "مليونية الاستقلال" من المقرر أن يقام اليوم الأحد. وأعلنت الأطراف المنظمة للفعالية هدفها بوضوح وهو إيصال رسالة لمحادثات الكويت، بأن أي حل يجب أن يقوم على أساس شمال وجنوب.

 

ويتمسك الحراك الجنوبي براية الانفصال واعتباره هدفاً لا تنازل عنه، فيما يعتبر بعض المراقبين أن إشهار هذا الخيار يعتبر ورقة ضغط للقبول بحد أدنى وهو فيدرالية أو كونفدرالية من إقليمين: شمال وجنوب.

 
في موازاة ذلك، كانت المحافظات الجنوبية، التي يتواجد فيها الحراك، تشهد تحركات أمنية متسارعة تستهدف استعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة. وهو الأمر الذي تكلل بنجاح سريع من خلال تحرير مدينة "الحوطة" مركز محافظة لحج، الواقعة شمال عدن قبل يومين.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى