تقارير ووثائق

مشاورات الكويت... مرحلة تجميع النقاط لصالح الشرعية اليمنية

تغيّرت، منذ أيام قليلة، لهجة الخطاب الخاصة بالوفد الحكومي اليمني في مشاورات الكويت بعد سلسلة من الامتصاص لاستفزازات فريق وفد الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح.

 
تغيّر لهجة الخطاب الحكومي بلغ حد التلويح بفشل المشاورات، وذلك كنتيجة حتمية للواقع على الأرض في مدينة تعز تحديداً التي تتعرض لأعلى درجات العنف، في خطوة تترجم عناداً من المليشيات اشتدت قسوتها منذ الإعلان عن بدء الهدنة في منتصف الشهر الحالي. كانت موجة تفجير المنازل من قبل الحوثيين انحسرت في تعز، منذ أشهر، لكنها عادت بوتيرة مضاعفة منذ بدء الهدنة، إذ وصل عدد المنازل التي فُخّخت وفُجّرت، إلى أحد عشر بيتاً تابعاً لمعارضين لمليشيات الحوثي وصالح.

 
يكتسب الأداء الحكومي هذا قوة معزّزة بالمتغيرات على أرض الواقع في الجبهات، وبما تم في الكويت. وكان الجانب الحكومي قد وصل باكراً إلى الكويت وفقاً للاتفاق الزمني وأحرج الحوثيين وصالح حين امتنعوا عن القدوم إلا بعد اشتراطات لم تُنفّذ أي منها. وقف سفراء الدول الراعية ضدهم في ذلك الموقف، وحتى تلك الدول الصديقة لهم كانت محرجة من تعنّتهم وضغطت عليهم للحضور وهو ما تم في نهاية المطاف.

 

أحرق الفريق الحكومي ورقة المزايدات الدائمة التي استخدمها الحوثيون وصالح والمتعلقة بوقف أعمال طيران التحالف العربي، إذ شهدت الأجواء تهدئة حقيقية كشفت التوجه الحكومي وقدرته على التحكم بالملف الجوي في تواؤم بين قوات التحالف والحكومة، كان التشكيك فيه دائم التداول. توقُف الطيران يعتبر ثاني أهم النقاط التي اكتسبها الفريق الحكومي وأضافها إلى رصيد نقاط القوة أمام المجتمع الدولي الحاضر بكل ثقله في هذه المشاورات. وكشف توقف الطيران عن النوايا الحقيقية للانقلابيين لناحية تعزيز الهجمة على تعز، ومحاولة تغيير قواعد اللعبة في كل من الجوف ومأرب (شمال شرق صنعاء).

 
وفي الوقت الذي كانت افتراضات الانقلابيين تسير باتجاه إضافة نقطة إلى رصيدهم من خلال توقف الطيران، عبر فرض سيطرة جديدة في نهم والجوف، تحوّل الرصيد هذه المرة بكل ثقله إلى حساب الفريق الحكومي، بعدما أفادت الأنباء من تلك الجبهات عن انكسار عسكري خصوصاً في منطقة نهم التي شهدت إحدى أكبر جرائم المليشيات بحسب ما يقوله معارضوها. وفي موجة حسابات خاطئة، اعتقدت قيادة المليشيات أن جبهة نهم استرخت مع بدء المشاورات وغياب الطيران، فأعدوا العدة بينما كان الواقع يقول إن الصمت لا يعني التراخي، فكانت المفاجأة صاعقة في معركة خلفت المئات من القتلى والجرحى والأسرى، لتضاف النقطة الثالثة إلى حساب الحكومة.

 
وصلت إدارة الأزمة لدى الانقلابيين إلى مرحلة فقدان البوصلة، وتمثّل ذلك في الموقف المتخذ من الحرب ضد تنظيم "القاعدة" في محافظات لحج وأبين (جنوب شرق صنعاء)، ثم حضرموت (شرق اليمن). كانت الحكومة تعلن عن تمكُّن قواتها من السيطرة على المدن التي تحكمت بها "القاعدة" منذ أشهر، فكان المشهد مربكاً للانقلابيين.

 
لم يدرس الانقلابيون الموقف المتخذ قبل الإعلان عنه، فتذرّعوا أولاً بأن ما حصل هو خرق لهدنة الطيران، وهو أمر فاضح إذ لم يكن لهم أية صلة بالمعارك الدائرة هناك. بينما كان المنطق الآخر أكثر رداءة بعد تسويق الحوثيين في وسائل إعلامهم أن ما يحدث هو احتلال أميركي. وجاءت الصفعة من الموقف الدولي، حين أعلنت الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد مساندته لجهود الحكومة في "محاربة الإرهاب بحضرموت وأبين"، لتضاف نقطة رابعة إلى حسابات الفريق الحكومي.

 

تناسقت المواقف الدولية حيال المشهد اليمني وصدر بيان رئاسي عن مجلس الأمن يعزز من أحقية المنطق الحكومي المتمسك بالنقاط الخمس (الاتفاق على إجراءات أمنية انتقالية وانسحاب المجموعات المسلحة، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للدولة، وإعادة مؤسسات الدولة، واستئناف حوار سياسي جامع، وإنشاء لجنة خاصة للسجناء والمعتقلين) كأدوات لتنفيذ القرار الأممي، وهو أمر أسهم في تراخي موقف الانقلابيين، إضافة إلى الموقف الخليجي المتماسك، وتمثل ذلك في لقاء أمير دولة الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح بهم وإيصال رسالة مفادها بأن مشاورات الكويت هي الفرصة الأخيرة. ثم تبعها بعد ذلك، لقاء طرفَي الانقلاب سفراء دول الخليج، في تراجع عن الموقف السياسي المتخذ منذ عام ضد السعودية ودول الخليج، ليحصد الفريق الحكومي نقطة قوة خامسة.

 
نقطة القوة السادسة تمثلت في الأداء المتماسك سياسياً للفريق الحكومي، والذي أعدّ نفسه جيداً للإجابة عن أسئلة المستقبل، من خلال التجهيز المبكر لرؤية تنفيذ النقاط الخمس وفقاً للقرار الأممي، إذ شملت الرؤية تفاصيل عملية لمرحلة تسليم السلاح والانسحاب من المحافظات، ومن المؤسسات الحكومية، ووضع خطة زمنية وتسمية الجهات التي يمكن أن تقوم بهذا الدور بشكل علمي مقبول. كانت هذه الرؤية جاهزة حين طلبها المبعوث الأممي، وهو الأمر الذي جعل الطرف الآخر يطلب إجازة عن المشاورات لمدة يوم لكتابة رؤية للموضوع ذاته.

 

على صعيد متصل، وفي الوقت الذي بدأ اللغط حول الموقف السعودي عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في الحدود مع الحوثيين، كانت الأنباء السارة للفريق الحكومي تأتي من الرياض. تلك الأنباء نقلها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في اتصال هاتفي مع رئيس فريق المشاورات، وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، أبلغه عن موقف سعودي حازم مع الحكومة.

 
وتقول مصادر مطلعة إن لقاءً جمع الرئيس هادي وولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، جددّ فيه الأخير دعمه للحكومة وموقفها، وهي النقطة السابعة التي شدت من عضُد الفريق الحكومي ليظهر مجدداً بلغة أكثر حزماً، وتعاملاً كحكومة شرعية في وجه مليشيا.

 

تواءمت مواقف الفريق الحكومي مع الشارع العام في اليمن، تحديداً في محافظة تعز، وهي المدينة التي تعد بيت القصيد في المشهد السياسي. تجلى هذا التواؤم من خلال الخروج الجماهيري الحاشد في مدينة تعز، والذي كان تعبيراً ضاغطاً على الحكومة ومسانداً لها في الوقت عينه، في تماسك موقفها، ليظهر الفريق الحكومي أكثر تعبيراً عن ذلك الشارع حين أعلن رئيس الفريق الحكومي للمشاورات، في رسالته للمبعوث الأممي أن ما يحدث في تعز يهدد مسار المشاورات، وهي النقطة الثامنة التي تعزز قوة الجبهة الحكومية المحاربة سياسياً في الكويت.

 

نقاط أخرى يمكن أن تضاف إلى رصيد الفريق الحكومي تمثلت في الأداء الاحترافي من خلال إحراق الأوراق وعدم الانجرار وراء مطالب الطرف الآخر ورفض النقاش فيها، كما حدث تحديداً مع مطالب الانقلابيين بنقاش الملف السياسي، إضافة إلى المستوى الفني والعلمي للفريق، والجدية من خلال إرسال وفد يضم نائبي رئيس وزراء، ووزراء، ومستشارين لرئيس الجمهورية وسفراء اليمن في واشنطن والأمم المتحدة ووكلاء وزارات، ووزراء سابقين.

زر الذهاب إلى الأعلى