من الأرشيف

صنعاء: حربٌ أم سياسة؟

في 21 سبتمبر 2014، بدأت مرحلة خروج العاصمة صنعاء من تحت مظلة الدولة وخروج الفريق (اللواء حينها) علي محسن من المشهد، واستمرت عملية التنازل التدريجي عن السلطة لمصلحة جماعة أنصار الله (الحوثيين) تحت بصر الجميع بل وبمباركة الأغلبية السياسية التي رأت فيما حدث تحقيقا لرغباتهم في إخراج اللواء من دائرة التأثير ومعه تقليص نفوذ حزب الإصلاح الذي فضل تجنب الدخول في المعركة حينها، بعدما وقف الجيش متفرجا تحت شعار (حياد القوات المسلحة).

 

سارت الأمور في طريق محفوف بالمخاطر رغم القبول بحكومة شكلها الأستاذ خالد بحاح في أكتوبر 2014، وحظيت بالقبول المسكون بسوء النية من الأحزاب الرئيسية التي خضعت للأمر الواقع الذي فرضه الحوثيون على الجميع بقوة تواجدهم العسكري داخل العاصمة وشمالها وبقاء الجيش على «الحياد» واستكانة سلطات الدولة و«تربص» الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

 

في يناير 2015، ازدادت شهية الحوثيين للانقضاض على كافة المؤسسات، وانتهى بهم الأمر إلى وضع الرئيس هادي ورئيس الوزراء بحاح تحت الإقامة الجبرية في منازلهم، وسرعان ما أظهروا عدم رغبتهم في أي شراكة لا تتوافق مع مخططاتهم العبثية في تحويل مسار الدولة نحو طريق لا يتواءم مع مهامها الوطنية، بل يسير بها نحو تدمير بنيتها وأهدافها.

 

اليوم تخضع العاصمة لسلطة الحوثيين وتمكنوا من إبقاء القبائل المحيطة بها في حالة من السكون، ورغم الضغط الذي تتعرض لها مليشياتهم خارج صنعاء، إلا أنها ظلت قادرة على المقاومة رغم خسارتها لمساحات واسعة في الشرق، ولكن هذا الأمر لابد أن يسبب لها إنهاكا على المدى الطويل لا أستطيع الحكم على زمنه.

 

هنا يقفز السؤال الذي يجب على الحوثيين وحدهم الإجابة عليه: هل يجوز لهم تعريض عاصمة اليمن إلى مخاطر الدخول في حرب لا طائل من ورائها ولن يربحها أي طرف، بل ستكون مدمرة ودموية؟.

 

مارس (أنصار الله) سلطة قمعية غير مألوفة في مناطق نفوذهم المسلح على كل من خالفهم أو عارضهم واحتجزوا الكثير من الناشطين الشباب والحزبيين (استهدفوا على وجه التحديد قيادات في حزب الإصلاح كالشيخ الجليل محمد حسن دماج والصديق محمد قحطان وغيرهما)، ولم يسلم من أذاهم إلا من التزم الصمت، كما عمدوا إلى إغلاق كافة الصحف الحزبية والمستقلة، وأبعدوا كافة القيادات الإدارية العليا وأحلوا عناصرهم المطيعة، فدب فساد غير مسبوق وممارسة بعيدة عن مفهوم الدولة وطرق تسييرها، وأحدث ذلك إرباكا في حياة الناس وزادت المعاناة والأحزان، ولكن الأخطر هو إحداث شقاق مجتمعي وتفرق الناس مناطقيا ومذهبيا، بل زادوا أن مزقوا البنى الاجتماعية داخل المنطقة الواحدة.

 
يقف الحوثيون وحدهم أمام مسؤولية أخلاقية ووطنية تخلوا عنها بجشعهم وأنانيتهم وجعلتهم في مواجهة بقية اليمن في كل اتجاهاتها، وعليهم إدراك أن حماية ما تبقى من انتماء للوطن تقع على كاهلهم، ولا يجدي رفع الشعارات الجوفاء التي تعنيهم وأنصارهم فقط..
صنعاء العاصمة ومعها بقية اليمن تقف أمام مشهد مفزع إذا دارت رحى الحرب فيها وعلى أطرافها، فماذا سيفعلون أمام كل اليمن؟.
اليمن لهم وبهم وهي لغيرهم وبغيرهم!.

زر الذهاب إلى الأعلى