ما يشغل الساسة يدفع المواطن ثمنه
تتو إلى تقارير المنظمات الدولية حول الأوضاع الإنسانية في اليمن والمدى المروع الذي وصلت إليه جراء استمرار الحرب بسبب الانقلاب الحوثي، وليس هناك ما هو أكثر دلالة على مستوى الهبوط الأخلاقي الذي وصل إليه قادة الحرب اليمنيون، من تزايد أرقام النازحين داخليا واقتراب ٨٠% من المواطنين من حافة المجاعة وانهيار الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات الفقر والدمار وإغلاق معظم المؤسسات الخاصة والعامة، لكن قادة الحرب الداخلية والأحزاب لا يلتفتون إلى هذا ولا يقيمون لها وزنا، ويقينا أنها لا تشغل بالهم ولا تقلق منامهم.
قبل أيام ألقى عبدالملك الحوثي زعيم جماعة (أنصار الله الحوثيين) كلمة بمناسبة ما يطلق عليه أنصاره (ثورة ٢١ سبتمبر) التي هي بالمفهوم السياسي المجرد انقلاب بدأت فصوله في ذلك اليوم واكتملت أركانه في ٢٠ يناير ٢٠١٥ باحتجاز رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وعدد كبير من الوزراء، وما حدث بعدها كان مقدمة للحرب الأهلية الدائرة الآن التي صار كل يوم فيها يمثل مرحلة تعبر عن فترة تضاف إلى تقويمها الزمني لتمثل كابوسا مفزعا لليمنيين فيضاعف إحباطهم ويعزز من سجل إخفاقات سياسييهم وأحزابهم.
تحدث عبدالملك الحوثي في كلمته عن قضية نقل البنك المركزي، ودعا المواطنين للتبرع لرفده بموارد تعوضه عما سيفقده، فجاءت كلماته بعيدة عن مقتضيات الواقع الدامي والانهيار الاقتصادي وعكست عدم إدراك للأمر وابتعادا عن التعامل الإنساني بعيدا عن الشعارات البالية، ولما كانت كلماته نصوصا لا تقبل النقاش عند اتباعه فإنها تنعكس دائما على أدائهم تجاه القضايا الوطنية الأشد خطورة وكذا تصرفاتهم تجاه المواطنين الذين يتجرعون الثمن كاملا من انتهاك لكرامتهم وإحساسهم بأنهم شركاء وطن واحد.
رغم أن نقل البنك خارج المقر ضرورة أجبر عليها، إلا أن المواطنين ينتظرون نتيجة هذا الإجراء السياسي إذا تمكن المحافظ الجديد من إثبات قدرات خارقة يحتاجها وضع البنك المالي، كما أن الجميع سيتابع مدى صحة ما يردده في أنه حصل على وعود خليجية بمبالغ تعوض ما تم إنفاقه في فترة عمل محمد بن همام.
من الإنصاف الحديث عن دور ابن همام بعيدا عن الخطاب السياسي الذي يحمل بصمات التحدي، فقد تناقص ما لدى البنك من رصيد خارجي في الفترة بين ٢٠١٠ (٦١٥٧ مليون دولار) إلى (٤٦٦٥ مليون دولار) في ٢٠١٤، وفي العامين ٢٠١٥ إلى أغسطس ٢٠١٦ انخفض إلى (١٠١٧ مليون دولار) ورغم ذلك ظل البنك ملتزما بسداد فاتورة (الباب الأول) في كل أنحاء اليمن حتى شهر يوليو الماضي وسداد خدمات الدين الخارجي ومستحقات السفارات اليمنية ومنح المبتعثين، ولكن ما يتعمد البعض تجاهله هو استمرار الحرب الأهلية ما أدى إلى تناقص ثم انعدام الإيرادات المستدامة والمساعدات الخارجية وتوقف النشاط المالي والاقتصادي، فهل هذه مسؤولية البنك أم جزء من كوارث الساسة وقادة الحروب؟
مشكلة اليمنيين لم تكن في البنك المركزي ولكنها في سياسييهم وأحزابهم وما يفاقم من نقمة اليمنيين هو ابتعاد هؤلاء عن همومهم وفجائعهم التي لا تثير فيهم تأنيب ضمير، بينما جهدهم منكب في سباق محموم لإجراء سلسلة من التعيينات في مواقع لا قيمة لها سوى المردود المادي، ولو أنهم منحوا أنفسهم فرصة الاطلاع على تقارير المنظمات الإنسانية الدولية لكان من المحتمل قيامهم بمراجعة أخلاقية لأدائهم.