تقارير ووثائق

غموض حول مصير الهدنة في اليمن

استؤنفت الضغوط، أمس الخميس، في محاولة لإنقاذ الهدنة اليمنية من الانهيار التام بعدما دفعت الخروق المتواصلة طوال يوم أمس المتحدث باسم قوات التحالف العربي، أحمد عسيري، للقول مساء أمس إنّه "ليس هناك وقف لإطلاق النار في اليمن"، بحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس".

 

واتهم عسيري تحالف الانقلاب ب"ارتكاب خروق في اليوم الأول للهدنة، التي أقرت بموجب خطة للأمم المتحدة"، معتبراً أنّ "الوضع مماثل للمرة السابقة مع الدعوة إلى وقف لإطلاق النار". وعقب تصريحات عسيري، سارع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى دعوة الحوثيين بالاستمرار في احترام وقف إطلاق النار في اليمن، فضلاً عن دعوتهم إلى سحب قواتهم وصواريخهم.

 

وكان اليوم الأول للهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن، أمس الخميس، قد مرّ وسط التزام نسبي، تجلّت أبرز مظاهره في توقف الضربات الجوية للتحالف العربي في العاصمة صنعاء، على الرغم من تسجيل خروق في العديد من المناطق التي تشهد مواجهات مباشرة بين قوات الشرعية ومسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وسط مساعٍ حثيثة لتفعيل "لجنة التهدئة" المعنية بالإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

 
وأكدت مصادر يمنية حكومية وأخرى قريبة من الانقلابيين في اليمن، لـ"العربي الجديد"، وجود اتصالات وجهود مكثفة جرت خلال اليومين الماضيين، هدفت لتفعيل "لجنة التهدئة والتنسيق"، المعنية بالإشراف على الهدنة لتلتئم مجدداً في مدينة ظهران الجنوب السعودية، حيث كان من المقرر أن تنتقل مطلع يوليو/ تموز الماضي، إلا أن رفض الانقلابيين حضور ممثليهم أدى إلى عدم التئامها حتى اليوم.

 

وكانت "لجنة التهدئة والتنسيق" تألفت مطلع إبريل/ نيسان من مشرفين أممين وممثلين عن الحوثيين وعن الحكومة الشرعية (خمسة ممثلين عن كل طرف). وبدأت اللجنة عقد اجتماعاتها في الكويت مع بدء الهدنة في العاشر من شهر إبريل، وفي 30 يونيو/ حزيران الماضي، بالتزامن مع اختتام الجولة الأولى من المشاورات، أعلن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن اتفاق الأطراف على انتقال اللجنة إلى ظهران الجنوب السعودية.

 

في هذا السياق، أفاد مصدر سياسي يمني، بأن "تفعيل لجنة التهدئة كان مسألة خلافية بين الجماعة وحليفها حزب المؤتمر برئاسة صالح، بسبب معارضة يبديها قياديون في الطرفين لانتقال اللجنة إلى السعودية، الذين يرون أن ذلك يجعل من الرياض طرفاً راعياً للإشراف على الهدنة لا خصماً كما يرى الانقلابيون".

 

ووفقاً للمصدر، فإن "التطورات تتجه إلى تفعيل هذه اللجنة تماشياً مع الجهود الدولية التي تقودها الأمم المتحدة في هذا الصدد"، وأشار إلى أن "الأنباء عن انتقال أشخاص من طرف الحوثيين في الأيام الأخيرة إلى ظهران الجنوب لا تزال غير مؤكدة".

 

وكان الرئيس عبدربه منصور هادي، قد وضع في رسالته الموجهة للتحالف، شروطاً لإقرار الهدنة، ومنها "حضور ممثلي الطرف الانقلابي في لجنة التهدئة إلى ظهران الجنوب". وعقب ساعات من إعلان الهدنة، وصل المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى العاصمة السعودية الرياض، ومنها أكد خلال لقاء بالرئيس هادي على "ضرورة تفعيل لجنة التهدئة والتئام اجتماعاتها للوقوف على تداعيات الوضع الميداني".

 

ومن المتوقع أن يجري الحوثيون تعديلاً على قوام أعضاء لجنة التهدئة الممثلين عنهم، بعد أن قُتل رئيس اللجنة، اللواء أحمد ناجي مانع، وعضوها العميد علي الذفيف، بالقصف الذي استهدف "القاعة الكبرى" في العاصمة اليمنية صنعاء، في الثامن من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

 

وكانت مدينة ظهران الجنوب التي تتبع إدارياً لمنطقة عسير الحدودية مع اليمن، احتضنت في مارس/ آذار الماضي، أول مفاوضات مباشرة بين الحوثيين والجانب السعودي، بدأت بصورة غير معلنة بالترافق مع هدنة في الحدود. ومثّل جانب الحوثيين فيها وفد ترأسه الناطق الرسمي باسم الجماعة، رئيس وفدها المفاوض، محمد عبدالسلام، وفي وقت لاحق رعت السعودية في ظهران اتفاقات محلية بين الحوثيين والأطراف الموالية للشرعية في المحافظات.

 

وتأتي جهود إعادة تفعيل "لجنة التهدئة"، في وقت مضى فيه اليوم الأول محملاً بالخروق، وخصوصاً في منطقة ميدي التابعة إدارياً لمحافظة حجة الحدودية، إذ اتهم الحوثيون قوات الشرعية بتنفيذ زحف في الجزء الساحلي من المديرية مدعوم بغطاء جوي، فيما تحدثت أنباء عن خروق من جانب الحوثيين باتجاه الحدود السعودية، فضلاً عن الخروق في تعز ومأرب، ولم يسجل وقوع غارات في العاصمة صنعاء والمناطق البعيدة عن الاشتباكات المباشرة.

 

ووفقاً لشروط الهدنة المطروحة من الرئيس هادي في بيان التحالف "تتوقف فيها الأعمال العسكرية من قبل قوات التحالف، وفي حال استمرار قيام المليشيات الحوثية والقوات الموالية لها بأي أعمال أو تحركات عسكرية في أي منطقة فسوف يتم التصدي لها من قبل قوات التحالف، مع استمرار الحظر والتفتيش الجوي والبحري والاستطلاع الجوي لأي تحركات لمليشيات الحوثي والقوات الموالية لها".

 

وفي ظلّ المعطيات الحالية والشروط المطروحة حول وقف إطلاق النار، تبدو الهدنة عموماً أضعف حظاً من الهدنة التي سبقتها في العاشر من إبريل ولم تكن محدودة بـ72 ساعة، فضلاً عن وجود لجنة تهدئة وتنسيق مشتركة، الأمر الذي لا يتوفر في الهدنة الجديدة، ما لم تنجح الجهود الحالية بتفعيل "لجنة التهدئة والتنسيق"، وهو ما قد يقود على الأرجح إلى تمديد الفترة المحددة لها.

زر الذهاب إلى الأعلى