يمنيون يعودون إلى الزراعة بسبب الحرب
"ربّ ضارة نافعة" فعلى الرغم من ويلات الحرب ومآسيها في اليمن، هناك إفادة لبعض القطاعات، أبرزها القطاع الزراعي الذي يستمر نشاطه في الأرياف ويساهم في صمود المواطنين مع اقتراب البلاد من عام الحرب الثالث.
انهارت أغلب الأنشطة المعيشية في اليمن بسبب تداعيات الحرب التي دخلت شهرها العشرين. وبالرغم من تسبب القصف وارتفاع أسعارالحبوب والأسمدة بأضرار كبيرة للقطاع الزراعي، إلاّ أنّ الحرب أفرزت ظواهر إيجابية في هذا القطاع، وأوجدت فرصاً غير مسبوقة للمجتمع الريفي خففت من أضرارها وساهمت في استمرار الدخل لكثيرين.
هجرة السكان العكسية من المدن نحو الأرياف وانقطاع رواتب عمال القطاعين الخاص والحكومي دفعا كثيرين من بينهم إلى العمل في الزراعة واستصلاح أراض مهجورة ساهمت في استقرار كثير من الأسر النازحة وزيادة الإنتاج في عدد من المناطق. كذلك، أدى توقف الهجرة السرية إلى السعودية إلى استقرار مواطنين كثر وعودتهم إلى زراعة أرضهم. أيضاً، ساعدت الأمطار الغزيرة في العامين الماضيين في تمكين المجتمعات الفلاحية من الحصول على حصاد مُرضٍ.
الفلاح محسن شملان من ريف محافظة عمران (شمال) يؤكد أنّ منطقته أصبحت تشهد نهضة زراعية غير معهودة ويزداد فيها شهرياً عدد البيوت المحمية لرعاية المزروعات المختلفة. اقترض شملان ثلاث مرات مبالغ مالية من مؤسسة تسليف ليشتري مضخة رفع مياه بالطاقة الشمسية وثلاثة بيوت بلاستيكية محمية ليضيف إليها عشرة بيوت إضافية بعد نجاح مردودها. يقول إنّ هذه التقنيات وفرت الكثير من قيمة الوقود ذي الأسعار المتزايدة، وحمت المزروعات من تأثيرات البرد والأمراض الزراعية.
يضيف شملان أنّه وظّف ستة فنيين زراعيين من النازحين لإدارة بيوته المحمية: "الآن، تضاءلت الأمراض وتضاعفت الثمار، وباتت المساحة التي كانت تنتج 7 صناديق من الخيار تنتج الآن نحو 35 صندوقاً بفضل البيت المحمي وخبرة الفنيين، الذين اقتصدوا أيضاً في المساحات، وزرعوا الشتول على أربعة رفوف على طول تلك البيوت". يحتسب شملان استثماره: "قيمة نظام الطاقة الشمسية كاملاً تعادل قيمة ما سأستهلكه خلال عامين من وقود الديزل الذي ارتفعت أسعاره كثيراً". كذلك، يشير إلى أنّه بات قادراً على تسديد أقساط القروض من دخل محصوله بسهولة.
في السياق نفسه، حرص عبد الخالق الأنسي على إنشاء حواجز مائية صغيرة حول المساحات الزراعية المحدودة التي يملكها قرب منزله بمحافظة المحويت (غرب). فهذه الأحواض التي تمتلئ من سيول الأمطار تساعده على ري مزروعاته التي يعتمد عليها في تأمين غذاء أفراد أسرته.
يقول: "الحرب علمتنا أهمية العودة إلى الأساليب التي كان أجدادنا يستخدمونها لتوفير الغذاء بعدما اعتمدنا طويلاً على ما يباع في الأسواق". يشير إلى أنّ ارتفاع الأسعار وشحّ الأعمال جعلاه يبني حواجز مائية صغيرة تساعده على تجميع مياه الأمطار ومن ثم ري أشجار وشتول الفواكه والخضار والحبوب التي تحيط بمنزله الريفي.
من جهتها، استفادت المنظمات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي والأمم المتحدة، من هذه الظاهرة لأغراض متعددة منها تأمين مصادر غذائية ومالية مستدامة في اليمن في ظل الارتفاع المتزايد لأسعار الغذاء. وبدّلت هذه المنظمات أسلوب عملها الإغاثي في الريف باتجاه توفير أعمال مؤقتة مقابل أجور للنازحين، وذلك في مجال استصلاح الأراضي المهجورة للاستفادة منها زراعياً، أو العمل في استصلاح أراضي الغير وترميم مدرجاتهم الزراعية، وشق قنوات مياه لريّ الأراضي البعيدة عن مجاري السيول.
وكان التدهور الاقتصادي والاستثماري في المدن قد ساهم في دفع 16 مؤسسة تسليف وطنية للعمل في الريف الذي أصبحت مخاطره الاستثمارية أقلّ بالنسبة لها، بعدما كان الأعلى خطورة على هذا الصعيد قبل الحرب. أدخلت هذه المؤسسات الكثير من التقنيات الحديثة غير المسبوقة في الريف، ما ساعد المزارعين في التغلب على بعض نتائج الحرب وتوفير النفقات.
في الوقت نفسه، دفع شحّ غاز الطهو وارتفاع أسعاره المواطنين إلى بدائل مستدامة صديقة للبيئة. وقد بدأت مجتمعات عديدة في المناطق الجبلية بتركيب وحدات خاصة لإنتاج الغاز العضوي المستخرج من المخلفات الحيوانية في الريف. تقول المواطنة تقية الذماري إنّ وحدة الغاز الخاصة بأسرتها تمدهم بثلثي احتياجهم بسبب عدم مقدرتهم على الحصول على مخلفات أكثر مما لديهم.
الموظف في مكتب الزراعة بمحافظة المحويت يحيى علي، يشير إلى أنّ الحرب حوّلت الريف إلى عامل استقرار بعدما كان لعقود مصدراً طارداً لليد العاملة باتجاه المدن. يضيف أنّ الريف يمتلك الموارد المحلية الكافية للعيش والقابلة للتجدد، وما ظهر من طفرات تقنية حديثة في الآونة الأخيرة ليس أكثر من وسائل محدودة من إجمالي ما ينتظر من وسائل وأفكار أخرى لم تطبق بعد.