اقتصاد

إغلاق ميناء الحديدة يهدّد باختفاء الغذاء

يهدد إغلاق ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر (غرب اليمن) والخاضع لسيطرة الحوثيين، بتفاقم أزمة الغذاء وحدوث أزمة وقود على خلفية توقف الواردات، لكنه من ناحية أخرى سيؤدي إلى فقدان الحوثيين إيرادات مهمة.
وأكدت مصادر في ميناء الحديدة، أن "التحالف العربي بدأ إجراءات لإغلاق الميناء وأن السفن الواصلة غادرت ميناء الحديدة، منذ يومين، قبل تفريغ حمولتها، حيث لم تصل إلى غاطس الميناء، لكن السفن التي كان يجري تفريغ حمولتها استمرت في عملية التفريغ، وعندما تنتهي ستغادر، ومن المرجح أن يتم إغلاق الميناء مؤقتا".
وأوضحت المصادر أن السفن التي خضعت للتفتيش في جيبوتي من قبل فريق الأمم المتحدة وكانت متوجهة إلى ميناء الحديدة حولت مسارها إلى ميناء جيبوتي.
وتخضع جميع السفن القادمة إلى الميناء للتفتيش المسبق وفقا للآلية التي وضعتها لجنة التحقيق والتفتيش الأممية الخاصة باليمن UNVIM.
واتهمت قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن، مساء الإثنين الماضي، جماعة المتمردين الحوثيين باستخدام ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر لتهديد الملاحة الدولية.
وأكدت قيادة التحالف، في بيان، أن استمرار المليشيات الحوثية في استخدام ميناء الحديدة قاعدة انطلاق للعمليات الإرهابية يعد تطوراً خطيراً من شأنه التأثير على الملاحة الدولية وعلى تدفق المساعدات الإنسانية والطبية للميناء وللمواطنين اليمنيين.
وأعلنت قوات التحالف العربي الذي تقوده الرياض، عن تعرض فرقاطة سعودية أثناء قيامها بدورية مراقبة غرب ميناء الحديدة بالبحر الأحمر، غربي اليمن، لهجوم إرهابي من قبل 3 زوارق انتحارية تابعة للمليشيات الحوثية.
وكانت جماعة أنصار الله "الحوثيين" أعلنت عن استهداف بارجة في البحر الأحمر قبالة السواحل الغربية لليمن في تهديد خطير للملاحة الدولية وحركة مرور السفن في المياه اليمنية والدولية.
وأوضح مراقبون ومحللون اقتصاديون أن بيان التحالف مؤشر على نية لإغلاق ميناء الحديدة وإطلاق عملية عسكرية لتحريره من سيطرة المتمردين الحوثيين.
واعتبر المحلل والباحث الاقتصادي حسام السعيدي، أن إغلاق الميناء يعني أن الحركة الاقتصادية في البلاد ستتعرض إلى انتكاسة كبيرة، وفي ذات الوقت سيعني حرمان الحوثيين من موارد كبيرة وتحويلها إلى خزينة الحكومة.
وقال السعيدي: "في حال تم إغلاق الميناء فإن موجة إرباك واسعة ستصيب القطاع التجاري في اليمن، وستبرز عدة تساؤلات حول الميناء البديل ومصير إجراءات التفتيش، حيث إن ميناء الصليف غير مؤهل كميناء الحديدة".
وأكد السعيدي، أن ردة الفعل الأولى ستصيب أسعار الوقود الذي ستتأثر بإغلاق الميناء، ثم ستظهر الآثار تباعا في صورة ارتفاع في الأسعار واختفاء لبعض السلع من الأسواق.

 

ولا يزال الحوثيون الذي تعرضوا على ما يقرب من عامين لضربات "عاصفة الحزم" من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، يسيطرون على الموانئ اليمنية على طول ساحل البحر الأحمر، ومنها "الحديدة" و"المخا" وعلى جزر "كمران" و"حنيش" على البحر الأحمر غرب اليمن.
ويعتبر ميناء الحديدة الواقع على البحر الأحمر أكبر موانئ اليمن ويستقبل حوالي 70% من إجمالي واردات البضائع والوقود في اليمن، كما يمثل مركز رئيسي لدخول المساعدات الواردة من الخارج إلى البلاد.
وتعيد المخاوف من إغلاق ميناء الحديدة سيناريو عام 2015، حيث توقف خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول من ذلك العام بموجب قرار من الحكومة اليمنية قبل أن يستأنف نشاطه في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.
وعبر تجار عن مخاوف كبيرة من حدوث أزمات معيشية خانقة وارتفاع في أسعار السلع الغذائية والوقود في حال إغلاق ميناء الحديدة وتوقف الواردات.
وقال أحمد جميل، تاجر مواد غذائية: "بمجرد إغلاق الميناء ستختفي المواد الغذائية من السوق وسيرفع التجار أسعارها بشكل كبير وسوف تسيطر حالة من الهلع على السكان الذين سيتسابقون على الأسواق لشراء السلع الغذائية وتخزينها تحسباً لأيام صعبة".
وأسفرت الحرب الجارية في اليمن عن أزمة إنسانية واسعة النطاق، ﻭترك 80 % من السكان (21.1 مليون نسمة) بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة. وأدت العوائق على الواردات التجارية لليمن إلى نقص حاد في السلع والخدمات الأساسية.
ويستورد اليمن أكثر من 90% من غذائه بما في ذلك الجانب الأكبر من حاجاته من القمح، وكل احتياجاته من الأرز لتلبية متطلبات سكانه البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة.
وأكد الخبير الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، أن إغلاق ميناء الحديدة دون إيجاد بدائل تسهيل نقل السلع سيتسبب في نقص السلع، وبالتالي يمكن أن يحدث أزمة غذائية لكن ليس بشكل كبير، إذ إن الكثير من المنافذ البحرية والبرية الأخرى مثل عدن والمكلا والوديعة وشحن والمزيونة لا تزال تعمل.
وقال نصر: "ما يزال ميناء الحديدة يشكل شرياناً مهماً لوصول البضائع والسلع والخدمات، وكذلك أيضا للمساعدات الإنسانية والإغاثية، وبالتالي فإن قرار إيقافه يتطلب إجراءات موازية من قبل الحكومة تعمل على تسهيل عملية انتقال السلع والبضائع عبر الموانئ الأخرى وأبرزها ميناء عدن".
وأوضح نصر أنه رغم تحسن استقبال السلع عبر الموانئ الجنوبية عدن والمكلا وكذلك الموانئ البرية، إلا أن أبرز مشكلة يواجهها ميناء عدن هي احتكار النقل من عدن إلى بقية المحافظات، حيث ترتفع التكلفة بنسبة 400% عن التكلفة الحقيقة وهذا ما يدفع كثيراً من التجار إلى الاستيراد عبر ميناء الحديدة.

وأكد الخبير اليمني على أهمية أن تعمل الحكومة عاجلا، علي كسر الاحتكار لنقل البضائع من عدن إلى بقية المحافظات وتسهيل عملية التنقل والحد من الجبايات في المنافذ البرية وأثناء النقل.
وقال نصر: "في حال تم إلغاء الاحتكار للنقل من عدن لا أعتقد أنه سيكون هناك ارتفاع كبير، لأن الكلفة حاليا عالية جدا من جراء الإتاوات غير القانونية والتأخير في إفراغ السفن وارتفاع رسوم التامين وإعادة فرض الرسوم الجمركية أثناء الدخول إلى صنعاء من قبل الحوثيين".
وأشار إلى أنه إذا لم توجد الحكومة بدائل وأهمها معالجة مشكلة النقل من عدن إلى بقية المحافظات والحد من الإتاوات فسيكون هناك ارتفاع في أسعار السلع.
ويعاني اليمن ضائقة مالية لم يسبق لها مثيل منذ سيطرة الحوثيين على السلطة في أواخر سبتمبر/أيلول 2014، حيث توقف تصدير النفط الذي تشكل إيراداته 70% من إيرادات البلاد.
وتقول الأمم المتحدة أن اليمن على حافة الكارثة، وإن 21 مليونا من سكانه البالغ عددهم 26 مليونا في حاجة لمساعدات إنسانية، وأكثر من نصف السكان يعانون من سوء التغذية.
وانعكس تردّي الوضع الاقتصادي على الأوضاع الاجتماعية والإنسانية الهشة أصلاً التي تزداد سوءاً كل يوم، فقرابة 18.5 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة.
وتشير التقديرات إلى أن ما يناهز 14.1 مليون إنسان يعانون انعدام الأمن الغذائي، ما يعني أن واحداً من كل شخصين لا يستطيع الحصول على غذاء كاف.
ووفقاً لتقرير الجوع العالمي الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية لعام 2016، يصنف اليمن ضمن أفقر 10 دول من أصل 104 دول في العالم.
وبحسب التقرير، فإن من أبرز عوامل تفاقم انعدام الأمن الغذائي ارتفاعُ الأسعار المحلية للغذاء والوقود والمياه والدواء بالتزامن مع فقدان فرص العمل والدخل والنزوح الداخلي لملايين المواطنين عن مناطقهم.
وأظهرت بيانات أن أسعار الدقيق والسكر ارتفعت في المتوسط نحو 25% في نوفمبر في عموم اليمن عن أسعارهما قبل الحرب. وبلغت أحجام واردات الوقود في نوفمبر/ تشرين الثاني 40% فقط من متطلبات اليمن الشهرية.
وحذرت مؤسسة الإغاثة العالمية أوكسفام في تقرير حديث، من أنه بناء على واردات الغذاء الحالية، فإن اليمن سيخلو من الغذاء في غضون أشهر قليلة. وقال مارك جولدرنغ، الرئيس التنفيذي لأوكسفام: "اليمن يتضور جوعا ببطء حتى الموت".
ويعد اليمن ثاني أسوأ بلد في العالم من حيث التغذية، وتحتل محافظة الحديدة المرتبة الأولى بين محافظات اليمن في معدلات سوء التغذية بين الأطفال ما دون سن الخامسة، بحسب تقارير المنظمات الدولية.
ويشهد اليمن حربا بين جماعة الحوثيين المتحالفين مع إيران ويسيطرون على العاصمة صنعاء، وبين قوات حكومة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي التي يدعمها تحالف عربي بقيادة السعودية.
وأدى تصاعد النزاع إلى ندرة المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع الأساسية، وتعطيل سبل كسب العيش، والأسواق، والزراعة، وصيد الأسماك، وأنشطة الاستيراد والتصدير والأنشطة التجارية، وغيرها.
ويمثل ميناء الحديدة شريانا مهما للحياة الاقتصادية في اليمن، خاصة إثر التطورات الأخيرة في البلاد ويقع الميناء في مدينة الحديدة التي تخضع لسيطرة الحوثيين.
واستقبل ميناء الحديدة نحو 299 سفينة وباخرة خلال الفترة من مايو/أيار وحتى ديسمبر/كانون الأول 2016، مقارنة بـ44 سفينة في ميناء الصليف، و19 سفينة في ميناء رأس عيسى النفطي خلال الفترة ذاتها.
واستقبلت الموانئ الثلاثة نحو 1.686 مليون طن متري من المواد الغذائية خلال الفترة بين مايو وديسمبر 2016. بالإضافة إلى أكثر من مليون طن متري من الوقود.
وتبدو أهمية ميناء الحديدة واضحة من خلال الوزن الترجيحي له مقارنة ببقية الموانئ.
وكان الميناء قد استقبل نحو 29 باخرة في ديسمبر 2016 واقتربت كمية الشحن فيه من 600 ألف طن متري، موزعة على الأغذية والوقود وأخرى.
من جهة أخرى، فإن الميناء يمثل الطريق الأقرب للمساعدات الدولية. وخلال الفترة من مايو/أيار وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2016، استقبل قرابة 270 ألف طن متري من المساعدات الإنسانية.
وعقب استهداف الفرقاطة السعودية في البحر الأحمر مؤخرا، سارعت مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية إلى نفي اتهامات التحالف باستخدام الميناء لخدمة أهداف إرهابية، مؤكدة أن الميناء يمتثل للمنظومة الدولية لأمن الموانئ كما أنه يخضع لمراقبة المراقبين الأمميين.

زر الذهاب إلى الأعلى