تقارير ووثائق

اليمنيون جائعون... أسوأ الأزمات منذ الحرب العالمية الثانية

العالم مهدّد بأسوأ أزمة إنسانية منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، إذ يواجه 20 مليوناً المجاعة في كلّ من اليمن والصومال وجنوب السودان ونيجيريا. هذا ما أعلنه أخيراً الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق عمليات الإغاثة العاجلة ستيفن أوبراين

اليمنيون اليوم في مواجهة ساخنة مع الجوع، هي الأقوى في تاريخ البلاد الحديث. وينضمّون إلى شعوب ثلاث دول أخرى فقيرة (الصومال وجنوب السودان ونيجيريا) ليكونوا الأسوأ حالاً لجهة الغذاء على مستوى العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

في وقت سابق، كانت الأمم المتحدة قد أعلنت عن حاجة 19 مليون شخص من أصل 26 مليوناً هم إجماليّ سكان اليمن، إلى دعم إغاثي. ويُعدّ 10 ملايين من هؤلاء في حاجة إلى مساعدات فورية لإنقاذ حياتهم، من جرّاء الحرب القائمة في البلاد، والتي تدخل عامها الثالث في أواخر مارس/ آذار الجاري. خلال الأشهر السبعة الأخيرة من العام الماضي فقط، قفز عدد اليمنيين من الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بمقدار ثلاثة ملايين شخص. وهو الأمر الذي رفع إجماليّ عدد الذين يواجهون صعوبات في الحصول على غذائهم ويتناولون وجبات غير كافية، إلى 17 مليون شخص يمثلون ثلثَي عدد السكان، وفقاً لمسح ميداني أعدّته ثلاث منظمات إنسانية تابعة للأمم المتحدة.

عمر إبراهيم مواطن يمني من محافظة عمران (شمال) لم يعد قادراً على تقديم الغذاء المناسب والكافي لأفراد لأسرته. قبل سنوات تقاعد من الجيش، لكنّه لم يتسلّم مرتبات تقاعده منذ أشهر. يقول لـ"العربي الجديد": "لا التعليم ولا الملبس من أولوياتنا، بقدر ما هو الأكل. فصغاري يعبّرون لي عن جوعهم مرات عدّة في اليوم. أما الصحة، فينتظر المريض وصول بعض القوافل الطبية أو المخيمات المتنقلة بين الحين والآخر". ويخبر أنّه وأفراد أسرته الخمسة يتناولون وجبتَين يومياً تتألفان من "الخبز الذي أدبّره من الأسر الأفضل حالاً في الجوار ومن الأقارب، بينما أوفّر يومياً 200 ريال يمني (0.80 دولاراً أميركياً) لشراء الزبادي".

تجدر الإشارة إلى أنّ الطبقة الوسطى في اليمن تكاد تندثر، إذ التحقت نسبة كبيرة منها إلى طابور الفقراء الطويل، وراحت تصارع الجوع مع تأخّر الرواتب منذ نحو ستة أشهر. والطبقة الوسطى تضمّ موظفين في القطاعَين العام والخاص وصغار التجار وأساتذة الجامعات والكادر البشري المنتج في مختلف المجالات. في السياق، يختصر المسؤول الإداري في إحدى مدارس العاصمة صنعاء عبد الله الصعفاني وضع أسرته المعيشي، قائلاً ل "العربي الجديد": "ننام في بعض الأيام من دون تناول وجبة العشاء. لم يحدث أن وصلنا إلى هذه المرحلة من العوز والفقر في حياتنا". يضيف أنّ "في بعض الأحيان، نوهم أولادنا بأنّنا تعشّينا، لكنّنا في الحقيقة نوفّر الرغيف والجبن لهم". ويصف الصعفاني عدم قدرة الحكومة على تسليم رواتب الموظفين ب"الكارثة المحققة"، مشيراً إلى أنّ استمرار هذا الوضع يعني "موت نصف الشعب اليمني من الجوع، فيما سيغادر النصف الآخر البلاد إذا ما أتيحت له الفرصة".

منذ أسابيع، في إحدى قرى وادي سردد في محافظة المحويت (غرب)، تجلس أم صهيب وإلى جوارها رضيعها. هي حائرة، لا تدري ماذا يمكنها أن تفعل من أجل تحسين حالته التي تسوء يومياً، نتيجة ضعف جسمه. تخبر أنّه لم يعد يقبل تناول شيء باستثناء بعض السوائل الساخنة، شاكية من عدم وصول المنظمات الدولية إلى منطقتها. وتقول: إنّها تصحو في كلّ يوم مع فكرة وفاة رضيعها في أيّ لحظة. تضيف: "أتلقى بين الوقت والآخر مساعدات من أهل الخير والصدقات، لكنّ هذا لا يكفي. فهذه المساعدات مؤقتة"، مشيرة إلى أنّ "حجم هذه المساعدات تراجع بسبب سوء أوضاع الأهالي من جرّاء عدم حصولهم على مرتباتهم من الحكومة".

 

وكانت نتائج "التقييم الطارئ للأمن الغذائي والتغذية" قد أظهرت أن أكثر من مليونَي طفل يمني يعانون من "سوء التغذية الحاد"، في حين تجاوزت معدّلاته عتبة "الطوارئ" في أربع محافظات هي أبين والحديدة وحضرموت وتعز، الأمر الذي يعني أنّ معدّلات هذا المرض الفتاك وصلت إلى أكثر من 15 في المائة من أطفال اليمن. كذلك، تجاوزت معدّلات "سوء التغذية الحاد الوخيم" عتبة "الطوارئ" في سبع محافظات هي عدن والضالع والجوف والمحويت وحجة ولحج وشبوة.

وفي هذه المرحلة الدقيقة، تتضاعف معاناة أطفال اليمن بسبب عدم توفّر الغذاء في مقابل محدودية في الاستجابة الدولية الهادفة إلى التخفيف منها.

استجابة محدودة
تقدّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أنّ طفلاً يمنياً واحداً على أقلّ تقدير، يقضي كلّ عشر دقائق بأمراض كان يمكن علاجها، في ظلّ تعطل 54 في المائة من المرافق الصحية في البلاد. ويفيد المتحدث باسم المنظمة محمد الأسعدي:، بأنّ "اليونيسف رصدت زيادة بنسبة 200 في المائة في معدلات سوء التغذية بين الأطفال دون الخامسة. فبات لدينا اليوم 2.2 مليون طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذية، فيما يعاني نحو نصف مليون منهم من سوء التغذية الحاد الوخيم". يضيف أنّ "الطفل من هؤلاء يتعرّض لخطر الوفاة بمقدار عشرة أضعاف بالمقارنة مع الطفل السليم، إذا لم يُعالج في الوقت المناسب".

وعن استجابة اليونيسف في مواجهة هذه الكارثة، يقول الأسعدي إنّها "توفّر كلّ الدعم الممكن للأطفال في محافظات اليمن من دون استثناء، بما في ذلك المناطق الساخنة. وهي تقدّم الدعم للنظام الغذائي والصحي من خلال توفير اللقاحات والعلاجات الأساسية والمكملات الغذائية للأطفال والأمهات الحوامل والمرضعات". يتابع أنّ "خلال عام 2016، ساعدنا في معالجة أكثر من 200 ألف طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم. ونظراً للوضع الاقتصادي المتدهور، دعمنا نحو 15 ألف أسرة في صنعاء وتعز بالمعونات النقدية الإنسانية، بواقع 21 ألفاً و500 ريال شهرياً (نحو 86 دولاراً) على مدى ستّة أشهر. وقد استفاد من هذا الدعم أكثر من مائة ألف شخص".

ومع انعدام الدعم الحكومي والاعتماد الكامل على المنظمات الدولية في ظل ندرة التمويل الدولي، تعدّ اليونيسف من المنظمات القليلة العاملة في مكافحة سوء التغذية. لكنّها لا تستطيع والمنظمات العاملة معها في المجال نفسه، تأمين الدعم اللازم لتأمين المساعدات لهذا العدد الهائل من المحتاجين الأطفال. ويشير الأسعدي إلى بعض تفاصيل التحديات التي تعانيها المنظمة في مواجهة هذه الأوضاع، "فهي لا تستطيع بمفردها تقديم كلّ المساعدات وتوفير التمويل. في النهاية لدينا قدرات بشرية ومادية محدودة، ونحن نعمل في ظروف غاية في التعقيد والصعوبة ومحفوفة بالمخاطر. لكنّنا نتكامل مع الشركاء من وكالات الأمم المتحدة والعاملين في مجال الإغاثة المحليين والدوليين". ويصف الأسعدي السيناريوهات المتوقعة في حال لم تكن مساعدة أطفال اليمن ممكنة ب "الكارثة".

 

حقائق كارثية
وكان المسح الميداني المذكور آنفاً حول قياس انتشار انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، والذي أعدّته ثلاث منظمات إنسانية تابعة للأمم المتحدة، قد كشف أنّ خارطة الأمن الغذائي والتغذية في اليمن تستمر في الانحسار بطريقة مخيفة. ووفقاً لبيانات مؤشّر أسعار المستهلك التي يصدرها جهاز الإحصاء الحكومي، فقد ارتفعت تكاليف المعيشة أخيراً إلى أكثر من 40 في المائة، عمّا كانت عليه قبل الحرب، على الرغم من سوئها آنذاك. ويأتي ذلك نتيجة تدهور مستوى الدخل بطريقة خطيرة بعد انقطاع موارد العمل ورواتب موظفي القطاع العام من جرّاء الصراع الواسع في البلاد.

وتدهور الوضع الغذائي دفع أكثر من 60 في المائة من الأسر إلى عادات جديدة للتكيّف بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، لكنّها وسائل تكيّف تضرّ بهم وبصحتهم. وأبرز مظاهر ذلك انخفاض حجم الاستهلاك الغذائي اليومي وفقر محتوياته الغذائية واللجوء إلى شراء الأغذية الرخيصة التي تشارف تواريخ صلاحيتها على الانتهاء.

إلى ذلك، كشف تقرير حديث أعدّه برنامج الغذاء العالمي أنّ العوامل التي تؤثّر على انعدام الأمن الغذائي هي انخفاض توفّر الواردات الغذائية وارتفاع أسعارها لأسباب عدّة، أبرزها انخفاض القوة الشرائية للسكان وانخفاض العملة المحلية بنسبة 40 في المائة خلال العامَين الماضيَين وارتفاع نسبة التأمين البحري على سفن النقل واستغراق شحنات السلع وقتاً خلال التفتيش في جيبوتي.

زر الذهاب إلى الأعلى