تقارير ووثائق

حضرموت تخلط الأوراق: مطالبة بإقليم مستقل

خلطت محافظة حضرموت الأوراق على الساحة اليمنية، موجّهة ضربة قاسية لمشروع الانفصال على صيغة شمال وجنوب، مع مطالبة "مؤتمر حضرموت الجامع"، الذي عُقد أمس السبت، بأن تكون إقليماً مستقلاً، وهو ما يضع أيضاً صيغة الدولة التي كانت تحكم اليمن بعد عام 1990، أمام ظروف وعوامل مختلفة، يتوقع أن يكون لها تأثيرات على مستقبل البلاد.

واللافت أن بيان المؤتمر لم يتضمن إشارة ولو بكلمة واحدة، إلى اليمن، وعوضاً عن ذلك، شدد أكثر من مرة على مسمى "الهوية الحضرمية"، وتضمن مطالبات من شأنها الانفصال العملي، على غرار إيراد "اعتماد حضرموت منطقة عسكرية واحدة بقيادة حضرمية"، وأن "يتمتع إقليم حضرموت بحقوقه السياسية السيادية كاملة غير منقوصة".

وعلى الرغم من حديثه عن حضرموت كإقليم، إلا أن البيان الختامي لم يذكر مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي تتبناها الشرعية، كما لم يوصف حضرموت بأنها تلك المحافظات المحددة في مخرجات مؤتمر الحوار (شبوة، سقطرى، المهرة)، بل حدد أن تكون "حضرموت إقليماً مستقلاً بذاته وفق جغرافيتها المعروفة".
وتمتلك حضرموت مختلف المقومات من الخصوصية النسبية إلى الموانئ والمطارات والثروة النفطية والموقع الجغرافي الذي يجعلها بعيدة نسبياً عن مراكز النفوذ شمالاً وجنوباً. وكان التقسيم الفيدرالي قد صنّف حضرموت كإقليم بمساحة تزيد عن نصف مساحة اليمن.

وطالب المؤتمر في بيانه الختامي، بأن "تكون حضرموت إقليماً مستقلاً بذاته وفق جغرافيتها المعروفة"، على أن يتمتع الإقليم بحقوقه السياسية السيادية كاملة غير منقوصة، مع المطالبة بتخصيص 40 في المائة من المواقع في السلطات الاتحادية لصالح الإقليم. وتضمن بيان المؤتمر أنه "يحق لأبناء حضرموت ترك الاتحاد متى رأوا أنه لم يعد على النحو الذي اتُّفِقَ عليه، بما يضمن امتلاكه لكافة حقوقه، ويحفظ الهوية الحضرمية، وبخاصةٍ الهوية الثقافية والاجتماعية والمدنية". وبينما تُقسم حضرموت حالياً إلى منطقتين عسكريتين، طالب مؤتمر حضرموت الجامع، ب"اعتماد حضرموت منطقة عسكرية واحدة بقيادة حضرمية، وضم جميع الضباط الحضارم الذين أحيلوا قسراً إلى التقاعد والنظر في تظلمات المراحل السابقة وفقاً للقانون".
وعُقد المؤتمر أمس في مدينة المكلا، مركز المحافظة، بحضور 3001 مشارك، يمثلون مختلف المكونات السياسية والاجتماعية والشخصيات الحضرمية في المهجر، ورجال أعمال، ومن مختلف الشرائح الاجتماعية، ومثّل "الحدث الأكبر طيلة قرن في حضرموت"، وفق وصف أحد أعضاء الهيئة التحضيرية العليا للمؤتمر.
وأطلق محافظ حضرموت، اللواء أحمد سعيد بن بريك، خلال افتتاح المؤتمر، تصريحات حملت رسائل صريحة ومهمة بتحديد مستقبل اليمن، إذ أعلن أن حضرموت التي تمثّل ثلث مساحة اليمن، لا تسعى للانفصال، ولكنها إقليم مستقل في إطار الدولة الاتحادية المؤلفة من ستة أقاليم.
أما الرسالة التي كانت من أبرز ما تردد على الإطلاق، والتي تقول مصادر مطلعة، إن تحضيرية مؤتمر حضرموت الجامع تجنّبت الخوض فيها خلال الفترة الماضية، فقد كانت على لسان المحافظ أيضاً، الذي أكد بكل وضوح أن حضرموت تسعى لتعويض 50 سنة ماضية، وأنها ترفض التبعية، وهي رسالة متعلقة بالملف الأكثر حساسية جنوباً أكثر منه شمالاً، إذ إنها تعبر عن قطاع غير قليل من أبناء محافظة حضرموت، ينظرون لدولة الشطر الجنوبي في اليمن قبل الوحدة بأنها فرضت نظامها على حضرموت بالقوة بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني عام 1967.
واتجه محافظ حضرموت، في رسائله السياسية، إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال مخاطبة أبناء المحافظات الجنوبية (عدن، لحج، الضالع، أبين)، بالقول "كفى عبثاً"، و"نريد منهم أن يقيموا إقليماً تحت الستة أقاليم، نريدهم أن يتوحّدوا ويبتعدوا عن الخلافات مثل ما عمل الحضارم"، وهو ما يعني أن حضرموت لن تكون ضمن انفصال جنوبي عن الشمال، بناءً على خريطة ما قبل إعادة توحيد اليمن عام 1990.
وتُعتبر مسألة استقلال حضرموت ك"إقليم"، من أبرز المخاوف المرتبطة بالذهنية الجنوبية قبل الشمالية، إذ كان جنوب اليمن قبل الاستقلال 1967، مؤلفاً من نحو 23 سلطنة ومشيخة تحت الاستعمار البريطاني، وكان توحيدها أبرز تحدٍ للنظام الاشتراكي الذي قام في عدن، ووحد الجزء الجنوبي والشرقي لليمن، في حين أن الحضارم، أو جزءاً واسعاً منهم على الأقل، يرون حضرموت خصوصية أحق بذاتها، وينظرون إلى الـ50 عاماً الماضية بأنها لم تحقق إرادتهم.
ومن المعروف في الأوساط السياسية اليمنية، أن الخوف من انفصال حضرموت، يُعد أبرز تحدٍ أمام الحراك الجنوبي الذي انطلقت فعاليته جنوباً في عام 2007 بمطالب حقوقية تحولت إلى دعوات للانفصال عن الشمال بناءً على حدود ما قبل 1990. لكن اجتماع ثلاثة آلاف حضرمي في "أكبر عرسٍ سياسيٍ تشهده المحافظة"، وفقاً لوصف سياسي حضرمي، جاء ليوجّه رسالة للجنوب بأن حضرموت لن تكون جزءاً من جنوب منفصل، بل إقليماً مستقلاً في دولة اتحادية يمنية.

وخلال افتتاح المؤتمر، أعلن المحافظ أن تدشين الأقاليم قد يتم في غضون عشرة أيام، إلا أنه لم يوضح طبيعة التدشين، باعتباره أمراً متعلقاً بالدستور المعني بإقرار الأقاليم، في حين أن مسودة الدستور المنبثقة عن مخرجات الحوار الوطني، لم تُعرض حتى اليوم على الاستفتاء بسبب الحرب التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عامين.
ومن المتوقع أن تكون لانعقاد مؤتمر حضرموت الجامع، تأثيرات مباشرة على الوضع السياسي في البلد عموماً، إذ إن المحافظات الجنوبية التي يرفع العديد من السياسيين فيها مطلب "الانفصال"، أو "الاستقلال" عن الشمال، ستجد أمامها شبح تقسيم الجنوب شاخصاً، تماماً مثلما أنه نقطة ضعف الداعين إلى الانفصال. وإلى وقت قريب، كان الحزب الاشتراكي اليمني الذي يعتبر بعض قياداته أن له الدور الأبرز في توحيد الجنوب، الأكثر تخوفاً من تقسيم اليمن إلى أقاليم، مع مطالبتهم أن يكون التقسيم إلى إقليمين شمالي وجنوبي يحافظ على وحدة الجنوب. وبسبب تقسيم الجنوب إلى إقليمين (عدن وحضرموت)، انسحب مكون الحراك الجنوبي، الذي شارك في مؤتمر الحوار الوطني، برئاسة محافظ أبين الأسبق، محمد علي محمد، كما تغيب عن الأسابيع الأخيرة لمؤتمر الحوار، الأمين العام للحزب الاشتراكي سابقاً، وسفير اليمن حالياً في لندن، ياسين نعمان.

زر الذهاب إلى الأعلى