تراجع تنظيم القاعدة في جنوب اليمن: هزيمة أم تكتيك؟
أمام حملات أمنية لا تكاد ترقى إلى المواجهة، انحسرت سيطرة "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، في أغلب مناطق انتشاره التقليدية، في محافظات جنوب اليمن، وسط تفسيرات متعددة، حول أسباب تراجع التنظيم، وما إذا كانت عمليات القوات الحكومية، المدعومة من الإمارات، ساهمت في الحد من نفوذ "القاعدة"، أم أنها إزاحة مؤقتة له من الواجهة، قد يعود بعدها، عبر معركة يختارها، كما حصل في مرات سابقة. وتفيد مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، بأن انتشار تنظيم "القاعدة" وسيطرته في المناطق الجنوبية لليمن، قد تراجعا في الأشهر الأخيرة، على نحو غير مسبوق منذ ما يقرب من عامين، بالتزامن مع انتشار قوات يمنية، دربتها القوات الإماراتية التي تتولّى واجهة عمل وحضور التحالف في جنوب البلاد. غير أن التراجع لم يأتِ كنتيجة لهزيمة بالضرورة، بقدر ما هو انسحاب يحمل العديد من التفسيرات.
وكانت قوات ما يعرف ب"الحزام الأمني" قد انتشرت أخيراً في مناطق متفرقة في محافظة أبين، بعد أقل من شهرين على انتشار قوة أخرى تُعرف ب"النخبة الشبوانية" في محافظة شبوة المحاذية لأبين من الشرق. وكلا المحافظتين، أبين وشبوة، إلى جانب محافظة البيضاء، في صدارة المحافظات اليمنية التي يتمتع فيها تنظيم "القاعدة" بنفوذ منذ سنوات عديدة. ومع انتشار القوات الحكومية، الموالية للإمارات، في مناطق متفرقة في محافظتي أبين وشبوة، تكون سيطرة تنظيم "القاعدة" قد انحسرت في المحافظات الجنوبية لليمن، إلى حد كبير، بعد أن كان يسيطر، أو ينتشر، مع مطلع عام 2016، على مساحات واسعة، ابتداءً من أطراف عدن (مركز المحافظات الجنوبية)، مروراً بمدن ومناطق متفرقة في أبين وشبوة، وصولاً إلى المكلا مركز محافظة حضرموت شرقاً.
وإزاء هذا التطور تُطرح العديد من الأسئلة، حول ما وراء هذا التراجع، إذ إنه من الواضح أنه لم يأتِ نتيجة لهزيمة عسكرية، بل إنه، ووفقاً لمصادر تحدثت، جاء بسبب عوامل عدة، أبرزها أن انتشار "القاعدة" في تلك المناطق، كان في الأصل لتغطية الفراغ الذي تركه غياب وجود قوات حكومية، إثر الحرب التي شهدتها تلك المحافظات في عام 2015، بين قوات الشرعية والتحالف، ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وحلفائهم الموالين لعلي عبدالله صالح. وحسب المصادر فإن حملات الانتشار التي تقوم بها قوات ما يُعرف ب"الحزام الأمني"، أو ما سُمي ب"النخبة الشبوانية"، وضعت التنظيم، أمام خياري المواجهة المباشرة لهذه القوات، وهو ما لا تفضله استراتيجية "القاعدة" ولا تدعمه فيها موازين القوة، في ظل تعرضه للغارات الجوية. فيما الخيار الآخر هو الانسحاب أمام الحملات، بما يحافظ على وجوده بعيداً عن الواجهة والسيطرة التي قد ينتج عنها خسائر أكثر منها مكسباً يستفيد منه التنظيم.
ومع بقاء وجود "القاعدة"، والذي انسحب عناصره إلى مناطق نائية أو إلى محافظة البيضاء (معقل التنظيم في المرحلة الحالية وسط البلاد)، تبقى المعركة مفتوحة مع القوات الحكومية، وهو ما تقوله البيانات الصادرة عن التنظيم، والتي يوجه فيها تهديدات مباشرة إلى "الحزام الأمني" و"النخبة الشبوانية"، بحيث يستهدف فيها التنظيم هذه القوات، بالطريقة التي يفضلها، وهي الهجمات المباغتة أو العبوات الناسفة وغيرها من الوسائل. وشهد الشهران الأخيران في اليمن، قيام القوات الحكومية، المدعومة من الإمارات، بمداهمات مستهدفة المشتبه بهم بالانتماء إلى التنظيم في شبوة وأبين، وحتى في منطقة يافع التابعة إلى محافظة لحج، في مؤشر على أن الانتشار الأمني للقوات الحكومية لا يعني نهاية الحرب، بقدر ما إن الواقع ما يزال مفتوحاً على جميع الاحتمالات، الأمر الذي تعززه تجارب سنوات سابقة، أعلنت خلالها القوات الحكومية طرد مسلحي "القاعدة"، ثم ما لبث أن عاد نفوذهم من جديد، في ظروف مؤاتية.
الجدير بالذكر أن تنظيم "القاعدة" في اليمن يعد أحد أقوى فروع التنظيم الدولي في العالم، واستفاد من الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عامين، لينتشر في مناطق واسعة جنوباً، لكن الانتشار تراجع أمام الحملات الحكومية منذ ما يقرب من عام ونصف العام، فيما كان التنظيم قد تعرض في النصف الأول من العام الحالي إلى موجة غير مسبوقة من الغارات الأميركية، وصلت إلى العشرات. ومع ذلك، فإن العديد من المعطيات الواقعية، تشير إلى أن التنظيم لم يخسر على النحو الذي يمكن اعتباره "هزيمة"، بقدر ما هو تكتيك أو نتيجة لعوامل داخلية مرتبطة باستراتيجية "القاعدة" التي تسببت التطورات في البلاد في السنوات الأخيرة، بتغييرها، أو إيجاد تباينات في صفوف قيادات التنظيم بالرأي تجاهها، فضلاً عن التجارب التي مر بها بسبب سيطرته على مدن بفترات متقطعة، ودفعته لاعتماد أساليب سياسية محلية، إلى جانب تبنيه العنف المسلح.