يمنيون يموتون خارج المستشفيات
توفي أحمد عبد الله شعفل في ليلة باردة بمدينة المحويت (غرب اليمن) بعد أيام من إصابته بالكوليرا. عرفت أسرة شعفل مبكراً أنّه مصاب بالمرض القاتل، لكنّها عجزت عن توفير مبلغ يساعدها في السفر من قريته الريفية التي يسكن فيها إلى مستشفى "الجمهوري" في مركز المدينة.
كثير من الأسر القاطنة في المناطق الريفية لا سيما تلك التي يسيطر عليها الحوثيون تفشل في محاولة الوصول إلى المستشفيات لتلقي العلاج في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها اليمن جراء الحرب التي تصاعدت وتيرتها في مارس/ آذار 2015.
يقول كمال أحمد، وهو جار الراحل، إنّه سمع صوت امرأة تستغيث عند خروجه من المسجد بعد صلاة الجمعة مع عدد من المصلّين: "اقتربنا منها فطلبت منا أن ندخل إلى زوجها المريض، إلا أنّنا وجدناه قد لفظ أنفاسه بعد أيام من المرض". يشير أحمد إلى أنّ السبب وراء عدم نقله إلى المستشفى يرجع إلى عدم قدرة الزوجة على توفير كلفة النقل.
تتكرر هذه المأساة في المناطق الساحلية البعيدة عن مركز مدينة الحديدة (غرب). يموت يمنيون بسبب أمراض كان في الإمكان علاجها في حال وصلوا إلى أقرب مركز صحي بحسب عبد السلام التهامي. يقول ل "العربي الجديد": "مات بعض كبار السن في القرى المجاورة بسبب أمراض يمكن علاجها في المستشفى بكلّ بساطة فقط لأنّ أسرهم الفقيرة لا تستطيع نقلهم إلى المستشفى وتحمّل تكاليف العلاج". يلفت إلى عدم حضور للدولة أو المجلس المحلي الذي يفترض أن يتحمل مسؤولية الحفاظ على حياة المواطنين في مثل هذه الظروف.
يضيف: "في مثل هذا الوضع من المفترض أن تسخّر سيارات تابعة للدولة أو المسؤولين المحليين لنقل المرضى المحتاجين إلى المستشفيات خصوصاً مع انتشار أمراض تتطلب النقل السريع. لكن، للأسف هذا ما لا يحدث بل كلّ مسؤول يهتم بنفسه وأفراد أسرته، ويموت الفقراء أمام أعينهم". يتابع أنّ أكثر الوفيات بسبب الأمراض في المناطق التهامية هم من كبار السن: "غالباً ما يخفون آلامهم ولا يظهرونها لأبنائهم تفهماً منهم للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها أو جهلاً بمخاطر الأمراض على حياتهم".
يشير التهامي إلى أنّ أحد المرضى سقط من الدراجة النارية أثناء نقله على متنها إلى المستشفى: "الأسرة فقيرة، وعندما قررت نقل مريضها إلى المستشفى طلبوا من صاحب دراجة نارية أن يساعدهم في ذلك لأنّ كلفة النقل تكون قليلة مقارنة بالسيارة بسبب ارتفاع أسعار الوقود". يتابع، إنّ المريض لم يستطع أن يتمسك بالسائق بشكل جيد، ما أدى إلى سقوطه من الدراجة خلال سيرها بسرعة كبيرة".
يحاول بعض المرضى فعل أي شيء من أجل الوصول للمستشفى للعلاج. يقول حميد صالح، وهو سائق تاكسي في صنعاء، إنّ أحد المرضى طلب منه أن يوصله إلى المستشفى من أجل تلقي العلاج مقابل إعطائه ذاكرة خارجية للهاتف المحمول الخاص به، فهو لا يملك المال. يضيف: "ركب معي كثير من المرضى الذين يعرضون مقتنيات خاصة بدلاً من الأجرة من أجل توصيلهم إلى المستشفى وإعادتهم إلى منازلهم". يشير إلى أنّ هذه الحالات برزت وتكاثرت بشكل لافت في العامين الأخيرين.
يتابع: "هذا الأمر طبيعي، الموظفون وهم من كانوا الأفضل معيشياً في اليمن يعيشون منذ قرابة عام بلا رواتب، والأعمال الخاصة واليدوية توقفت، فمن أين يحصل الناس على ما يساعدهم على العيش؟". يحذر من استمرار الوضع على ما هو عليه، ولا يستبعد أن "يضطر الناس لبيع أثاث منازلهم من أجل تأمين أبسط الاحتياجات".
في هذا الإطار، يقول الطبيب في مخيم منظمة "يونيسف" لعلاج الكوليرا في مستشفى "السبعين" بصنعاء، محمد صلاح إنّ كثيراً من الحالات المتأخرة المصابة بالكوليرا التي تصل إلى المخيم "كانت إما بسبب عدم امتلاك أسر المرضى أجرة المواصلات، أو عدم وعيها بخطورة المرض". يضيف: "علاج مرض الكوليرا في المخيم مجاني بالكامل. والحملات المدنية التوعوية، الشهر الماضي، في مختلف مناطق الجمهورية بتمويل المنظمات الدولية ساهمت في الحدّ من معاناة تلك الأسر التي تمر بأوضاع معيشية بالغة الصعوبة جراء الحرب. كذلك، جرى توزيع أدوات ومستلزمات صحية تساعد على الوقاية من الأمراض المختلفة".
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أكدت صعوبة انتظام تقديم الخدمات الصحية في اليمن، بسبب الصراع الذي أدى إلى تدمير قرابة 55 في المائة من المرافق الصحية، إذ يفتقر نحو 15 مليون شخص لخدمات الرعاية الصحية الأساسية من بينهم نحو 9 ملايين يعيشون في مناطق محرومة من الخدمات، كما أنّ هناك نقصاً مزمناً في المؤن الطبية.