حكاية مرضى الكلى في اليمن
إضافة إلى الحرب في اليمن، يواجه مرضى الكلى في البلاد مأساة أخرى، هي مواجهة الموت من جرّاء عدم توفّر الخدمات الأساسية. وتستمرّ الحكومتان في التخلّي عن مسؤوليّة تقديم الخدمات الصحية لمعظم اليمنيّين، خصوصاً في مناطق الكثافة السكانية شمالاً وغرباً، في وقت تركّز معظم المنظمات الدولية الطبية أعمالها الإنسانية على مكافحة الكوليرا، من دون الاكتراث لمرضى الكلى، والذين لا يعرفون مصيرهم بعد.
ظروف الحرب القاسية أثّرت على عمل 28 مركزاً لعلاج مرضى الكلى، بسبب الإهمال والتجاهل. وفي الوقت الحالي، قليلة هي المنظمات التي تدعم هذه المراكز. وتشكو منظمة "أطباء بلا حدود" بسبب عدم قدرتها على دعم مرضى الكلى من جراء قيود الاستيراد عبر الميناء الرئيسي في مدينة الحديدة، وإغلاق مطار صنعاء الدولي. وكان مدير المنظمة في اليمن، ويليام تيرنر، قد أعلن في وقت سابق أنّ أولئك الذين يعانون من قصور كلوي "في لحظة حرجة".
قبل أسابيع، توفي المريض عادل الحيمي (40 عاماً)، وهو من مدينة صنعاء، بعدما تفاقمت حالته الصحية بسبب تعطّل جهاز الغسيل في مركز الكلى في المستشفى العسكري في صنعاء. ويقول شقيقه الأصغر محمد، ل "العربي الجديد": "اضطررت إلى نقل شقيقي من مركز علاج الكلى الرئيسي في المدينة إلى المستشفى العسكري، بسبب تعطّل الأجهزة ونقص محاليل الغسيل، لكن سرعان ما تعطّلت فلاتر خاصة بغسيل الكلى في المستشفى، لتتوقف عمليّة الغسيل عشرة أيام". يضيف أن حالة شقيقه ساءت في هذه الفترة، ليتوفى بعد أيام.
يحدث الأمر في المستشفيات الكبرى في المدينة، لكنّ الأمر يكون أكثر سوءاً في مراكز العلاج الموجودة في مناطق ريفية نوعاً ما. النازح حسن العُديني، الذي يعاني من قصور كلوي، اضطرّ إلى إيقاف علاجه في مركز مدينة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، بعدما طُلب منه شراء محاليل وغيرها بقيمة 120 دولاراً، من دون أن يكون قادراً على تأمين المبلغ. إثر ذلك، انتقل إلى محافظة المحويت بعدما دلّه أحد أقاربه، وهو موظّف في وزارة الصحة، على مركز للكلى في المحويت (170 كيلومتراً غرب صنعاء). لكنّ بعد أسابيع قليلة، تأثر عمل المركز، علماً أنه يحصل على دعم من قبل منظمة دولية. يقول العديني: "قابلت عدداً من المرضى الذين يتنقلون من مركز إلى آخر، وقد جاؤوا من مدن صنعاء وتعز والحديدة وحجة. ويخضع المريض في المركز إلى جلستين في الأسبوع، وتصل مدة الجلسة الواحدة إلى أربع ساعات، بهدف مساعدة العدد الأكبر من المرضى".
في الوقت الحالي، يعتمد المركز على اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، لتوفير احتياجاته من الأدوية وغيرها. ويقول مدير المركز عبده محمد مزارق، إنّ المركز سيتوقف عن العمل بمجرد توقّف دعم اللجنة. ويوضح أن التحديات التي يواجهها مركزه في الوقت الراهن، هي عدم توفر مادة الديزل لتشغيل المولدات الكهربائيّة، وعدم صرف رواتب ومستحقات العاملين منذ نحو عام، إضافة إلى النقص الحاد في بعض الأدوية الأساسية.
ويلفت إلى حاجة المركز بشكل طارئ إلى بعض مستلزمات العلاج، إضافة إلى تأمين أجور العاملين، وتوفير مادة الديزل لتشغيل المولدات الكهربائية، والمياه، وغيرها من الأساسيات. وتوقّفت جمعيّة مرضى الفشل الكلوي في المحويت عن المساهمة في تقديم الدعم المادي أو العلاج للمرضى، بسبب عدم توفر الإمكانات لديها، وتوقف الدعم الحكومي لها. وكانت الجمعية تتلقى دعماً مالياً من خلال اقتطاع مئتي ريال يمني (60 سنتاً) من راتب كل موظف في المحافظة. إلا أن عدم حصول الموظفين على رواتبهم أدّى إلى توقّف الدعم نهائياً للجمعية التي كانت تدعم المركز بشكل يومي.
كذلك، عجزت الجمعيّة عن دعم السكن الخاص الذي خصصته لإسكان المرضى القادمين من المناطق البعيدة، مع تقديم وجبات غذائية مجانية لهم. وتعمل الجمعيّة في الوقت الراهن معتمدة على التبرعات الضئيلة التي تصلها من فاعلي الخير.
وكانت منظمتا أطباء بلا حدود الإسبانية والهولندية قد دعمتا المركز في العام الماضي، من خلال توفير المحاليل الخاصة للغسيل وغيرها من المستلزمات. وفي الوقت الحالي، تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تأمين بعض مستلزمات المركز. ومؤخراً، أعلنت منظمة الصحة العالمية إيصالها 100 طن من مستلزمات غسيل الكلى المختلفة إلى محافظة صعدة أقصى شمال اليمن.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من خمسة آلاف مريض في اليمن من صعوبة الوصول إلى مراكز غسيل الكلى، الموجودة في عدد قليل من المرافق الصحية ومراكز علاج الأمراض غير المعدية بشكل عام مثل أمراض الكلى والسكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان.