تشكل المسألة الإيرانية بالنسبة للعالم العربي هاجسا سياسيا وعقائديا دائما، فإيران إحدى دول الجوار المهمة، ولها دورها الإقليمي المؤثر بما تختزنه من عناصر تاريخية وثقافية مع العالم العربي والإسلامي، وبما يحفزها موقعها الجغرافي الواقع على الضفة الشرقية للخليج العربي (الفارسي) وفي منطقة غاية في الحساسية والتوتر قريبة من مناطق الصراع والنفوذ الشرقي والغربي في آسيا الوسطى وشمالها ..
من هنا، وفي ظل هذا الأفق، فإن إيران التي ما تزال محافظة على مبادىء ثورتها الإسلامية الخمينية التي انطلقت في العام 1979م تشكل هاجسا كبيرا للعالم العربي خاصة في هذه المرحلة الراهنة التي بات المشروع النووي الإيراني يمثل أحد الأخطار الكبيرة التي تحدق بالعالم العربي.
ولأن العرب يخلطون دائما بين ما هو عقائدي وما هوسياسي، ولا يجيدون تماما الفصل بينهما أو الدخول إلى اللعبة السياسية بحنكة ومهارة، فإن التعامل مع إيران يتم عبر زاويتين:
- الأولى: النظر إلى الخطر الإيراني من وجهة عقائدية خاصة بعد التغلغل الإيراني في العراق، ولبنان، والسعي إلى التأثير في الواقع العقدي لدول مثل البحرين، والسعودية، ومصر، واليمن. فضلا عن امتداد النفوذ السياسي الإيراني إلى غزة، واليمن، بل وبلاد المغرب العربي.
- الثانية: التعامل السياسي مع إيران بشكل مرحلي مؤقت، يهدف إلى الترويض والتسكين لا إلى الامتداد والاستشراف، خاصة أن إيران أصبحت تقع ضمن دائرة المهددين للعالم العربي، وهي ما تزال تحتل الجزر الإماراتية الثلاث.
مع ذلك تشهد العلاقات العربية – الإيرانية قدرا من التقارب أو قسطا من التوتر تبعا للأحداث الجارية، وتبعا لنظرة كل طرف إلى موقعه وموقفه من هذه الأحداث إقليمية أم دولية.
ويجيء كتاب الكاتب علاء عبدالمنعم:" الآيات السوداء: قراءة في ذاكرة دولة الشر" (دار اكتب – القاهرة 2009) ليترى في الاتجاه نفسه الذي يسعى للكشف عما تقوم به دولة الشر (إيران) من سعي لنشر المذهب الشيعي في البلاد العربية وإثارة القلاقل بها.
يحتوي الكتاب على ست قراءات كما يسميها المؤلف، جاءت عناوينها كالتالي: إسماعيل الصفوي رأس الحية، وحرب الروافض وسياسة التطهير الصفوي، فرض الحراسة على المنطقة العربية، التحالفات الفارسية، فرض النفوذ الشيعي، الانتشار الفارسي في العالم العربي والغربي، وفي تاريخ النووي الفارسي، وسوف نقف مع أبرز ما جاء في هذا الكتاب المثير.
الخميني: فارس أحلام أمريكا
يتحدث الكاتب عما يسميه ب" فرض الحراسة على المنطقة العربية" من قبل إيران التي تتصرف على أنها " القوة المهيمنة في المنطقة وزعيم المسلمين في العالم" كما ذكر جيمس بلاك أحد مساعدي الإدارة الأمريكية السابقين، وينقل الكاتب عن مجلة تايم وصحيفة الواشنطن بوست في العامين 1991-1992 أن الحكومة الإيرانية ترسل الأموال والبعثات إلى بلدان مثل غانا ونيجيريا، وتستقبل الطلاب المسلمين من تايلاند وبورما وأندونيسيا ليتلقوا الدراسة في "قم". كما أن النظام الإيراني بعث ب(1300) مبشر للمذهب الشيعي إلى الجمهوريات الإسلامية (السوفيتية سابقا) باسم مدرسين، وأنها أقامت مراكز تدريب لأبناء هذه الجمهوريات في طهران ومشهد وقم وتبريز بتكلفة بليوني دولار.
وفي الخليج تصر إيران على أن تبقى القوة المهيمنة الوحيدة بعدما تم تدمير العراق كقوة رادعة، وفي سبيل تثبيت هذه الحقيقة قامت باستكمال احتلال جزيرة (أبو موسى) التابعة لدولة الإمارات، كما سعت إيران إلى توسيع نفوذها السياسي والثقافي شمالا حيث الجمهوريات الإسلامية، بل وتدخلت في الشؤون الداخلية لأفغانستان بعد سقوط النظام الشيوعي، بحجة ضمان حق الشيعة في المشاركة في الحكومة التي سيشكلها المجاهدون مستقبلا.
ويتحدث الكاتب عن اضطهاد السنة في إيران الذين يمثلون 40% من سكان إيران، كما يتحدث عما يسميه بسياسة " الأمرنة" أو التعاون الأمريكي الإيراني التاريخي، وهو يرى أن مراحل تكون الثورة الإيرانية الإسلامية قد مرت بقنوات أمريكية معروفة، بدءا من سرقة الثورة من مجاهدي خلق، وما عرف بالثورة النسائية في مقتبل تكون الثورة الإيرانية حين خرج آلاف النساء إلى شوارع طهران سافرات الرؤوس يدعين إلى الثورة على كل ما هو " بهلوي" وداعيات إلى دولة ليبرالية علمانية، ثم تمت السرقة الأمريكية للثورة وتم تغليفها إعلاميا باسم ثورة الشريط الإسلامي، ومن ثم تسليمها في طبق من ذهب إلى الآيات والملالي تحت زعامة الخميني الذي كان قبل ذلك يدرس الفلسفة الشرقية في في جامعات فرنسا، ليظهر بعد ذلك في نقل مباشر على شاشات التليفزيون العالمية وهو يهبط من الطائرة الفرنسية متكئا على كتف كابتن الطائرة الفرنسي!
لقد كان الخميني – فيما يرى الكاتب- هو فارس أحلام الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والذي رأت فيه من يستطيع أن يحل هذه الإشكالية الكبيرة التي كانت تحول دون قيام الثورة الإيرانية.
ولا يمكن تصور نجاح الثورة الخمينية بمنأى عن الدعم الأمريكي الثقيل، إذ في الفترة التي قامت فيها الثورة على الشاه كان في إيران وحدها 40 ألف عسكري أمريكي يعملون كخبراء وقادة في وزارتي الداخلية والخارجية وفي دوائر الأمن والسافاك (الاستخبارات الإيرانية في عهد الشاه) وشركات النفط ويمتلكون أحدث أجهزة التجسس ونسبتهم واحد إلى سبعة من الجيش الإيراني، بل وعلى كل طائرة من طائرات إف 15 خبير عسكري حسب تقرير صحيفة اللوموند الفرنسية.
وقد كتب الشاه في مذكراته: أن الجنرال " هويزر" نائب رئيس القيادة الأمريكية في أوروبا وصل إلى طهران بسرية قبيل الثورة بعدة أيام ودون عرفته بذلك مسبقا. وقد أكدت أجهزة الإعلام السوفيتية بعد ذلك أن الجنرال وصل إلى طهران للقيام بانقلاب عسكري.
ويشير الكاتب إلى أن الأمريكيين الذين اجهضوا ثورة الدكتور مصدق الليبرالية الديمقراطية قبل ذلك بسنوات هم أنفسهم الذين تبنوا بل ودبروا ثورة الملالي الدينية الرجعية. بل إن مجاهدي خلق وثوار خلق والجبهة الوطنية للثورة الإيرانية التقدمية سنجابي، رفضت التحالف مع حكومة الملالي الثورية لكونها حكومة أمريكية.
لقد جرى خلال الاضطرابات والقلاقل التي واكبت مراسم تنصيب الإمام الخميني رئيسا لمجلس الثورة تحييد الجيش الإيراني الذي كان قادرا على حسم الموقف، وذلك من قبل المخابرات والوجود الأمريكي في إيران، في حين كان أي طيار من الجيش الإيراني يستطيع إسقاط طائرة الخميني وإفساد مراسم الزفة الفرنسية الأمريكية الخمينية.
وفي 11 أكتوبر 1979 أجهضت الولايات المتحدة محاولة انقلابية عسكرية دبرها الجيش الإيراني على الحكومة الخمينية. وهاجم رئيس الحزب الجمهوري آنذاك جورج بوش الرئيس كارتر ووصفه بالنفاق، وأنه هو الذي أعطى كلمة السر للمخابرات الأمريكية بأن تبدأ بتدمير الشاه.
ولنفي ما أشيع في الأوساط الإيرانية وغيرها من ارتباط الثورة الإيرانية بالمخابرات الأمريكية ومن أجل تنفيذ مخطط تصدير الثورة لبلدان العربي قام الطلاب الإيرانيون بإيحاء من حكومة الملالي الإيرانية وبالتنسيق مع المخابرات الأمريكية بمهاجمة السفارة الأمريكية واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في مسرحية هزلية انتهت بالإفراج عن الرهائن والعفو عن المهاجمين وعدم اتخاذ أي عقوبات أمريكية ضد الحكومة الإيرانية. كما اشتهرت فضيحة إيران جيت، حيث كشفت الدوائر الإعلامية أن حكومة الولايات المتحدة كانت تشن حملة إعلامية ضد إيران وكانت في الوقت نفسه تمول الحكومة الإيرانية بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية.
إيران النووية:
تحت عنوان: النووي الإيراني في الاستراتيجية الأمريكية، يتحدث الكاتب عن دور الاستخبارات الأمريكية ال cia في المساهمة بشكل ما في البرنامج النووي الإيراني، حيث نقلت صحيفة (الجارديان) عن كتاب من تألأيف جيمس رايسن مراسل صحيفة نيويورك تايمز لشؤون المخابرات بعنوان:" الحرب على الإرهاب: التاريخ السري للسي آي إي وإدارة بوش" قوله:" إن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ربما ساعدت إيران في تصميم قنبلة نووية من خلال محاولة فاشلة لتسريب معلومات سرية مضللة تتعلق بتصميم قنبلة نووية إلى إيران".
ويشير الكاتب إلى بعض الوقائع الاستخباراتية مثل عملية " ميرلين" في عهد كلينتون، والتي سرب فيها عالم نووي روسي يتعاون مع السي ىي إيه معلومات نووية مغلوطة لإيران.
ويؤكد الكاتب على أن هناك علاقات سرية خفية بين واشنطن وطهران منذ سقوط الشاه مرورا بفضيحة" الكونترا" حتى الوصول إلى التحالف لإسقاط طالبان ومن بعده نظام صدام حسين.
وتعلم الولايات المتحدة الأمريكية جيدا الأوراق التي تمتلكها حكومة الملالي في إيران، فهناك النفط وخطوط نقله، وهناك الانتحاريون الذين يمكن إرسالهم إلى دول مختلفة لإحداث القلاقل في هذه الدول، وهناك لبنان وحزب الله، بالإضافة إلى الورقة السورية، فضلا عن الورقة الفلسطينية المتمثلة في دعم " حماس"، وأخطر هذه الأوراق على الإطلاق – فيما يجزم الكاتب- الورقة العراقية وشيعة الجنوب.
وفي المعلومات الاستخباراتية أن إيران استأجرت واشترت (2700) وحدة سكنية من البيوت والشقق في مختلف أنحاء العراق، وخاصة في النجف وكربلاء ليسكن فيها رجال الاستخبارات الإيرانية، ورجال فيلق القدس الاستخباراتي، ويشير حجم المساعدات المدفوعة إلى مقتدى الصدر إلى أكثر من (80) مليون دولار، إلى جانب تدريب رجاله وإرسال معونات إنسانية شملت الغذاء والأدوية والمعدات والأثاث. كل هذه الأوراق وغيرها، تدفع أمريكا للتفاوض مع إيران،
وبموجب تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد كان هناك تعاون نووي بين الدولتين تمثل في إعطاء شاه إيران في العام 1970 مفاعلا نوويا صغيرا لمركز آمير آباد للبحوث النووية في طهران يستخدم فيه اليورانيوم المخصب حتى نسبة 93%، كما جرت اتفاقيات تقنية نووية مع فرنسا وألمانيا وجنوب إفريقيا.
وفي العام 1974 شكل الشاه هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، وقبل سقوطه في عام 1979 كان قد وقع ست اتفاقيات خاصة بإنشاء (6) مفاعلات نووية، وكان بصدد السعي لشراء (12) معملا ومفاعلا نوويا من كل من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وكانت عملية بناء مفاعلين نووين بواسطة ألمانيا بقدرة (1300) ميجاوات في مدينة بوشهر قد بلغت مراحل متقدمة حيث تم الانتهاء من حو إلى 60-75% من المنشآت الخاصة بهما، كما تجهيز وإعداد المواقع اللازمة لبناء مفاعلين آخرين بواسطة فرنسا بقدرة (935) ميجاوات في منطقة دار خونين حيث تولت مسؤولية ذلك شركة فراماتوم الفرنسية. وفي لعام 1975 وبشكل غير قانوني استطاعت إيران أن تحصل من الولايات المتحدة على تكنولوجيا فصل الليزر، واشتغل آلاف الإيرانيين بدراسة التكنولوجيا النووية حيث تلقوا بعثات دراسية في فرنسا وألمانيا والهند وبريطانيا والولايات المتحدة.
وتم توقيع اتفاقية سرية مع جنوب إفريقيا للحصول على اليورانيوم. وبعد سقوط الشاه ألغى الخميني جميع هذه الاتفاقيات، بيد أن الحرب الإيرانية العراقية دفعت الإمام الخميني إلى السعي إلى إحياء البرنامج النووي الإيراني.
حيث قامت الحكومة الإيرانية في العام 1984 بنقل المتخصصين والتجهيزات والمعدات النووية من مركز بحوث آمير آباد النووي إلى مجمع البحوث الخاصة بالأسلحة النووية بالقرب من أصفهان، وبنت في العام نفسه مركزا جديدا في جامعة أصفهان بمساعدة فرنسية.
وقد زادت الأنشطة النووية في عهد رفسنجاني، حيث تسارعت الجهود الإيرانية من أجل الحصول على الأسلحة النووية، وأقامت عدة مشروعات في محافظة يزد، وقد قامت إيران بشراء دي أكسيد اليورانيوم من الأرجنيتبن عن طريق الجزائر.
وفي 17 يناير 1990 زار المتحدث الرسمي لمجلس الشورى الإيراني هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بشكل علني وافتتح معمل جابر بن حيان لتعليم المتخصصين في العلوم النووية.. وتذكر التقارير أن إيران في ذلك الوقت كان لديها 400 عالم وباحث من المشتغلين في مجال البحوث النووية.
وكانت إيران قد وقعت عدة اتفاقيات مع الأرجنتين، وباكستان، والصين في مجال البحوث النووية، وسعت إلى بناء مفاعلات نووية بدءا من العام 1991 وزاد التعاون النووي الإيراني مع كل من الصين وروسيا.
ووقعت إيران مع الصين في العام 1995 اتفاقية لشراء مفاعلين نووين بقدرة 300 ميجاوات، ولكن اعتراضات أمريكية وإسرائيلية حالت دون إتمام الصفقة التي خصصت لها إيران 900 مليون دولار، لكن ذلك لم يمنع أن تمد الصين إيران بتجهيزات ومواد خام نووية.
وفي 8 يناير 1999 وقعت إيران اتفاقية مع روسيا بقيمة 850 مليون دولار لاستكمال منشآت مفاعل بوشهر بطاقة 1000 ميجاوات، ويعمل بهذا المفاعل أكثر من 1000 خبير روسي، طبقا للاتفاقيات الموقعة بين إيران وروسيا.
وقد أكد رضا أمر الله مدير الطاقة الذرية الإيراني أن إيران تريد إقامة 20 محطة للطاقة النووية. وهي عازمة على شراء مفاعلات نووية جديدة.
واليوم ما تزال إيران أحمدي نجاد ماضية في برنامجها النووي على الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية والتهديد بقصف المنشآت النووية الإيرانية، وهي تهديدات تلاحقها أسئلة الأوراق السياسية الخفية، والبرامج الاستخباراتية الدولية، كما يلاحقها الزمن والتاريخ.