دفعت الاوضاع المحلية المتدهورة إلى تركيز أنظار العالم نحو اليمن بصورة غير مسبوقة، وربما سيتعين على المصادر اليمنية المختلفة الدخول إلى مرحلة جديدة من ترديد البيانات مفادها:
رفض التدخلات الاجنبية في شؤون اليمن الداخلية. وبعد تطورات الاسبوع الماضي، يبدو اننا نعيش البدايات الاولى لهذه المرحلة. فالتركيز ليس كما كان سابقا، على دعم أمن اليمن ووحدته واستقراره، بل على رفض التدخلات الاجنبية في شؤونه.
ويحتاج الامر اذا، إلى اعادة قراءة وفهم "نظرية المؤامرة" التي عادة ما تجد قابلية عجيبة في اوساطنا وتعد من الفرص المناسبة والسهلة لتبرير عملية اخفاقنا في تحصين الجبهة الداخلية. وفي تقديري، ان هذا الاهتمام الدولي والغربي بما يجري في اليمن ليس مفاجئا إلى حد كبير.
ففي السنوات الثلاث الاخيرة على الاقل، تظافرت عدة مؤشرات على ان الاوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ. وكانت تقديرات الخبراء والمحللون تشير إلى ان التحديات التي تواجه اليمنيين كبيرة جدا، وان تداعياتها تتعدى اليمنيين إلى جوارهم في دول الاقليم خصوصا. ولم يكن اليمن بعيدا عن المجهر الخارجي تماما، ولكن مناطق اخرى في العالم كانت لها الاولوية في الاستراتيجية الدولية والأمريكية تحديدا.
وهذا السؤال المثار على خلفية عملية ديترويت أو حادثة الشاب النيجيري عمر فاروق، لماذا الآن؟ حبذا لو تم تغييره بسؤال آخر، من كان السبب؟ اذ ان تركيز الاهتمام على اليمن، سيبدو في المحصلة النهائية طبيعيا ومحتوما وبغض النظر عن وجود محاولات غربية لتضخيم الحدث.
و إلى جانب مؤشرات ودلالات عديدة، جاءت عملية ديترويت، لتذكر الأمريكيين بهجمات 11 سبتمبر. فالحادثة كما تقول المصادر الأمريكية مبنية على عمليات ومؤشرات سابقة. حيث ترى تلك المصادر ان الطريقة التي استخدمها الشاب عمر فاروق تشبه إلى حد ما، طريقة الحادث الذي تعرض له مساعد وزير الداخلية السعودي الامير محمد بن نايف في اغسطس الماضي.
وبحسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية فان الامير بن نايف، كان قد ابلغ الأمريكيين فور وقوع العملية عن حقيقة التهديدات التي توفرت لعناصر القاعدة في الاراضي اليمنية. معبرا عن قلقه بسبب عدم آخذ الأمريكيين تلك التهديدات على محمل الجد. وطبقا للمجلة الأمريكية، تساور الخبراء الاستخباراتيين الآن شكوك قوية بأن عمر الفاروق ومنفذ الاعتداء على بن نايف حصلا على القنبلة من صانع العبوات نفسه في اليمن.
وطيلة الشهور القليلة الماضية، لم تتوقف التقارير الصادرة عن مراكز الابحاث الغربية والأمريكية عن ذكر اسم اليمن باعتبارها محطة جذب وبيئة ملائمة لعناصر القاعدة بعد تشديد الضربات الامنية عليها في مناطق الحدود الافغانية والباكستانية.
وعرفت الاراضي اليمنية في تلك التقارير كمحطة انطلاق لعناصر القاعدة لتنفيذ العمليات في الخارج. وبينما عدت العملية الفاشلة لاغتيال الامير بن نايف، أولى المحاولات التي قام بها تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية بعد قصة الاندماج الشهيرة في يناير الماضي بقيادة اليمني ناصر الوحيشي ونائبه سعيد الشهري. بدأت التهديدات الخاصة بالقاعدة، تأخذ طريقها إلى الواقع.
وتوقفت المصادر الغربية كثيرا امام مصدر تلك التهديدات. ففي عملية "فورت هود" التي ادت إلى مقتل ثلاثة عشر جنديا أمريكيا في قاعدة تكساس، تردد اسم اليمن ايضا. ويزعم الأمريكيون ان الشيخ اليمني أنور العولقي، تواصل مع منفذ العملية، وانه يمثل حاليا في هجوم ديترويت الشخصية الاساسية في التحقيق. عدا ما نشر على لسان الفاروق من تصريحات تخص اليمن، كما اعلان القاعدة في الجزيرة العربية مسؤوليتها عن العملية.
وغير التطورات على مستوى المحافظات الجنوبية وتصاعد الدعوات الانفصالية، تفجرت الحرب السادسة في صعدة، وفتح الحوثيون جبهة حرب اخرى مع المملكة العربية السعودية. الامر الذي فتح عيون العالم على هذه البقعة الجغرافية بعدما جرى حديث عن محاولات للتوريط والاسترزاق المادي.
للامر علاقة بإيران، حيث يتربص ساستها بالنفوذ الأمريكي المتداعي في أكثر من مكان. ففي اليمن، تداخلت الملفات والازمات وادت تطوراتها المقلقة إلى تحول البلاد إلى مزيجا قابلا للجذب وبيئة مثلى لكل هواة التربص ودعاة النفوذ. ولا شك ان حالات المساومة الرسمية في ملفات الازمة ساعدت على بلوغ هذه المرحلة. لكن اللعبة اليوم كما يبدو كبرت وسيكون من الصعوبة المساومة في مناخ متوتر وحالة حرب دولية لم تعلن رسميا لكنها بدأت فعليا، كما يرى الكاتب عبد الرحمن الراشد، مسجلا للجانب الأميركي أنه رغم تراكم الأدلة، وتكاثر دعوات التدخل، أصر على التعامل مع المشكلة اليمنية بطريقة أقل استعراضية وانفعالية. ويقول الراشد ان "إدارة الرئيس أوباما لا تريد أن يظهر الأميركيون كجيش مقاتل في اليمن.. من المؤكد أن لهم دورا كبيرا، أو سيكون كذلك لاحقا في حروب اليمن الحالية وخاصة ضد القاعدة، لكنهم يتحاشون الظهور علنا ويريدون من القوات اليمنية التحكم في الحرب على الأرض وهم يساعدون بالمعلومات والتخطيط والدعم".
ويدور جدل في الاوساط الأمريكية ذاتها حول طرق التدخل في اليمن لمنع نشاط القاعدة مع رأي غالب عن عدم حاجة واشنطن إلى التدخل العسكري المباشر بسبب ردة الفعل المتوقعة وبناء على التجارب الأمريكية السابقة. مشيرين إلى ضرورة اعتماد برنامج شامل وتنسيق العمليات مع الرئيس علي عبد الله صالح تجنبا لتكرار الاخطاء في العمليات الاستخباراتية، مثل تلك العملية التي جرت في صحراء مارب عام 2002م.
ورغم تشكل حالة اجماع دولي على أهمية دعم اليمن والحيلولة دون فشله، الا ان الكثيرين يختلفون حول طرق ووسائل الدعم. وتشير المصادر المختلفة في هذا الصدد إلى حصول الحكومة اليمنية على مساعدات كثيرة من الغرب والسعودية ودول خليجية اخرى، غير ان المانحين يخشون من عدم وصول المساعدات إلى الجهات المستهدفة.
لهذا، يطالب البعض بضرورة الحذر في تقديم المساعدات. ويقول دبلوماسيون ان الغرب يريد أن تكون الحكومة اليمنية مسؤولة أمامه عن الاصلاحات الاقتصادية لكي يضمن انفاق الاموال بالشكل الملائم في بلد يستشري فيه الفساد.
وترى مصادر صحفية أمريكية متعددة بأن التعامل مع الرئيس علي عبد الله صالح أحد أصعب المهام التي ستواجهها الولايات المتحدة. حيث تقول تلك المصادر بان الرئيس صالح "مستعد لقبول المساعدات الأميركية، ولكن رغبته في محاربة القاعدة مشكوك فيها لأنه لا يراها عدوه الأساسي".
ويرى الباحث الأمريكي غريغوري جونسون على ان المقاربة العسكرية مع القاعدة يجب ان ترافقها مقاربة تنموية، قائلا ان " الفقر و البطالة و الحكومة الفاسدة و الاحباط العام تدفع الشبان إلى شهر السلاح في وجه اميركا وحلفائهها بما فيهم حكومة صالح ونظامه الذي يعتبرونه فاسدا".
وجدير بالذكر ان "مركز الأمن الأميركي الجديد" المهتم بإصدار تقارير وأبحاث تدعم المصالح والقيم الأميركية كان قد نشر في ديسمبر الماضي للباحثين اندرو اكسوم وريتشارد فونتين دراسة حول اليمن. تضمنت الدراسة مطالبة واشنطن بالخروج من النظرة الأمنية الضيقة حيال اليمن. واعتبرت الدراسة ان الولايات المتحدة تستطيع الحفاظ على مصالحها فقط عبر دعم عملية تنموية شاملة بمشاركة أطراف دوليين.
وبعد استعراض الباحثين للاوضاع اليمنية المهددة للمصالح الأمريكية، تطرقا لأفضل السيناريوهات التي يمكن من خلالها زيادة الاستقرار الداخلي في اليمن والحيلولة دون سقوط الدولة وتحولها كملجأ وملاذ آمن للجماعات الإرهابية المتطرفة. واللافت في الدراسة رؤيتها لمشكلة صعدة، حيث أكدت على ضرورة تسوية المشكلة سياسيا، واعتبرت ان هذه التسوية لن تأتي إلا عن طريق تدخل طرف ثالث كوسيط بين طرفي النزاع.
وفي انتظار نتائج المؤتمر الدولي بشأن اليمن والمقرر في 27 يناير الحالي، يزداد الجدل والنقاش حول خلفيات المؤتمر واجندته واطرافه، وهو الجدل الذي يتوقع ان يستمر كثيرا حتى إلى مابعد انتهاء المؤتمر بسبب تداخل الازمات والملفات اليمنية من حوثية وجنوبية وقاعدة وازمة اقتصادية، كما في حالة تباين الرؤى والقراءات بشأن الطرق المناسبة لمواجهة التهديدات الخاصة باليمن وتنسيق المساعدات له.