arpo28

جولة في جزر القمر.. التاريخ والحاضر!

جزر القمر إحدى اصغر دول العالم الإسلامي من ناحية المساحة والسكان، وتتكون من أرخبيل يشمل 28 جزيرة منها أربع كبيرة ويشير الهلال على علمها الوطني إلى هويتها العربية والإسلامية كما تعبر نجومه الأربع إلى الجزر الكبرى المكونة للدولة.

وتشغل موقعا جيدا واستراتيجيا على طريق التجارة ومسارات الأساطيل البحرية، حيث أنها تقع على منتصف المسافة بين جزيرة مدغشقر والساحل الشرقي لقارة إفريقيا، وتتحكم في المضيق الملاحي البالغ الأهمية في جنوب شرق إفريقيا بين موزنبيق ومدغشقر.

وقد جلب هذا الموقع البحري كثيرا من الخيرات وجلب معه بالمثل كثيرا من الأطماع الاستعمارية.

لقد عرف العرب المسلمون جزر القمر واختلطوا بسكانها منذ وقت مبكر فقد فتح المسلمون جزيرة انزوان عام 208ه /823م كما أن التجار العرب استطاعوا تملك أجزاء من الجزر وأسسوا فيها سلطانات صغيرة.

وقد اختلف في تسميتها بالقمر فمنهم من قال انه عند اكتشافها كان القمر بدرا حتى إن نوره كان يسطع فوق سطحها الصخري المرتفع، ويذهب رأي آخر إلى نسبة هذه الجزر إلى طائر يعرف بالقُمر (بالضم ثم السكون) ينتشر في أرجاء هذه البلاد.

ويكتنف الغموض تاريخ هذه الجزر في الزمن الماضي ولم يتم العثور على أي دليل أو وثائق توضح ذلك ولا يعني ذلك أنها لم تكن مأهولة. لكن الأرجح أن الحمم البركانية أتت على تلك الآثار فطمست بذلك معالم التاريخ القديم.

ولقد تعرضت للسيطرة البرتغالية أثناء الكشوف الجغرافية، وما لبثوا أن واجههم القمريون وقاوموهم في القرن السادس عشر الميلادي فاضطروا إلى تركها.

كما تعرضت في ما بعد لهجمات شرسة من القراصنة، التي كانت قواعدهم تتواجد في قناة موزنبيق ومدغشقر، حتى تمكن الفرنسيون من الاستيلاء على البلاد في القرن التاسع عشر الميلادي.

وظلت القمر تحت الاستعمار الفرنسي حتى نالت استقلالها التام عام 1975م وبقيت فرنسا محتلة لإحدى جزر القمر المسماة ب(مايوت) وحكومة القمر لا زالت تطالب المجتمع الدولي بإخراج فرنسا من جزيرتها.

وجزر القمر بلاد جميلة ومن أجمل ما رأت العين!! حيث أنها خضراء طول العام ومشهورة بكثرة أشجارها وثمارها وغاباتها بل أن شجرها يخرج ثماره دون تدخل الإنسان !! ومناخ الأرض استوائي تكثر فيه الأمطار، وتعرف بجمال سواحلها وأمواجها المتكسرة على صخورها السوداء البركانية، بل إنها لتغسل أقدام تلك الصخور صباحاً ومساء !! وتمتد غاباتها الجميلة من رؤوس الجبال إلى الشط مباشرة، وتنعم بالأمن والأمان والاستقرار، ومما يلفت نظرك عدم وجود متسول في شوارعها ؛ رغم قلة ما في اليد.!!!

ساعد موقع جزر القمر المتميز، ولعب دورا هاما في التواصل التجاري بين منطقة الجزيرة العربية (مهد الإسلام) ومنطقتي جنوب آسيا والساحل الشرقي لإفريقيا، على جذب العديد من الأجناس البشرية للاستقرار في البلد الواقع بالمحيط الهندي، ليشكلوا بمرور الزمن خريطة من الفسيفساء العرقية لشعب جمهورية القمر المتحدة.

فتجد العنصر العربي بجانب الماليزي والإفريقي والشيرازي (الفارسي)، فضلا عن عرقيات أخرى من أصول أوروبية يعيشون حالة انسجام واحترام ليكونوا شعب جزر القمر، التي تعتبر ثالث أصغر دولة إفريقية من حيث المساحة؛ حيث تبلغ 2,235 كم2، وسادس أصغر دولة إفريقية من حيث عدد السكان البالغ نحو 752 ألف نسمة، المسلمون (شافعية) منهم 98%، ورغم ذلك فإن المكتبة العربية الإسلامية نادرا ما تجد فيها كتابا يسرد تاريخ الجمهورية المشرق على مدار قرون مضت.

وخلال حوار مع الدكتور سعيد برهان عبد الله، عميد كلية الإمام الشافعي بجزر القمر قال : إن "القمريين يعتزون بعروبتهم وإسلامهم، ويعتبرون أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة، ويميلون بطبعهم إلى تعلم اللغة العربية والاعتزاز بها، واللغة القمرية أكثر من 60% من كلماتها من العربية المحرفة".

وأضاف أن سكان جزر القمر (الذين يتحدثون العربية والفرنسية والقمرية) لا يبلغ عددهم المليون، وهم موزعون على ثلاث جزر رئيسية، والرابعة ما زالت تحت الاستعمار الفرنسي وهي جزيرة (مايوت).

والجزر الثلاث الرئيسية هي: جزيرة القمر الكبرى التي تعرف أيضا باسم "نجازيجا" وعلى ساحلها الجنوبي الغربي تقع عاصمة الدولة موروني، وجزيرة إنزوان، وجزيرة موهيلي، كما يضاف إليها جزر أخرى صغيرة المساحة كما ذكرنا آنفا.

ولفت د. برهان إلى أن جزر القمر تعتبر من أفقر دول العالم، و80% من سكانها فلاحون وصيادون، ولذلك تتطلع الدولة الأحدث في جامعة الدول العربية التي انضمت عام 1993 في عهد الرئيس الراحل محمد جوهر، لجلب الاستثمارات وبخاصة العربية؛ وهذا ما يسعى إليه مؤتمر "دعم الاستثمار والتنمية في جزر القمر المتحدة"، والذي تستضيفه العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 9 إلى 11 مارس الجاري.

مسلمون وأجناس مختلفة:

وأغلب سكان جزر القمر يدينون بالدين الإسلامي، عدا فئة ضئيلة مسيحية من الكرويول، وتتركز في جزيرة مايوت و "ارتبط انتشار الإسلام في ساحل شرقي إفريقيا بوجه عام، وجزر القمر بوجه خاص بنشاط العرب التجاري، والهجرات، سواء العربية منها أو الفارسية، بالإضافة للاتصال البحري المستمر.

التكوين السكاني:
1- العرق العربي: ويشكلون نحو نصف السكان، وتعود صلة بعضهم بجزر القمر إلى فترة ما قبل الإسلام، وقد جاءوا من جنوبي شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي خاصة من عمان وحضرموت اليمن، وينسب للعرب فضل نشر الدين الإسلامي بين ربوع جزر القمر.

2- الأفارقة: ويمثلون 35% من السكان تقريبا، ويعتقد أنهم جاءوا بصحبة التجار العرب من ساحل شرقي إفريقيا إلى جزر القمر، وهذه الفئة تتمثل في الماكوا (Makuas)، والكافيرز (Cafres).

3- الشيرازيون: وفدوا إلى جزر القمر من شيراز ببلاد فارس خلال القرن الخامس عشر الميلادي بسبب النزاعات المذهبية، وقد اختلطوا بالعرب والأفارقة، وهم يشكلون نحو5.3% من إجمالي السكان.

4- الجماعات البولينزية، أو الملاوية: وتشمل الواماتساها (Wamtsaha)، وهم خليط من البوشمن والجنس الماليزي، وهم يقطنون جزيرة أنجوان، ثم الأنتالوتس، وهم عبارة عن خليط من الدماء الملجاشية -ذات الأصول الملاوية- والدماء العربية، التي وفدت من البحر الأحمر والخليج العربي، وتشكل هذه الجماعات نحو 6% من إجمالي السكان.

وبالإضافة إلى هذه المجموعات العرقية السابقة، فإن "هناك فئة صغيرة من السكان جاءت نتيجة لتزاوج المستوطنين الفرنسيين مع السكان المحليين، ويعرفون باسم الكرويول(Creoles)"، و لهذه الفئة نفوذ سياسي بارز في جزيرة مايوت التي لا تزال خاضعة للإدارة الفرنسية.

إضافة إلى هذا "توجد أيضا فئة ضئيلة تنحدر من أصول برتغالية، وهم أحفاد البحارة البرتغاليين الذين نزلوا جزر القمر في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وتشكل هاتان الفئتان معا أقل من 5% من إجمالي السكان".

ولا توجد صناعات رئيسية لجزر القمر، وعملتها الفرنك القمري(الدولار = 320 فرنك) حيث يعتمد اقتصادها بصفة رئيسية على الزراعة؛ حيث يقوم السكان بزراعة محاصيل متنوعة كالمانجو والأرز والموز والمنيهوت، وفواكه أخرى، إضافة إلى جوز الهند والفانيلا، والزيوت العطرية المستخرجة من نباتات أشجار اليانج لانج، وتنتشر هذه الزهور المختلفة التي تصدر معظمها إلى فرنسا لتستخلص منها انواع من العطور وبعض المستلزمات الطبية، وتمثل هذه الزهور التي تملأ الجزر نسبة كبيرة من الناتج القومي لجزر القمر، وتوجد في جزر القمر افضل البيئات البحرية في العالم والتي تحوي على اسماك نادرة مثل "المرلين" " والسليفيش" و "الببغاء" وسمكة "سيليكانت" التي لا توجد الا في جزر القمر وتعتبر أغلى سمكة في العالم، اذ تبلغ سعر الواحدة 10000 دولار كما تتوافر فيها اسماك التونا (الثمد) بكميات ضخمة وتزيد على ربع مليون طن سنوياً، ولا تستهلك منه جزر القمر إلا سبعة اطنان فقط.

وتنفق الجزر ضعف عائدات صادراتها في عمليات الاستيراد السلعي، وتتمثل أهم الدول التي يتم التبادل التجاري معها في: فرنسا، ومدغشقر، وباكستان، إضافة إلى الولايات المتحدة.

ويعد الرئيس الحالي أحمد عبد الله محمد سامبي، الذي وصل لسدة الحكم في انتخابات منتصف مايو 2006، أول رئيس يتكلم العربية بفصاحة حكم جزر القمر، ويسعى إلى إعادة العلاقات العربية والإسلامية إلى مكانتها الصحيحة ويبذل جهودا كبيرا جدا في سبيل تحقيق ذلك.

الشعب القمري متدين بالفطرة ولكن بمفاهيم – أحيانا - مغلوطة عن كيفية الالتزام وتنتشر في أوساطه بدع وخرافات جمعت غرائب إفريقيا وعجائب جنوب شرق آسيا.

- مجتمع تسيطر عليه عادات وتقاليد متنوعة اكتسبها من عديد أمم ومجتمعات ؛ نتيجة التنوع العرقي داخله (عربي- آسيوي- اروربي)

- يحترم ويبجل أهل العلم والصلاح ولهم مكانة عالية تتصدر قلوبهم دون غيرهم.

- شعب يهتم بالمساجد ويوليها عناية خاصة، ويتمثل ذلك في جودة العمارة بطابع معماري مميز وحسن الإشراف عليها والإدارة، بحيث يتم تشكيل لجان من الأهالي لتشرف على شئون المسجد.

- الشعب القمري محروم من وجود وجهود المؤسسات والهيئات الإسلامية الخيرية إلا ما ندر.

- حكومة القمر وشعبها محرومة من التواجد الدبلوماسي العربي والإسلامي أيضا.

* التشيع الجعفري بدأ يطرق أبواب القمر وبقوة ومستغلاً خلو الميدان من المؤسسات ذات التوجه العقدي والفكري الصحيح والقويم. وقد ارتمى في أحضانه مجموعة من بعض رجالات الإعلام والثقافة، بحجة دعم التنمية وجلب مشاريع الاستثمار.

* هناك حضور قوي للثقافة الفرانكفونية في التعليم والعقل القمري ككل كيف لا !! وقد ظل هذا البلد يرزح تحت نير الاحتلال الفرنسي الإستئصالي 150 عاما، ولا زال يحتفظ بإحدى الجزر (مايوت) كجيب له في هذه الدولة.

* هناك نشاط لمؤسسات تنصيرية كثيرة تعمل في مجال محاربة الفقر والمرض ومجال المرأة والطفل وتحت مسميات مختلفة وبراقة كالتنمية والنهضة باقتصاد البلد.
* هناك مناشط لمؤسسات صوفية ذات مشارب وطرق متعددة من شاذلية وغيرها.
* يوجد نشاط قوي لجماعات البهرة (الإسماعيلية) والطائفة القاديانية.

من أبرز الجهود التعليمية في مجال نشر العربية وثقافتها :

هناك جهود تعليمية لجهات محلية ممثلة في هيئات وبعض الأفراد وجهات خارجية مثل :

1. كلية الإمام الشافعي وقد أصبحت ملحقة تحت جامعة القمر الرسمية وتقوم بجهود مشكورة في نشر العربية والعلوم الشرعية ويرأسها د. سعيد برهان وهو من الشخصيات العلمية في البلد.
2. مدارس الإيمان للمراحل الثلاث للتعليم المزدوج (عربي- فرنسي) ويرأسها الشيخ صادق الداعية المعروف.
3. رابطة العالم الإسلامي ولها مدارسها وبرامجها المتنوعة كما هو معروف.
4. العون المباشر الكويتية (لجنة مسلمي إفريقيا) ولها مدارسها وبرامجها الإغاثية والصحية.
5. مدارس حمدان بن راشد (إمارات) تقوم بأنشطة تعليمية.
6. منظمة اقرأ لها برامجها وأعمالها.
7. المؤسسة العالمية للإعمار والتنمية (السعودية) لها برامجها التعليمية والاغاثية المتنوعة.

وكان هناك في السابق نشاط كبير لمؤسسات سعودية عملت في هذا البلد قبل إغلاقها وحلها كمؤسسة الحرمين.

واليوم عاصمة القمر المتحدة "موروني" تم اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام 2010م وسوف يتم تدشين ذلك في شهر ابريل القادم.

ومما يجب معرفته بأن في جزر القمر اكبر فوهة بركان نشطة في إفريقيا وهي المسماة "كارتالا" وترتفع فوهته ما يقارب 2631 متر ورحلة التسلق اليها تستغرق يومين كاملين، وقد انفجرت آخر مرة في عام 2005م واستمرت لفترة شهرين تقريبا.!!

*إعلامي يمني مقيم النيجر

زر الذهاب إلى الأعلى