تشهد عدة جمهوريات عربية ملامح تغيير ومخاضات تحول مرتقبة ومجهولة لم تعرفها منذ عقود من الزمن. يعود السبب في ذلك إلى المدة الطويلة لبقاء رؤسائها في السلطة وتعرض بعضهم لانتكاسات صحية متكررة..
كما يعود إلى افساح هذه الجمهوريات المجال للتنافس الانتخابي على المنصب الاول والسلطة الحقيقية في البلاد، أو بسبب اقتراب الموعد الدستوري لرحيل البعض منهم عن السلطة، الامر الذي غالبا ما يثير التكهنات والسجالات السياسية حول مستقبل الجمهورية بعد الرئيس السابق.
في العراق، جرت انتخابات تشريعية، للمرة الاولى، شهدت تنافسا محموما بين الكتل والقوائم الفكرية والطائفية والسياسية والعرقية، واسفرت الانتخابات عن فوز قائمة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي على الحالي نوري المالكي وبفارق بسيط 91 مقعدا مقابل 89. لكن الاطراف المختلفة دخلت في معمعة التشكيلة الحكومية المقبلة ومن يحق له تشكيل الحكومة، حيث أن تشكيل الحكومة يقتضي الحصول على 163 مقعدا فما فوق، أي النصف زائد واحد من المقاعد النيابية، بحسب رأي المحكمة الاتحادية.
وفي السودان، من المقرر ان تضع الانتخابات الرئاسية والتشريعية الحالية، البلد على مفترق طرق، وسوف ترسم الملامح الجديدة للسودان، ويؤكد مراقبون أن أهميتها لا تكمن في أنها تأتي في مرحلة فارقة، مع اقتراب استفتاء الجنوب 2011م، والذي سيتم على أساسه تحديد ما إذا كان الجنوب سينفصل عن السودان أم لا، ولكن لأنها أول انتخابات تجرى في السودان منذ ربع قرن. هذا فضلا عن أن هذه الانتخابات رئاسية وتشريعية في وقت معا، وسيصوت الناخب 6 مرات في الوقت نفسه، فسيصوت لانتخاب الرئيس والوالي وأعضاء البرلمان الوطني والبرلمان الولائي وحاكم الجنوب وبرلمان الجنوب.
وفي الجزائر، اعيد انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية ثالثة في ابريل من العام الماضي وسط جدل سياسي حول عدة أمور اهمها أزماته الصحية المتكررة والتعديل الدستوري الذي سبق الانتخابات وضمن له حق الترشح لولاية رئاسية ثالثة.
في مصر، حيث يسجل مراقبون سياسيون نقاط تشابه متعددة مع ما يجري في اليمن، زادت التكهنات والسجالات السياسية حول هوية الرئيس الذي سيخلف مبارك ( 81 عاما) خاصة بعد أن تكرر الاعلان عن تعرضه لازمات صحية وعمليات جراحية آخرها في منتصف مارس الماضي، ما أثار العديد من التساؤلات والتكهنات في الشارع المصري.
وحتى إلى ما قبل عودة الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي إلى البلاد منتصف فبراير الماضي، كان الشارع المصري يتداول عدة سيناريوهات وأسماء محتملة لخلافة مبارك أبرزها بالطبع نجله جمال. لكن عودة البرادعي والاستقبال الشعبي الكبير الذي حظي به، وكذلك الحراك السياسي الذي أحدثه حتى الآن، أضاف متغيرا جديدا للساحة المصرية، واعتبر العقبة الرئيسية أمام ما يصفه المعارضون بمخطط توريث الحكم.
ومنذ عودته، ركز البرادعي نشاطه الشعبي على تشكيل كتلة اجماع ضاغطة باتجاه المطالبة بتعديل الدستور، ومن خلال تشكيله "الجمعية الوطنية للتغيير"، قال أن هدفها هو التوصل إلى "نظام سياسي قائم على الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية". مؤكدا أن تحقيق هذه الضمانات يستلزم تعديل 3 مواد من الدستور هى 76 و77 و88، وأن هدف الجمعية ليس مقصورا على تغيير قواعد الترشح للرئاسة أو من سيترشح لها، وإنما السعى للتغيير الشامل عن طريق حشد التأييد الشعبى لهذا الغرض بأسلوب سلمى.
ويشترط الدستور المصري لمن يرغب في الترشح لانتخابات الرئاسة ان يكون عضوا في الهيئة العليا لاحد الاحزاب قبل عام علي الاقل من الانتخابات، علي ان يكون قد مضي علي تأسيس هذا الحزب خمس سنوات.
كما يشترط أن يحصل أي مرشح مستقل للرئاسة على تأييد 250 عضوا منتخبا في مجلسي الشعب والشورى ومجالس المحافظات من بينهم 65 عضوا على الأقل في مجلس الشعب و25 عضوا في مجلس الشورى و10 أعضاء في مجالس المحافظات.
وكان مبارك قد دعا في فبراير 2005م الي تعديل المادة 76 من الدستور المصري والتي تنظم كيفيه اختيار رئيس الجمهورية وتم التصويت بمجلس الشعب لصالح هذا التعديل الدستوري الذي جعل رئاسة الجمهورية بالانتخاب المباشر لأول مرة في مصر من قبل المواطنين وليس بالاستفتاء كما كان متبعا سابقا.
ورغم التحركات التي يقودها البرادعي والمعارضون لتعديل هذه المادة باعتبارها تمثل عائقا أمام أي مواطن مصري مستقل للترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2011. صدر عن مبارك ونجله جمال تصريحات تشير إلى عدم وجود النية لتعديل الدستور، حيث رهنت مسألة ترشيح البرادعي للرئاسة بالتزامه بالدستور، وقال جمال مبارك، وهو الامين العام المساعد ورئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم ان الدستور "لا يعدل بمقال في جريدة"، واعتبر أن الشروط الواردة في المادة 76 من الدستور لا تمثل قيودا بقدر ما هي ضمانات وتسهيلات للأحزاب على اعتبار أن منصب رئاسة الجمهورية منصب مهم ويجب أن يختلف الترشيح له عن أي انتخابات أخرى، حسب قوله.
وهذا يعني ان فرص مشاركة البرادعي في الانتخابات الرئاسية المقبلة ضئيلة جدا، وحتى البرادعي نفسه مازال متحفظا على اصدار تأكيدات بشأن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وغالبا ما يشير في تصريحاته إلى أنه يأمل ان يكون عامل تغيير في المنطقة.
وارتبطت عودته إلى مصر باهتمام دولي غير مسبوق، حيث وصفت وسائل الاعلام الأمريكية ظهوره إلى الساحة المصرية بأنها خلقت مناخا سياسيا متوثبا لم تعهده القاهرة منذ عقود. وقالت جريدة " لوس أنجلوس تايمز" أن البرادعي (67 عاما) يمثل الخطر الأكبر على حظوظ فوز الرئيس مبارك أو ابنه جمال بالرئاسة. موضحة انه " يمثل أفضل أمل لمصر لتفعيل نظامها السياسي المتهالك الذي تهمين عليه المؤسسة العسكرية والأمنية منذ نصف قرن". وقالت عن مبارك انه "رجل حذر ويعيش هاجس أمن واستقرار نظامه أكثر من أي شيء آخر"، وأن همه الاكبر اقتصر على كيفية احتواء حركة الاخوان المسلمون.
في اليمن، ومع تفاقم المشاكل والازمات، يثار الحديث عن الصراع المقبل على السلطة والثروة أكثر من أي جمهورية عربية اخرى. وخلافا للدستور المصري الذي لم يحدد فترات الرئاسة، كان الرئيس علي عبد الله صالح هو أول من طالب بتحديد فترة الرئاسة بولايتين، وذلك في التعديلات التي اعقبت حرب صيف 94م. لكن جرت تعديلات للدستور في عام 2001م، رفعت عدد سنوات الرئاسة إلى سبع سنوات في الولاية الرئاسية الواحدة بدلا من أربع.
وبما أن الاستحقاق الدستوري للولاية الرئاسية الثانية سوف ينتهي في عام 2013م، يتردد في الاوساط السياسية المعارضة بأن التعديلات الدستورية المزمعة هدفها تصفير العداد الرئاسي. برز هذا الاعتقاد العام قبل الماضي أثناء الحديث عن وجود تعديلات دستورية جديدة أبرزها المادة التي اعادت خفض سقف سنوات الرئاسة إلى خمس سنوات بدلا من سبع.
ومن المقرر أن تشهد الساحة المحلية تطورات ومفاجآت على خلفية الازمات المفتوحة والقضايا المثارة من بينها استمرار السجال السياسي بين السلطة واحزاب اللقاء المشترك حول الانتخابات البرلمانية المقبلة وقضايا الحوار والتعديلات الدستورية والقانونية للانتخابات. وينظر معارضون إلى أهمية الانتخابات التشريعية المقبلة باعتبارها المحدد الابرز لترتيبات الاستحقاق الرئاسي في عام 2013م.
وكما في مصر، غالبا ما يتردد الحديث عن مخطط توريث الحكم وعقباته. ففي مصر، يوجد استقرار سياسي ومجتمع مدني متطور، لكن هناك معارضة تقوى يوما بعد يوم، ومن المؤكد أن البرادعي زادها زخما وقوة، وبات ينظر اليه حاليا كعنصر تغيير وعقبة رئيسية أمام التوريث.
وفي اليمن، لم تتضح بعد معالم الطريق للانتقال السلمي للسلطة. ففي الاسبوع الماضي، تنبأ الدكتور صالح سميع بعودة التاريخ في صراع بيت الوزير مع بيت الامام على السلطة في حال مضت البلاد على طريق التوريث. وتوقع سميع أن ينشأ صراع بين العميد ركن أحمد علي عبد الله صالح وبين إخوته، وكذلك صراع آخر مع أبناء عمه، لكنه أكد عدم وجود غبار على شخصيته في حال سعى إلى تقلد منصب الحكم بطريقة دستورية وقانونية.
وبحسب الباحث الأمريكي، جورجوري جونسون، فان من الامور الكثيرة التي يغفل عنها الأمريكيون والمراقبون الاجانب هو الصراع المتنامي على السلطة في اليمن. ورغم تأكيد جونسون على ان أي شخص قد يفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنه ردد ما يقال عن حصر الصراع بين أسرتين، كلتاهما معروفتان ببيت الاحمر. وصنف الشيخ حميد الاحمر إلى جانب نجل الرئيس والعميد يحيى محمد عبد الله صالح كأهم المرشحين لخلافة الحكم بعد الرئيس صالح.
وحول موضوع التوريث وعقباته، يقدم العربي صديقي، من مركز كارنيغي للسلام الدولي، قراءة سياسية ضافية، وذلك بالمقارنة بين ثلاث نماذج للجمهوريات، حيث تطرقت إلى الاليات المحتملة لانتقال السلطة فيها من خلال اختبار مقولة "الابن سر أبيه" في كل من مصر واليمن وليبيا.
يؤكد صديقي بأن الظهور السياسي للعميد ركن احمد علي عبد الله صالح، قليل للغاية، لكنه يرى بأن هذا الظهور ربما يكون استراتيجية ضرورية. وخلص إلى أن مسألة الخلافة في اليمن مضمونة اكثر من تلك التي يجري التكهن بها في مصر أو حتى في ليبيا. ومع ذلك، أضاف القول أنه من " دون ارث والده وخبرته سوف يكون من الصعب عليه ادارة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة التي تواجه اليمن والتحديات الامنية والانفصالية القوية الاتية من الشمال والجنوب".