لليوم الثالث على التوالي، تواصلت الأربعاء (27/10/2010) بصنعاء أعمال المؤتمر الاقتصادي اليمني (اليمن..الاقتصاد..المستقبل) الذي نظمه المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية على مدى ثلاثة أيام.
وفي اليوم الثالث والأخير من أعمال المؤتمر ناقش المشاركون خلال جلستي العمل (الخامسة والسادسة) محوري الإصلاح الإداري والتجارب الخارجية، فيما خصصت الجلسة السابعة والأخيرة لمناقشة أولويات التحديات الاقتصادية للمرحلة القادمة.
وفي جلسة العمل الخامسة والتي تناولت محور الإصلاح الإداري وأدارها الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الترب، قدم الأستاذ الدكتور عبدالمجيد المخلافي ورقة بعنوان "الإصلاح والتطوير الإداري في الجمهورية اليمنية"، تطرق فيها إلى مسألة الإصلاح والتطوير الإداري من مختلف الجوانب، موضحا أن الإصلاح الإداري يعالج مظاهر الفساد الإداري التي ترجع إلى أزمة خلقية في السوق تعكس خللاً في القيم وانحرافاً في الاتجاهات، وعدد المخلافي أهم مظاهره وهي: انتشار الرشوة والمحسوبية، الاتجار بالوظيفة العامة، الاختلاس من المال العام، الابتزاز الوظيفي، سوء استعمال السلطة، التسيب والإهمال الوظيفي واللامبالاة في العمل، التفريط في المصالح العامة، عدم الحفاظ على الممتلكات العامة، إهدار الوقت، الاتجاهات غير الإنتاجية، علاقات الريبة والشك وعدم الثقة بين الرؤساء والمرؤوسين وتصنع العمل أمام الرؤساء، غياب المسئولية والالتزام الذاتي، الصراع على القوة، سوء ممارسة مفهوم الوظيفة العامة...إلخ.
أما الدكتور حمود عبدالله صالح عقلان فقد قدم ورقة بعنوان "تقييم إستراتيجية الأجور في الجمهورية اليمنية" ذكر فيها أن إستراتيجية الأجور التي تبنتها الدولة كانت متواضعة ومتخلفة عن مستوى الأجور السائد في السوق المحلي والإقليمي، إلى جانب عدم توفر قاعدة بيانات دقيقة متكاملة عن القوى العاملة في أجهزة الدولة ومؤسساتها وخاصة العمالة الفائضة والبطالة المقنعة وعن سوق العمل، والقصور في عملية التهيئة لإعداد وتنفيذ الإستراتيجية ومعالجة بعض الاختلالات، سواء الناتجة عن التضخم وفي هياكل أجهزة الدولة، أو عن الازدواج الوظيفي والعمالة الفائضة والوظائف الوهمية، وعدم مراعاة الأسس الاقتصادية والاجتماعية والإدارية أثناء بناء هذا الهيكل بالدرجة المطلوبة.
من جانبه ألقى الأستاذ لبيب شائف محمد ورقة تحت عنوان "برنامج تحديث (إصلاح) الخدمة المدنية في الجمهورية اليمنية (دراسة تقييمية)" قال فيها أن الاختلالات التي ظهرت في الجهاز الإداري للدولة أدت إلى تبني الحكومة في مارس/1995م لبرنامج إصلاح شامل اقتصادي ومالي وإداري بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وقد بدأت الحكومة باتخاذ خطوات واسعة للسير في برنامج الإصلاح الإداري ابتداء من عام 1997م، وتم تحديد الهدف الاستراتيجي للإصلاح الإداري في (تحقيق إدارة حكومية بحجم أصغر وفاعلية أكبر).
ورقة العمل الرابعة ألقاها المهندس أنور علي عسكرن، وكانت بعنوان "متطلبات الحكومة الإلكترونية الفاعلة والعقبات التي تواجهها" أكد من خلالها أنه لا يمكن تنفيذ الحكومة الإلكترونية بمعزل عن القطاع الخاص وكذا المواطن، فالعملية متداخلة في بعضها البعض، ومشروع كهذا يحتم أن يواجهه المجتمع بأكمله حتى تتمكن الحكومة وقطاع الأعمال والمؤسسات غير الحكومية الأخرى من التعاون بمنهجية فاعلة وسريعة لمواجهة ما يتحدى مشروع الحكومة الإلكترونية، حتى يحقق المجتمع هدف الحكومة الشامل، وهو إعادة هندسة طريقة عمل المجتمع، وتهيئ دورة عمل مرنة وسهلة داخل المؤسسات في الزمن الفعلي المطلوب تأدية الخدمة فيه.
وقال عسكران: من الصعوبة تصور حكومة إلكترونية دون توفر الحواسيب الآلية في الوقت الراهن، ويشمل الحاسب الآلي عنصرين رئيسيين وهما شبكات الحاسب الآلي وما تحتويه من محطات عمل، والبرمجيات والشبكات المحلية والشبكات الواسعة النطاق.
أما جلسة العمل السادسة والتي ترأسها الأستاذ الدكتور داوود عثمان فقد كانت حول التجارب الخارجية، الورقة الأولى فيها قدمها الأستاذ غزوان مصري، وهو باحث تركي، تحدث فيها نجاح التجربة الاقتصادية التركية التي بدأت منذ العام 2002 وحتى الوقت الحاضر.
وقال غزوان في ورقته أن الاقتصاد التركي أصبح في المرتبة السادسة عشرة عالميا خلال ثمان سنوات، وفي الترتيب السادس فقط على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، وأن تركيا أصبحت خلال هذه الفترة أكبر مستورد للنفط في العالم الإسلامي، وهي أيضا الأولى في حجم الإنتاج والتجارة البينية، موضحا أن النهضة السياسية والتعليمية والإعلامية كان لها دور تنمية الاقتصاد التركي.
وأكد غزوان أن تركيا تعد الآن ثاني أكبر دولة في العالم من حيث نسبة النمو التي بلغت 6%، وأضاف: هناك خطة في تركيا تطمح إلى أن تبلغ قيمة الصادرات التركية بحلول عام 2023 حوالي 500 مليار دولار، وأن تبلغ قيمة الواردات خلال الفترة ذاتها أيضا 500 مليار دولار، موضحا أن حجم الصادرات في تركيا تضاعف أربع مرات خلال ثمان سنوات، كما أن الناتج المحلي ارتفع من 180 مليار دولار عام 2002 إلى 742 مليار دولار عام 2008 و608 مليار دولار عام 2009.
وقال غزوان في ورقته أن متوسط دخل الفرد في تركيا ارتفع ارتفاعا كبيرا، ففي عام 2002 كان دخل الفرد 3.492 دولار، ثم ارتفع إلى 10.400 دولار في عام 2008 وبلغ في العام 2009 حوالي 8.590 دولار. كما ازدادت الاستثمارات الأجنبية، وارتفع حجم التجارة مع العالم العربي أكثر من خمس مرات منذ عام 2003 وحتى الآن، حيثي ارتفع من خمسة مليار دولار إلى سبعة وعشرين مليار دولار، فيما ارتفع مع العالم الإسلامي من إحدى عشرة مليار دولار إلى ستين مليار دولار.
ثم عدد غزوان أسباب النجاح الاقتصادي في تركيا، والذي يعود إلى جملة من العوامل منها: التوازن في العلاقات الدولية، فتح أسواق جديدة، الانفتاح على دول الجوار، تصفية (تصفير) الأجواء مع دول الجوار، توقيع اتفاقيات إستراتيجية، رفع تأشيرة الدخول، توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، بالإضافة إلى تشجيع القطاع الخاص ومؤسسات العمل المدني التطوعي.
الورقة الثانية في الجلسة تناولت قضية التعليم والإشكاليات التي تواجهها، حيث قدم الدكتور عبدالله سلطان الصلاحي ورقة بعنوان "التعليم في اليمن (المؤشرات – المشكلات – الاستراتيجيات – آفاق المستقبل)" أشار فيها إلى أن النظام التعليمي في اليمن يعاني من مشكلات وأمراض خطيرة تهدد أمنه ومستقبله في مختلف المجالات والمحاور التعليمية، وعلى مستوى المدخلات والعمليات والمخرجات التعليمية.
وقدم الصلاحي عدد من المقترحات والرؤى المستقبلية للتعليم في اليمن منها: التوعية والتثقيف بمضامين قانون التربية والتعليم، واللوائح والتشريعات التربوية وقانون السلطة المحلية. وعقد مؤتمر وطني اجتماعي عام للتربية والتعليم، يستوعب نتائج المؤتمرات العلمية والتخصصية لمجالات التربية والتعليم واقتراح الحلول، القانون واللائحة التنظيمية، واللائحة التنفيذية، والتوصيف للوظيفة والموظف، واللامركزية والسلطة المحلية وإزالة التناقضات والازدواجية والاتكالية. وإعادة هيكلة وزارة التربية والتعليم على الأساس الفني الخاص بالأعمال العلمية والفنية والتخصصية، وكذلك على ألأساس الوظيفي الإداري التنفيذي. وتفعيل دور مجلس النواب، وتفعيل دور النقابات والمنظمات والجمعيات التخصصية في مجال التربية والتعليم. وتطوير وظيفة المدرسة الجديدة وتجويد أدائها، وتحويلها إلى مؤسسة تعليمية مؤثره في محيطها الاجتماعي. وتوفير المناهج الدراسية، والبرامج التنموية التفاعلية القائمة على المفهوم والقيمة والإرادة والخلق والمهارة والخبرة، من خلال الاهتمام والالتزام بالتنمية الإسلامية والوطنية القانونية والسياسية والنقابية والإنتاجية. بالإضافة إلى عقد مؤتمرات علمية تخصصية حول كل محور من محاور التعليم، وذلك من قبل الخبراء والمتخصصين والباحثين يتخللها ورش عمل وندوات ومناظرات.
أما الورقة الأخيرة من أوراق عمل المؤتمر فقد كانت بعنوان "أثر السياسة النقدية على استقرار قيمة العملة المحلية" قدمها الأستاذ الدكتور حسن ثابت فرحان، أشار فيها إلى أن تأثير السياسة النقدية على استقرار العملة هو تأثير على القوة الشرائية للعملة (قيمة العملة) من خلال أدوات السياسة النقدية، ذلك أن الأدوات النوعية شبه جامدة، ولا تستخدم إلا نادراً.
وأضاف: لا تزال اليمن حتى هذه اللحظة تتبع النظام الرأسمالي بكل آلياته، ومنها استخدام سعر الفائدة كإحدى الآليات المهمة في الاقتصاد، حيث يقوم البنك المركزي اليمني بتحديد سعر الفائدة الدائن أي سعر الفائدة على الودائع، ويترك سعر الفائدة المدين دون تحديد، وقد شهدت السنوات الماضية نوعاً من التلازم بين تغيرات أسعار الفائدة، ونسبة الاحتياطي القانوني على الودائع في غالب الأوقات، وتخبطاً في استخدام أدوات السياسة النقدية
ومضى فرحان يقول في ورقته:تعرض سعر صرف الريال اليمني في الفترة الأخيرة لانخفاض في قيمته قُدر ب(13%) خلال فترة الأربعة الأشهر الأولى من عام 2010م، وترتب على ذلك مجموعة من الآثار على مجموعة من المتغيرات الاقتصادية وذلك كالتالي: (1) زيادة قيمة الواردات من الخارج (2) انخفاض قيمة الصادرات (3) ارتفاع الأسعار (4) انخفاض الدخول (5) ارتفاع تكاليف الإنتاج (6) هروب الاستثمارات الأجنبية (7) الاضطرابات العمالية (8) فقد الثقة في العملة الوطنية والهروب إلى العملات الأجنبية
أما المعالجات المطلوبة -من وجهة نظر الباحث- فهي تكمن في ترشيد استخدامات العملة الأجنبية في جانب إنفاقها، من خلال: ترشيد الواردات، ترشيد الإنفاق الحكومي: ومن جوانب الإنفاق الحكومي التي يمكن ترشيدها (مستلزمات الإدارة الحكومية - المنح الدراسية والعلاجية - ترشيد الإنفاق على السفريات في الجانب الحكومي - ترشيد الإنفاق العسكري)، وتدخل البنك المركزي في الوقت المناسب. بالإضافة إلى تنمية موارد العملات الأجنبية، من خلال تنمية الصادرات، استغلال الإمكانيات السياحية التي تتمتع بها اليمن، تنمية عناصر الإنتاج القادرة على الانتقال من بلد إلى آخر إيرادات القنصليات في الخارج، جذب رؤوس الأموال الأجنبية، استغلال الموارد الطبيعية، تنمية الإنتاج الزراعي، وتنمية الصناعات المحلية.
وأخيرا، خصصت جلسة العمل السابعة والأخيرة من أعمال المؤتمر الاقتصادي اليمني-والتي ترأسها الأستاذ عبدالحميد الحدي- خصصت لمناقشة أولويات التحديات الاقتصادية للمرحلة القادمة، وقد أثرى فيها المشاركون بمتطلبات المرحلة القادمة للخروج من المأزق الاقتصادي الذي تمر به البلاد، حيث شدد المشاركون في توصياتهم على ضرورة الاهتمام بالإدارة كونها المحرك الأساسي لكل مفاصل العمل في أي دولة، وأيضا الاهتمام بالطاقة المتجددة والمياه، وإعادة النظر في البناء المؤسسي، وإصلاح التعليم، وتشجيع القطاع الخاص ليسهم بدوره في عملية البناء والتنمية، والاهتمام بقطاع المغتربين، وتأهيل العمالة اليمنية، ومعالجة التحدي السكاني المرتبط بالتنمية البشرية، وإعادة النظر في النظام الاقتصادي، بالإضافة إلى الوئام السياسي بين كافة أطراف الصراع على الساحة اليمنية.