كان على الرئيس اليمني أن يبرهن في خطابه المتلفز أمس أن عودته خلسة من رحلة العلاج في السعودية ليست نذير شؤم كما قال معارضوه، بل إنه عاد لتهدئة الوضع وإنهاء الاقتتال تمهيدا للشروع في الحل السياسي الذي أخضعه لمناورات لا نهاية لها.
كان اليومان الأولان بعد عودته داميين جدا و أوحيا بأنه في صدد حسم عسكري لم يعد ممكنا. فهل أن لديه خططا أخرى ؟
الواقع أنه حرص في خطابه على تأكيد أمرين وهما التزامه المبادرة الخليجية واستمرار تفويضه نائبه توقيعها على أساس إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. أي أنه ترك أمر تنحيه عائما إلى ما بعد انتخاب الخلف.
و رغم أنه حاول الظهور بمظهر الأب لجميع اليمنيين و لاسيما الشباب الثائرين أصلا عليه إلا أن ردود الفعل جاءت مشككة واعتبرت أن علي عبد الله صالح بدأ لتوّه مناورة جديدة لشراء الوقت. فحتى لو وقع نائبه المبادرة الخليجية فإنه إذا استمر رئيسا يستطيع أن يتحكم بتنفيذها لترتيب خلافته ولو عبر الانتخابات.
والمؤكد أن صالح لن يسهل أي حل لا يضمن مستقبل نجله وأبناء أخيه الذين يقودون أهم الأجهزة الأمنية، كما لن يهدأ له بال قبل أن ينتقم من العسكريين و وجهاء آل الأحمر الذين تحدوا سلطته و باتوا عقبة أساسية أمام سعيه إلى تثبيت البنية الأمنية الحالية في الصيغة المقلبة للحكم.
في أي حال كان علي صالح استفز السعوديين والأمريكيين بلجوئه إلى الخدعة للعودة المفاجئة إلى صنعاء لذلك انهالت عليه المطالب الحاسمة من البيت الأبيض و مجلس الأمن و مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي وغيرها لحضه على وقف أعمال العنف وتوقيع المبادرة الخليجية فورا والبدء بإجراءات نقل السلطة.
لكنه توصل على ما يبدو إلى صياغة موقف زئبقي جديد من دون أن يغير شيئا في مسار الأزمة. إذ لا يزال مطلوبا منه أن يطمئن اليمنيين إلى أن التزامه الحل الخليجي يعني استعداده للتنحي وكل ما هو أقل من ذلك يعني أن الأزمة مستمرة ويمكن أن تنفجر دمويا في كل لحظة.