رئيسية

يمن ما بعد صالح … إلى أين؟ (2-2)

جاءت استقالة صالح كجزء من اتفاق نقل السلطة الذي برعاية مجلس التعاون الخليجي. ومنح الاتفاق صالح حصانة من الملاحقة القضائية مقبل التنحي عن السلطة، لكنه لم يتعرض للكثير من المسائل الهامة، مثل استمرار دور صالح السياسي أو منافسيه الراسخين (المتوغلين في كل مفاصل الدولة) والمجهزين بالاسلحة الثقيلة.

لا يزال الجيش منقسما، وتقع اجزاء من البلاد تحت سيطرة قوات لا تدين بالولاء للحكومة المركزية، مثل المناطق الشمالية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين الزيديين، واجزاء من الجنوب تقع تحت سيطرة جماعات تابعة لتنظيم القاعدة.

باختصار فان المبادرة الخليجية جاءت ببعض التغييرات السياسية على شكل حكومة جديدة و رئيس جديد، لكنها لم تضع خطة أو برنامج يبين الاصلاحات التي تحتاجها اليمن للمضي قدما.

علاوة على ذلك، فان تقديم المساعدات الاقتصادية التي تحتاجها اليمن وان كانت تمثل ضرورة ملحة، الا ان ذلك لن يحل المشاكل التنموية العميقة التي تعاني منها البلاد. ان البلاد تعاني من سوء تغذية عامة وزيادة سكانية و انهيار جميع الخدمات الاجتماعية و شح مخيف في الموارد المائية وفساد مذهل وحكومة غير مؤهلة.

و ما يجعل الامر اكثر سوء حقيقة ان سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن تركز حصريا على القاعدة و التهديد الامني الذي تشكله. و بمصطلحات عملية، فذلك يعني ان الولايات المتحدة تنظر إلى اليمن من خلال منظار عسكري يشمل خليط من تقديم التدريبات لبعض وحدات الجيش اليمني، و استخدام الطائرات من دون طيار و القوة الجوية في حربها على القاعدة.

حتى الان فان تلك السياسة عملت على تقوية الوحدات التي تتبع قيادة اسرة صالح، مما يحول الكثير من اليمنيين لمعاداة الولايات المتحدة لتاييدها بفاعلية سلالة صالح الحاكمة، كما ان تلك السياسة تتجاهل المشاكل الحقيقية المتمثلة في سوء الحكم و التخلف.

وبالنظر إلى مجموعة المشاكل المدرجة اعلاه، اين يقف الوضع اليوم؟

لا توجد حلول سهلة لمشاكل اليمن. الحقل السياسي مجزأ للغاية والبلاد يكاد لا يوجد بها مؤسسات تعمل بشكل صحيح.

الحل ان وجد، يجب ان ياتي من اليمنيين انفسهم، ويجب ان يشتمل على انشاء نظام حكم يوحد مختلف اللاعبين حول اهداف مشتركة بدلا من الصراع على السلطة الذي انخرط فيه اللاعبون حاليا، و الذي سيؤدي في المحصلة إلى الصفر.

على اللاعبين الاقليمين بقيادة السعودية ان يلعبوا دورا هاما في مساعدة اليمنيين بالبدء في رحلتهم الطويلة نحو الاستقرار. المملكة هي الدولة الوحيدة صاحبة المعرفة التاريخية الحميمة، و تربطها باليمن علاقات منذ فترة طويلة ولديها امكانيات مالية للمساعدة في الشروع بالاصلاحات الضرورية.

ويجب ان يشمل ذلك ايجاد طرق لنقل السلطة إلى لاعبين لديهم سجل وسمعة انظف من صالح وشيوخ الاحمر وعلي محسن. ان صعود هادي إلى الرئاسة يمثل بداية جيدة، و قد حان الوقت لمساعدته في بناء قاعدة مساندة لكي يصبح مستقلا عن صالح.

اذا فشلت عملية اصلاح النظام السياسي في اليمن (و لم تتجسد نتائجها على ارض الواقع)، فان البلاد ستتحول إلى دولة فاشلة، و سيصبح احتمال حدوث الحرب الاهلية والانفصال امرا مرجحا. اضف إلى ذلك ان إيران تعرض دعمها المالي و السياسي لاي قوى يمنية معارضة تنوي قبول ذلك الدعم.

ان ذلك لا يبشر كثيرا بالمستقبل بما انه يعني حربا اخرى بالوكالة بين السعودية وإيران، و التي ستكون ارض المعركة فيها دولة عربية اخرى. لقد حان الوقت لمنع حدوث ذلك، من خلال دعم نظام سياسي جديد يمثل صفحة نظيفة بعيدا عن حكم صالح ومنافسيه.

- استاذ دراسات الشرق الادنى في جامعة برينستون، ومتخصص في دراسة السياسة والتاريخ في الشرق الاوسط

ترجمة مهدي الحسني

زر الذهاب إلى الأعلى