بالنظر إلى ما يقدمه موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" من تأثير وتفاعل، يتبادر إلى الذهن سؤال كيف كان الناس يتفاعلون مع محيطهم الاجتماعي من قبل؟ والسؤال يبدو بلا اهمية لمن يجهلون هذا الموقع، لكن من يعرفونه جيدا يدركون مدى تأثيره على قناعات وافكار الكثير من الافراد وما يحدثه ذلك التأثير من تفاعلات داخل المجتمع لاحقا.
وتعد ثورات الربيع العربي ابرز الأحداث التي أبانت مستوى تأثير هذا الموقع واستفادت منه في تثوير الشعوب وتأجيج الشارع وإلهاب حماس النخبة التي كان لها الدور الأكبر في دعوة الشعوب إلى الثورة والانخراط فيها.
وفي اليمن كان للفيس بوك تأثير واضح في مسيرة الثورة، نشط مع زيادة الحماس الثوري وانحسر بتراجعه، وكلنا يتذكر الدور الكبير الذي كانت تقوم به المجموعات الثورية وصفحات المراكز الاعلامية لساحات التغيير وميادين الحرية في المحافظات اثناء مسيرة الثورة في تغطيتها لاحداث الثورة وفعاليتها وتزويد المتابعين لها من افراد ومنظمات ووسائل الاعلام بالاخبار والصور والفيديو اولا بأول خاصة تلك التي غطت مشاهد القتل والقمع للمتظاهرين.
ومع ضمور الفعل الثوري وخفوته خاصة بعد انتخابات 21 فبراير الماضية، عادت اهتمامات جديدة داخل الفيس بوك بعد ان كانت قد تراجعت في السابق، ومنها انشاء الصفحات الشخصية، وهذه الصفحات هي خدمة يقدمها الفيس بوك للشخصيات المشهورة والمؤثرة ككبار السياسيين أو الفنانين ليتمكنوا بسهولة من التواصل مع جمهورهم والمتابعين لهم ويستطيع جمهورهم ايضا معرفة أخبارهم وانشطتهم ومواقفهم.
ومن الشخصيات اليمنية التي انشأت صفحات باسمها وكانت ملفتة للانتباه وزراء في حكومة الوفاق الوطني الحالية، سواء من المشترك أو المؤتمر، والسؤال: هل تساهم صفحات الوزراء الشخصية في الفيس بوك بإحداث نوع من التفاعل الإيجابي بين الوزير وجمهور وزارته بما يساعد على تحسين العلاقة وتعزيز الثقة بين الطرفين؟ام ان تلك الصفحات ليست سوى وسيلة للترويج للوزير الفلاني وتسويقه امام الجمهور؟
وزراء حاضرون وآخرون غائبون
لا يملك كل اعضاء الحكومة صفحات شخصية باسمهم، وهناك شخصيات اكتفت بحسابها الشخصي عبر التسجيل في الموقع ولم تنشئ صفحات خاصة بها كوزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور محمد السعدي، ووزير الشباب والرياضة معمر الارياني، ووزير الاوقاف حمود عباد، ووزير الاشغال عمر الكرشمي، ووزير النقل واعد باذيب.
وبعض الوزراء قام مؤيدون أو أقارب لهم بفتح صفحات أو مجموعات باسمهم، كوزير الداخلية عبدالقادر قحطان، ووزير الخارجية ابو بكر القربي، وفريد احمد مجور وزير الزراعة، وهناك شخصيات اخرى ليس لها وجود داخل الموقع، سواء بحسابها الشخصي أو عبر الصفحات رغم اهمية تواجدها داخل الفيسبوك نظرا للمواقع الوزارية التي تشغلها كوزير التربية والتعليم عبدالرزاق الاشول، ووزير الصحة احمد العنسي، ووزير المغتربين مجاهد القهالي، ووزير الخدمة المدنية نبيل شمسان، وعلي اليزيدي وزير الادارة المحلية.
وقليل هم من انشأوا صفحات خاصة بهم، وربما تعود اسباب ذلك إلى مدى قدرة البعض في استخدام الحاسوب، وشعورهم بأهمية تواصلهم مع جمهورهم، و إلى الأمية التقنية عند البعض الآخر في استخدام هذه الوسيلة، و إلى شعور البعض بعدم جدوى التواصل أو التواجد داخل الموقع.
وزراء فقراء
ويلحظ من يتصفح تلك الصفحات قلة عدد المعجبين أو المتابعين رغم اهمية المناصب الوزارية التي يشغلها الوزراء، فهناك صفحات لا تعكس حجم المكانة للوزير الفلاني، وكأن الوزير بلا علاقات أو ذو شخصية ضعيفة لا تحظى بأي علاقات، كصفحة احمد عبيد بن دغر وزير الاتصالات التي يصل عدد المتابعين لها إلى 575، وهو عدد اقل من موظفي الوزارة، أو منتسبي المؤتمر الشعبي العام الذي يشغل فيه بن دغر نائب الامين العام، أو كصفحة وزير النفط والمعادن هشام شرف التي يتابعها 117 أو صفحة عبدالحافظ نعمان وزير التعليم الفني التي يتابعها 31 شخصاً، أو صفحة وزير الاعلام التي يتابعها 377.
وهناك صفحات فُتحت لكن اهملت منذ اللحظة الاولى، ولم تحدث منذ انشائها واصبحت بحكم النائم، كصفحة وزير المياه والبيئة عبدالسلام رزاز، وصفحة وزير الدفاع محمد ناصر احمد التي لازالت المنشورات فيها تتحدث عن صالح وتدافع عن الشرعية وتهاجم الخارجين عنها.
مقياس الانتشار
التفاعل عبر صفحات الفيسبوك اثبت فاعليته في خلق قنوات حية ومثمرة بين صاحب الصفحة ومن يتصلون به، فشخص كالسياسي المصري محمد البرادعي لديه متابعون يصلون إلى المائة الف متابع يتواصل معهم بشكل يومي ويطلعهم على كل جديد ويستقبل آرائهم ومقترحاتهم، وكذلك محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، والرئيس الأمريكي باراك اوباما وامين عام الامم المتحدة، والرئيس الروسي، وبالنسبة لنا في اليمن تعد صفحة الناشطة توكل كرمان من أعلى الصفحات التي يتابعها الجمهور إذ يصل عدد المتابعين والمعجبين إلى 193.988 متابع حتى كتابة هذه المادة، وكذلك صفحة عبدالقادر هلال امين العاصمة التي يتزايد أعضاؤها بشكل مستمر.
وتعود اسباب زيادة المتابعين ونقصهم إلى شهرة الشخصية وقوة تأثيرها والمكانة التي تحتلها ومدى تجاوبها مع جمهورها، فتوكل كرمان على سبيل المثال كان حصولها على جائزة نوبل سبباً كافياً لمتابعتها من قبل الجمهور واعجابه بشخصيتها، وبكل تأكيد فالمتابعون لها ليسوا كلهم من داخل اليمن، فشهرتها دوليا كأول امرأة عربية تتسلم جائزة نوبل رفع عدد المتابعين لها، بعكس مثلا صفحة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة التي يصل عدد اعضائها إلى 1600 متابع أو صفحة يحيى محمد عبدالله صالح التي يصل مجموع متابعيها إلى وهذا الاخير يروج لصفحته داخل الفيسبوك عبر الاعلان الممول مالياً ما يتيح له الوصول إلى كل المشتركين في اليمن.
شخصية الوزير وأداؤه ومدى تأثيره وحساسية موقعه تؤدي إلى زيادة الاقبال على صفحته والبحث عنها، ومن الصفحات الاكثر زيارة ونشاطاً صفحة وزير الكهرباء صالح سميع ويبدو ان حساسية هذه الوزارة وواقع الكهرباء في بلادنا والمعاناة التي يعاني منها الشعب نتيجة الانطفاءات المتكررة قد جعل هذه الصفحة من اكثر الصفحات جدلاً، رغم ان الوزير هو اكثر الوزراء الذين يردون على اسئلة المتابعين، ويطلعهم باستمرار عن انشطته والجهود التي يبذلها في وزارته، سواء بالخبر أو بالصورة أو بالفيديو، واكد في ترويسة الصفحة ان جميع المقترحات تصل شخصيا إليه.
ومثلها صفحة وزير المالية صخر الوجيه التي تعد الاكثر من حيث عدد المتابعين لها، ويلاحظ هنا ان التأثير الذي أحدثه الوجيه في وزارة المالية رفع عدد المتابعين لصفحته، بل توجد صفحة اخرى باسمه، وسبق لوزير المالية ان اعلن عن عدم امتلاكه لأي صفحة في الفيس بوك، لكن الصفحتين لا تزالان في تحديث مستمر بما يوحي ان هناك من يقوم بتغذيتها بالأخبار من وقت لآخر، وهما من اعلى الصفحات من حيث عدد المتابعين.
مزايا التواجد
الصفحات في مجملها توفر سهولة التواصل بين المتابعين وصاحب الصفحة، وتجعله قريبا من الاخرين، صحيح ان المسجلين في الفيسبوك داخل اليمن قليلين ولا يمثلون الغالبية لجمهور كل وزارة، لكنهم يعدون نخبة المجتمع وعن طريقهم تنفذ الاخبار إلى وسائل الاعلام وغيرها فتنتشر بطريقة اسرع، مثلما حدث مع خبر استقالة وزير التعليم العالي يحي الشعيبي الذي كتبه في صفحته وانتشر بسرعة فائقة، ولذلك استقبلت النخبة تصريح محافظ تعز شوقي احمد هائل بأنه سينشئ صفحة باسمه للتواصل مع ابناء المحافظة بترحاب واسع.
الواقع ينعكس على الفيسبوك
ويبدو في صفحات الوزراء ان طبيعة الواقع السياسي والاجتماعي والفكري في اليمن قد انعكس على منشورات الصفحات، فهناك المؤيدون والمعارضون بحسب فكرهم وعقيدتهم، فصفحة الوزير حسين شرف الدين اغلب مرتاديها من أصحاب التيار الفكري الزيدي والحوثي، ومثلها صفحة عبدالقادر قحطان التي أنشأها مؤيدون له.
مسألة التعليقات على ما ينشر في الصفحات هي الأخرى تتحكم بها طبيعة الجمهور وأخلاقه، فهناك تعليقات مهذبة، وهناك من يناقشون بأدب وأخلاق، وهناك من يستغلون هذه الوسيلة للسب والشتم والنيل من الاعراض بشكل يتنافى مع اخلاق المجتمع وقيم الذات، ومعظم التعليقات السيئة يكتبها اشخاص لهم اسماء وهمية، أو ذكور لهم اسماء إناث، وهذا الوضع بات ملاحظا ومعروفا داخل الفيسبوك.
وثمة أمر آخر يتصل بهذا الامر وينطبق على الوزراء أو غيرهم، وهو انتحال الشخصيات وفتح حسابات أو انشاء صفحات باسماء الوزراء أو الشخصيات السياسية وهي لا تعلم عنها، كما حدث مع صخر الوجيه وزير المالية والنائب محمد الحزمي، بل طال الامر شخصية رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ونجله مما اضطرها إلى اصدار بيانات تنفي وجود أي حساب لها في الفيسبوك.
دليل واضح
تمثل الشكاوى المطروحة والتعليقات والمقترحات المنشورة في الصفحات دليلا واسعا وواضحا للاطلاع على مشاكل الوزارات وأداء الموظفين وبالذات الوزارات الخدمية التي لها ارتباط مباشر بالمواطنين، فيستطيع الوزير من خلال ما ينشر في صفحته متابعة وزارته وسير الاداء فيها والافراد المتقاعسين واماكن الفساد وقياس مستوى الرضا عن أداء الوزارة، خاصة وأنها تصل للوزير شخصيا اذا كان يتابعها ولا يستطيع أحد حجبها أو إعاقة وصولها إليها، ويستطيع قراءتها ومتابعتها إذا كان فعلا يدخل على الصفحة بشكل يومي.
ومن مميزات المشاركة وتقديم الشكاوى عبر الصفحات أنها تصل بسهولة ويسر بعيدا عن البيروقراطية الادارية داخل أروقة الوزارة وبعيدا عن التعقيدات في الوصول إلى مكتب الوزير، أو تعذر وصولها إليه اذا كانت عبر الصحف، والأمر الآخر هو انتفاء صفة الحزبية عن ما ينشر من شكاوى تتعلق بحقوق شخصية يطالب بها اصحابها مثلما حدث لكثيرين خاصة عندما ينشرون قضاياهم في الصحف، كما أن صاحب الشكوى يستطيع طرح شكواه أو مقترحه بشجاعة ولا يخاف من المحاسبة أو التأنيب خاصة اذا كان موظفا داخل الوزارة ويخاف من الملاحقة وذلك عن طريق اخفاء شخصيته وتسجيل الاشتراك داخل الفيسبوك باسم وهمي.
لكن كثرة الشكاوى المطروحة من المشاركين في الصفحات قد لا تلقى التجاوب أو الاهتمام لكثرتها، وفي هذه الحالة تصبح الصفحات عديمة الفائدة ويقتصر امرها على الترويج لصاحبها، مما يؤدي إلى وضع معاكس، فبدلا من شعور المتابعين باهتمام الوزير بقضاياهم، يتولد لديهم شعور بعدم جدية الوزير واهماله لشكاويهم، واذا ما وصل المتابعون إلى هذا الشعور فستنغلق امامهم وسيلة تواصل تقنية عصرية مفتوحة وسيصابون بالإحباط ولن يختلف الامر عن الشكل التقليدي السابق في التواصل مع الوزراء من حيث عوائق الادارة وحواجز الفساد.
والمطلوب هنا هو تشكيل فريق فني داخل مكتب الوزير لمتابعة الشكاوى المقدمة والمقترحات والبلاغات اولا بأول وتلخيصها وتقديمها للوزير بصورة دائمة ليتم بعدها التحقق منها وإحالتها إلى الإدارات المعنية لحلها والبت بها، وعند الوصول إلى نتيجة يتم نشرها بالصفحة الخاصة بالوزير ليطلع عليها من تقدم بها، وهذا سيساهم في عدم إهمال تلك الشكاوى وفي خلق صورة رائعة عن الوزير ووزارته.
قضايا دون ردود
من يتصفح صفحات الوزراء يجدها مليئة بقضايا حقوقية ومطالب مالية أو وظيفية وبشكاوى فساد ، لكن لا تلقى التجاوب والرد عليها رغم ان بعضها مرفقة بالوثائق والمستندات.
المنشورات الاكثر نشرا هي اخبار الوزراء وانشطتهم الرسمية والشخصية، وسفرياتهم في الداخل والخارج، وكل ذلك معزز بمقاطع الفيديو وألبومات الصور، وهذا الوضع جعلها تمتلئ بالردود المداهنة والمتزلفة للوزير، كما جعلها ايضا عرضة للهجوم عليهم وانتقادهم.