arpo28

نصف شهر من حرب القاعدة في اليمن.. حصاد مفتوح لحرب مغلقة (تقرير موسع)‏

شهد اليمن، خلال نصف شهر تقريباً، تطورات متسارعة في ملف (الحرب على الإرهاب). ‏دُشنت بعمليات نوعية لطائرات أميركية بدون طيار، قتلت العشرات من المشتبه بانتمائهم ‏لتنظيم "القاعدة". تبعتها عملية عسكرية موسعة للجيش اليمني ضد معاقل التنظيم بجنوبي ‏البلاد، وصل خلالها إلى أبرز المعاقل، وتزامن ذلك مع توتر أمني في العاصمة صنعاء.‏

ورغم تقديرات شبه رسمية بتحقيق الحملة ما يصل إلى 90 في المائة من أهدافها، إلا أن ‏المواجهات عادت بضراوة، الثلاثاء الماضي. هنا محاولة تقصٍّ لمعرفة ما الذي تحقق خلال ‏أسبوعين من الحملة.‏

الحملة العسكرية
في أواخر مارس/آذار الماضي، بثّ تنظيم "القاعدة" تسجيلاً مصوراً، اعتبره المحللون ‏الغربيون الأخطر منذ سنوات، يُظهر العشرات من عناصر التنظيم، بينهم الرجلان البارزان ‏فيه، ناصر الوحيشي، والسعودي إبراهيم الربيش، في حفل استقبال لسجناء فارين من السجن ‏المركزي في صنعاء. ويعتقد مراقبون أن التسجيل جرى تصويره في مديرية المحفد، بمحافظة ‏أبين جنوبي البلاد.‏

بعد أسابيع من بث التسجيل، وتحديداً في 20 إلى 21 أبريل/نيسان الماضي، وقعت العديد ‏من الغارات، يُرجح أنها بطائرات أميركية بدون طيار، استهدفت مواقع مفترضة لتنظيم ‏‏"القاعدة"، ونتج عنها مقتل أكثر من 60 شخصاً، بينهم نحو 55 في المحفد، بحسب الإحصائية ‏الرسمية.‏

وفي 29 من الشهر نفسه، أطلق الجيش اليمني حملة عسكرية موسعة من ثلاثة محاور: حبان ‏وميفعة من جهة شبوة، وتتبع للمنطقة العسكرية الثالثة، والمحفد وأجزاء من أحور، من جهة ‏أبين، وتتبع للمنطقة العسكرية الرابعة. وشارك في الحملة الطيران الحربي ووحدات من قوات ‏الأمن الخاصة، بالإضافة إلى مسلحين غير نظاميين من أبناء تلك المناطق، يعرفون ب"اللجان ‏الشعبية".‏

في اليوم العاشر للحملة، دخل محافظ أبين، جمال العاقل، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة ‏الذي ذاع صيته أثناء المواجهات الأخيرة، اللواء محمود الصبيحي، إلى معقل "القاعدة" الأول ‏في المحفد، ومن الجهة الأخرى بمحافظة شبوة دخل وزير الدفاع، اللواء محمد ناصر أحمد، ‏وعدد من قيادات الدولة على رأس الحملة العسكرية إلى معقل "القاعدة" الثاني في عزان. ‏وبذلك، حققت الحملة العسكرية أبرز أهدافها في فترة وجيزة فاجأت المتابعين.‏

ولأن ثغرات عديدة ظهرت في الحملة، من خلال التغطية والسرعة، كان لا بد أن يتم تلافيها ‏سريعاً، وهو ما عبرت عنه الهجمات المباغتة، التي تجددت فجر الثلاثاء 14مايو/أيار ‏الجاري، بمحاولة مسلحي التنظيم استعادة السيطرة على عزان، لتبدأ المواجهة فصلاً جديداً في ‏اليوم الخامس عشر على بدء الحملة.‏

الدور الأميركي
من الصعب تحديد دور الولايات المتحدة في العمليات على وجه الدقة، لكن أبرزه يتضح من ‏خلال المشاركة بتنفيذ ضربات عن طريق الجو، والمشاركة، ربما، في قرار المواجهة، إضافة ‏إلى العون اللوجستي وغير ذلك من الأمور التي عادة ما تُحاط بالسريّة.‏

ويقول الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب، سعيد الجُمحي، لـ"العربي الجديد"، إنه "كان ‏من الطبيعي أن يتوج الرئيس عبد ربه منصور هادي وعوده التي أطلقها في أكثر من خطاب ‏له، بالتخلص من الإرهاب من خلال مواجهات مباشرة ضد تنظيم القاعدة، لا سيما بعد أن بات ‏الجيش وأجهزة الأمن بقياداتها ومنشآتها أهدافاً متواصلة، وبصورة تكاد تعصف بهيبة ‏المؤسسة العسكرية والأمنية".‏

ويرى الجمحي، وهو رئيس مركز دراسات، ومؤلف كتاب "القاعدة في اليمن"، أن هذه ‏الدواعي "لم تكن وحدها تكفي أن يتم الإعلان عن حرب لاجتثاث القاعدة، إذ تحتاج مواجهات ‏كهذه إلى الكثير من الدعم والمساندة بكافة أشكالها المادية والمعنوية، ومن هنا لا يمكن تجاهل ‏الروابط المشتركة بين اليمن والأميركيين، في ما يخص الحرب على الإرهاب ومطاردة ‏القاعدة، فكانت الزيارات المتعددة للقيادات العسكرية والأمنية من البلدين تدعم هذا الهدف ‏المشترك". وهنا يتوقف الجمحي عند "زيارة وزير الدفاع اليمني محمد ناصر أحمد الأخيرة ‏للولايات المتحدة، بصحبة قيادات عسكرية عليا، وما تلاها مباشرة من إطلاق حملة عسكرية ‏غير مسبوقة ضد القاعدة"، في إشارة إلى ارتباط واشنطن بالحرب الشاملة الحالية.‏

إحصائيات متباينة
مع بدء الحملة العسكرية، أطلق الرئيس اليمني، تصريحاً بأن 70 في المائة من المنتمين إلى ‏‏"القاعدة" في اليمن هم من الأجانب، متسائلاً: كيف نحاورهم و70 في المائة غير يمنيين؟

تبعاً لهذا الإعلان، بدا أن العامل السياسي تدخل بحصيلة الحملة العسكرية خلال الفترة ‏الماضية، إذ كانت وزارة الدفاع تعلن، بشكل شبه يومي، عن سقوط قتلى وجرحى من صفوف ‏‏"القاعدة"، وتعلن أسماء قتلى أجانب بينهم قيادات. وبحسب الإحصاءات، فإن بيانات وزارة ‏الدفاع ووكالة الأنباء الرسمية، أوردت بالاسم أو بالرقم، ما يزيد عن 50 عنصراً منذ انطلاق ‏المواجهات، فضلاً عن الأنباء التي تذكر مقتل وجرح العشرات.‏

وقدّر محافظ أبين، في تصريح صحافي، الاثنين الماضي، قتلى "القاعدة"، خلال الحملة ‏الأخيرة، بنحو 110 في المحافظة، بينما قدرت مصادر عسكرية لوسائل إعلام غير رسمية ‏الحصيلة بنحو 140 قتيلاً.‏

وفي آخر تصريح رسمي، الأحد الماضي، بثته وكالة الأنباء اليمنية، ‏قال مصدر عسكري ‏مسؤول إن "العمليات العسكرية الأخيرة التي خاضتها ‏وحدات القوات المسلحة والأمن في ‏مديرية المحفد بمحافظة أبين وفي شبوة، أدت إلى مقتل ‏وجرح المئات من عناصر تنظيم ‏القاعدة الإرهابي، كما قتل العشرات من قيادات هذا التنظيم ‏غالبيتهم من جنسيات عربية ‏وأجنبية".‏

ويأخذ بعض المراقبين على هذه البيانات، أنها بدت أساساً، منذ اليوم الأول للمواجهات، ‏تعزيزاً لتصريح الرئيس هادي بأن 70 في المائة من عناصر "القاعدة" أجانب، إذ كانت أغلب ‏الأسماء المعلنة من قبيل "أبو إسلام الشيشاني"، و "أبومسلم الأوزبكي"، خبير المتفجرات ‏‏"تيمور الداغستاني"، "السفاح بيكاسو"، وعلى هذا النحو من الأسماء التي تعزز وجود العنصر ‏الأجنبي والعربي، وأغلبها غير معروف في السابق، كما لم تعزز المصادر الرسمية، ما تعلنه ‏بالصور والأدوار الموثقة.‏

امتصاص الضربات
تُصنف واشنطن فرع "القاعدة" في اليمن، الذي يطلق عليه اسم "تنظيم قاعدة الجهاد في ‏جزيرة العرب"، على أنه أخطر فروع التنظيم "الإرهابي" في العالم، وتعد المحفد وعزان، ‏اللتان وصل الجيش إلى مركزهما، المعاقل الرئيسية التي ينتشر فيها التنظيم.‏

وصول الجيش إليهما من دون معارك شديدة، وبفترة وجيزة، أمر يرجعه خبراء ومحللون ‏إلى جملة عوامل، أبرزها: الإعلان المفاجئ للحملة من جبهات عدة، والضربات الجوية التي ‏سبقتها وقتلت العشرات من عناصر "القاعدة"، بالإضافة إلى السخط الشعبي ومطالبة القبائل ‏في مناطق المواجهات، "القاعدة" بالمغادرة، وكون أبرز القيادات العسكرية التي قادت الحملة ‏كانت من أبناء تلك المناطق.‏

إلى ذلك، يرى محللون أن "القاعدة" اعتمد استراتيجية بعدم المواجهة المباشرة مع الجيش ‏لمنعه من التقدم، مستفيداً من دروس أبين في العام 2012، واختار، أو أرغمته الحملة ‏والقبائل، على أن ينسحب ويتفرق، ليعود من خلال العمليات المباغتة.‏

ويعيد الباحث الجُمحي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، "النجاح" الذي حققته الحملة العسكرية ‏في البداية "إلى توافر الإرادة السياسية، وكذا حالة الاحتقان والغضب الشعبي ضد "القاعدة"، ‏نتيجة توغله في إزهاق الأرواح، وما يتبع ذلك من إشاعة حالات الفوضى والعبث والخوف".‏

وحول ما إذا كانت هذه الحملة حاسمة مع "القاعدة"، أم يمكن أن تنتقل إلى محافظات أخرى، ‏يقول الجمحي إن "القاعدة متواجد من خلال عناصر فاعلة ومناصرين، في أغلب المحافظات ‏اليمنية، وإعادة الانتشار والانسحاب هو أسلوب وتكتيك استعمله التنظيم من قبل للتقليل من ‏الخسائر، والحفاظ على حالة تأهب للمواجهة".‏

ويضيف أن المشهد الحالي يفصح عن خسائر كبيرة تكبدها التنظيم، فآثر الحفاظ على ما ‏يمكن الحفاظ عليه، "ولا يعني تراجعه أنه قد تعرض لهزيمة كاملة. ويدل استمرار مواجهة ‏التنظيم ومتابعته باستراتيجية شاملة من السلطة اليمنية، على عزم حقيقي للتخلص منه، وإنهاء ‏مشكلة الإرهاب، وهذا ما سيحتاج إلى وقت غير قصير".‏

شظايا في صنعاء
مع دخول الجيش إلى المحفد وعزان، أعلنت سفارة واشنطن في صنعاء، وتبعتها بريطانيا، ‏تعليق خدماتها بسبب وجود تهديدات جدية بعمليات إرهابية انتقامية، بالتزامن مع تطورات ‏دراماتيكية في صنعاء، أبرزها اغتيال فرنسيين يعملان في بعثة الاتحاد الأوروبي، أعقبتها ‏اشتباكات متفرقة في نقاط أمنية بالعاصمة، بالإضافة لعملية إرهابية بسيارة استهدفت مقر ‏الشرطة العسكرية في حضرموت.‏

وبينما ذهبت العديد من التفسيرات إلى أن هذه التطورات مرتبطة بعمليات انتقامية من قبل ‏‏"القاعدة"، يغفل هذا الربط الثغرات التي ظهرت أثناء الحملة، كالتقدم في الكثير من المحاور ‏من دون مواجهة، وإعلان قتلى أغلبهم غير معروفين، والاستخدام السياسي لها، من خلال ‏التوجيه الإعلامي، الذي حرص على إيجاد تأييد وتوجيه اتهامات غير مباشرة لبعض الأطراف ‏السياسية بالتقاعس عن التأييد.‏

وعن هذا الموضوع، يقول الصحافي والمحلل السياسي، نبيل الصوفي، لـ"العربي الجديد"، ‏إنه "مع أن الحرب ضد القاعدة هي عملية مفتوحة منذ سنوات، غير أنني لا اتفق مع من يرى ‏أن الهجمات التي تعيشها صنعاء خلال هذه الأيام، والتي وصلت إلى محيط القصر الرئاسي، ‏هي نشاطات للقاعدة، وإن كنتُ أعطي لتقدير المحللين نسبة من الاحتمال". ويضيف أن ‏‏"عمليات القاعدة لا تتسم بالسرعة، لأنها تدير كل معركة في حدود ما تتطلبه هذه المعركة أو ‏تلك، وحين تخوض حرباً ميدانية في منطقة، فإنها تنتظر حتى تنتهي تلك الحرب، وبعدها تعود ‏لطريقتها المفتوحة". ويخلص الصوفي إلى أنه على الأجهزة الأمنية والأطراف السياسية في ‏صنعاء، ألا تركن إلى اعتبار أن "كل رصاصة أو تفجير مصدره القاعدة، لأن هذا الركون ‏يعقد الأمر أكثر، كونه يعني عدم تحليل المشكلة، وعدم تقديم أي معالجات، بالركون إلى أن ‏هذه حرب مفتوحة ومعلومة".‏

ويلمح الصوفي إلى أطراف عدة تعبث بالملف الأمني. ويعتبر أنه "من الملفت أن كل أخبار ‏اغتيالات الجنود، مثلاً، تترافق مع تعبير: وتم الاستيلاء على أسلحة الجنود بعد قتلهم أو ‏مهاجمتهم". ويشير إلى أن هذه العبارة تضاعف من احتمال أن هناك أطرافاً عدة تشارك في ‏توسيع الخرق الأمني، ف"القاعدة" بالكاد يلاحق تأمين أفراده بعد العمليات، ولا يمكن لهؤلاء ‏انتظار ما بعد التنفيذ لجمع أسلحة والهرب بها". ويستدرك الصوفي أن هذه الأطراف قد تكون ‏منظمات جريمة غير معروفة أو معروفة، أو أطراف صراعات ثأرية".‏

ومع ذلك، يوضح الصوفي أنه "لا يمكن عزل كل هذا عن أصداء الحرب مع القاعدة، حتى ‏لو قلنا إنه ليس المسؤول، فانشغال الجيش بمعارك ميدانية، والهالة التي يقدمها الإعلام ‏الرسمي عن هذه الحرب، وتحولها إلى مادة مهاترات بين الأطراف السياسية، والترقب والتوتر ‏الذي ينقله كل هذا للناس، يمثل تأثيراً خطيراً يصب لصالح القاعدة".‏

لعبة الفيل والبعوضة
يعلّق الكاتب اليمني، مهدي الهجر، على هجوم الأحد الماضي، على مقر للشرطة العسكرية ‏بمدينة المكلا، بالقول إن "الحرب مع القاعدة لم تكن باستراتيجية شاملة وعميقة، تأخذ ‏في ‏الحسبان أسوأ الاحتمالات والمخاطر، وكأنه لم تكن هناك إحاطة تامة بموارد وإمكانات ‏وخطط ‏التنظيم، بل يبدو أنها كانت أشبه بهبّة عاطفية استجابة لاستحقاقات دولية، وهروباً من ‏استحقاقات ‏وأزمات داخلية".‏

ويلاحظ الهجر أن القاعدة "أعاد نقل عملياته إلى الأماكن والمناطق ‏الرخوة، وترك مناطق ‏المواجهة إلا بحدود قدر التكتيك، وهو يلعب اليوم لعبة البعوضة والفيل؛ فيوجه القرصات ‏والضرب في مواقع مفصلية ‏وبطريقة فنية، ولا يملك الفيل إلا أن يضرب بخرطومه على ‏الجبل والحجر، فترتد ضربته عليه ‏ويقتله جسمه". ويخلص إلى أن الجيوش النظامية التقليدية ‏غير قادرة على أن تخوض الحرب مع القاعدة، لأنها حرب عصابات لها أدواتها وتكتيكها ‏الخاص".‏

زر الذهاب إلى الأعلى