عشيّة أول أيام شهر رمضان، يوم السبت، أصدر أربعة زعماء في اليمن بيانات بالمناسبة، تعكس بمجملها عمق الانقسام الحاصل في بلد لا تنقصه الانقسامات.
ففي حين أذاع الإعلام الرسمي خطاباً للرئيس، عبد ربه منصور هادي، معتاداً من رئيس البلاد في هكذا مناسبة، أصدر كل من زعيم حزب "المؤتمر"، علي عبد الله صالح، وزعيم "الحراك الجنوبي"، علي سالم البيض، وزعيم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، عبد الملك الحوثي، بيانات في المناسبة.
[b]وعظ ورسائل[/b]
وتطابقت خطابات "الزعماء" الأربعة في بنائها الصياغي، حيث تبدأ بالتهنئة بحلول الشهر الكريم، ثم الوعظ باستغلال أجواء الشهر في العبادة والتقارب ومحاسبة النفس، وصولاً إلى الرسائل السياسية التي يود كل طرف إيصالها.
وفي خطابه، جدد هادي دعوة اليمنيين لاغتنام شهر رمضان للتوبة وتصفية القلوب ولمّح إلى إفشال مخطط انقلابي على التسوية كان سيتم يوم 11 يونيو/ حزيران الجاري، مشيراً إلى أن أزمة المشتقات النفطية والكهرباء كانت بفعل فاعل ضمن ذلك المخطط.
وقال هادي: "لعلّكم تتذكرون ما حدث يوم الأربعاء، في الحادي عشر من يونيو/ حزيران الجاري، في صنعاء، باعتباره حلقة جديدة من حلقات مخطط إجهاض العملية السياسية السلمية الانتقالية وضرب التجربة اليمنية المتميّزة في انتهاج خيار الحوار ونبذ العنف وقعقعة السلاح، بهدف إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء والعودة إلى المربع الأول، بل إلى نقطة الصفر"، في إشارة إلى الاحتجاجات واسعة النطاق على خلفية الانقطاع المزمن في الكهرباء وفي المشتقات النفطية. وكان هادي قد اتهم صالح بالوقوف ورائها، وعلى أثرها جرى إغلاق قناة "اليمن اليوم" التي تتبع للأخير.
وعلى شاكلة الخطابات الرئاسية أصدر صالح، على صفحته في "فيسبوك"، بياناً بدأ بالتهنئة ثم الوعظ ووصل لتوجيه رسائل لأنصاره وخصومه.
وقال صالح، في بيانه: "إننا نسأل الله العليّ القدير أن يوفّق شعبنا لتجاوز كل الأوضاع والتداعيات المؤسفة التي أفرزتها الأحداث والأزمات المفتعلة التي أضرّت بالوطن والمواطنين وزادت من معاناتهم، نتيجة انعدام الاحتياجات والخدمات الضرورية للحياة، والانفلات الأمني، وأن يحقق التطلعات المنشودة لكل أبناء الوطن في الوصول إلى واقع أفضل يتم فيه تجاوز الصعاب ومواجهة المخاطر وبناء مستقبل آمن ومزدهر للأجيال في ظل راية الثورة والجمهورية والوحدة".
ولم يخلُ بيان صالح من خصوصية حزبية، إذ دعا "كافة المؤتمرين والمؤتمريات، قيادات وقواعد وأنصار، وكل قيادات وكوادر حلفائه في أحزاب (التحالف الوطني الديمقراطي) إلى الصمود والثبات ورباطة الجأش في مواجهة التحدّيات والمخاطر التي تُحاك ضد الوطن والشعب والمؤتمر الشعبي العام".
إلى ذلك، دعا النائب السابق للرئيس اليمني السابق، علي سالم البيض، الجنوبيين للاصطفاف والتمسك باستعادة ما سمّاها الدولة الجنوبية، وذلك في بيان أصدره البيض لمناسبة حلول شهر رمضان.
ودعا الزعيم البارز في الحراك الجنوبي والمقيم خارج اليمن منذ خسارته في حرب عام 1994، المنظمات العربية والدولية المهتمة بحقوق الإنسان إلى "اتخاذ مواقف حازمة" أمام ما قال إنه "جرائم بحق الجنوبيين"، حسب تعبيره.
من جهته، أصدر زعيم جماعة "الحوثيين"، عبد الملك الحوثي، بياناً بالمناسبة أكد فيه أن عودة الأمة إلى القرآن هو الطريق الذي ينجيها من المؤامرات التي تحاك لها.
ولم يتطرق الحوثي، في بيانه، إلى المواجهات الدائرة بين مسلحي جماعته من جهة والجيش وقبائل مناصرة له من جهة أخرى، في مناطق عمران وهمدان. لكنه حذر من الاحتراب الطائفي الذي تُتّهَم جماعته بأنها تسعى لإشعاله في اليمن.
[b]سفراء العشر[/b]
وبدورهم، حرص سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، الذين يشكلون مرجعية المرحلة في اليمن، على عدم تفويت المناسبة من دون بيان ليصدروا، اليوم الأحد، بياناً رحبوا فيه بجهود أعضاء اللجنة الرئاسية المكلفة بإنهاء التوتر في محافظة عمران والمناطق المحيطة بها والتي توّجت بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة السلم والأمن إلى المناطق المتأثرة بشكل مباشر بأحداث العنف الأخيرة.
وقال سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية: "إننا ندعم بشكل كامل جهود الرئيس عبد ربه منصور هادي لإنهاء المواجهات المسلحة، ونشجع جميع المعنيين على توسيع جهودهم وذلك لتطوير خطة سلام شاملة من خلال المفاوضات المباشرة بموجب مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل".
كما جدد سفراء الدول العشر (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي) التأكيد على دعم بلدانهم للحكومة اليمنية وقواتها الأمنية في عملياتها الجارية ضد كلٍ من تنظيم "القاعدة" الإرهابي والجماعات الأخرى، لا سيما أولئك الذين يستهدفون البنية التحتية للطاقة.
وطالبوا جميع الأطراف المسؤولة إلى إبداء دعمهم بشكل لا لبس فيه لتلك العمليات، وإلى الانضمام مع الدول الراعية للمبادرة في الإشادة بالتضحيات التي تبذلها القوات المسلحة اليمنية في هذه الحملات.
وعبّر البيان، الذي بثّته وكالة "الأنباء اليمنية" (سبأ)، عن بالغ القلق إزاء القضايا الاقتصادية الصعبة التي تواجه الحكومة اليمنية. وثمّنوا جهود العاملين في الحكومة على تنفيذ الإصلاحات المنتظرة طويلاً والتي ستؤسس لمسار سليم للدولة نحو النمو والازدهار.
[b]وعي استردادي[/b]
وتعليقاً على ظاهرة تعدد بيانات القوى اليمنية، قال الكاتب السياسي، فتحي أبو النصر، إنها "انعكاس لواقع الحال المشرذم والمتصدّع. أبطاله عبارة عن مراكز قوى وهيمنة متعددة داخل وخارج الدولة أيضاً. والإشكالية أن كل الأطراف تزعم أنها مع مصالح الشعب".
ونبّه إلى أن تهنئة رئيس الجمهورية لا تدخل في السياق كونها طبيعية واعتيادية بروتوكولياً بسبب منصبه. بينما يبدو من الواضح أن بقية التهاني تنبع من أمل أصحابها للبقاء في الحاضر عبر محاولة استرداد الماضي، كما أن هناك تهانيَ مضحكة كونها تحاول اختلاق زعامات في بلد كارثته تلك النوعية الضحلة من الزعامات الزائفة المقرفة ذات المشاريع الضيقة أصلاً، وخصوصاً أن اليمن صارت تكتظ بها وبهوسها التأزيمي اللاوطني.
وأضاف أبو النصر، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أنه "يمكن الاستنتاج أن تلك التهاني لا تلتمس، للأسف، سوى حالة العدل والوفاق في تشتيت اليمن أكثر، فضلاً عن أوهام امتلاك الشعب". والخلاصة، في رأيه، "أن كل تهنئة هي في الحقيقة لقطيع معيّن.
كذلك ثمة انسجام بينها وتطفّل أصحابها على حاضر ومستقبل هذه البلاد المنكوبة بوعيهم الاستردادي للماضي الذي لا يسرّ تطلعات التغيير والتطور وإعلاء شأن المواطَنة والدولة، المفقود، على أي شأن آخر، بالذات مراكز النفوذ والاستغلال".