يُعدّ الدكتور، محمد عبدالملك المتوكل، الذي اغتيل برصاص مسلحين، الأحد، في صنعاء بسلاح كاتم الصوت، واحداً من ألمع المفكرين والسياسيين في اليمن، وهو أبرز شخصية سياسية تتعرض للاغتيال منذ استهداف أحمد شرف الدين، أحد ممثلي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في مؤتمر الحوار الوطني في يناير/كانون الثاني الماضي.
ينتمي المتوكل إلى إحدى أهم الأسر الهاشمية التي كانت حاكمة في شمال اليمن حتى 1962، ولد في محافظة حجة شمالاً، وكان والده "عامل" حجة (المحافظ)، وقد أتاحت فرصة احتكاك المتوكل ببعض معارضي الإمامة تشرّبه أفكاراً مدنيّة، تَميّز بها على كثير ممن ظلوا محسوبين على نظام الإمامة حتى بعد إطاحتها.
وشغل المتوكل العديد من المناصب، بدءاً بسكرتير أول لسفارة اليمن في مصر، ثم مديراً عاماً للصحافة في وزارة الإعلام عام 1968، ثم مديراً عاماً للعلاقات العامة في الوزارة عام 1969، ووكيلاً في وزارة السياحة في عام 1970، ورئيساً لهيئة تحرير صحيفة "الثورة" الرسمية عام 1972، ثم عضواً في حركة 13 يونيو/حزيران التصحيحية في عام 1974. كما عيّنه الرئيس الأسبق، إبراهيم الحمدي، وزيراً للتموين والتجارة عام 1976. وأسهم في تأسيس العديد من الهيئات والاتحادات المهنية والثقافية.
وبعد مقتل الحمدي في صنعاء عام 1977، غادر المتوكل البلاد لمواصلة تحصيله العلمي، وحصل على الماجستير في الإعلام الإداري في الولايات المتحدة عام 1980، ثم الدكتوراه بامتياز من كلية الإعلام في جامعة القاهرة في عام 1983.
اتّجه المتوكل، إلى النشاط السياسي الحزبي، وباعتباره ينتمي إلى الأسرة الحاكمة سابقاً في اليمن قبل عام 1962، فقد كان يُحسب من رموز التيار السياسي الزيدي المعتدل والمنفتح على اليسار.
وأسهم في تأسيس تكتل "التجمع الوحدوي" الذي ضم سبعة أحزاب عام 1989، وبعد عام 1990 كان ناشطاً سياسيّاً فاعلاً في الأحداث التي مرت بها البلاد، وذلك عبر انخراطه في حزب "اتحاد القوى الشعبية"، وفي عام 2001 انُتخب أميناً عاماً للحزب.
وأسهم المتوكل بفعالية في تأسيس تكتل "أحزاب اللقاء المشترك" مطلع العقد الماضي، وضمّ أحزاب "التجمع اليمني للإصلاح"، الحزب "الاشتراكي اليمني"، "التنظيم الوحدوي الناصري"، حزب "الحق"، و"اتحاد القوى". وكان المتوكل بتنظيراته وتصريحاته من أبرز قيادات "المشترك" الفاعلة لما يتمتع به من ذكاء سياسي وخبرة في الإعلام.
المتوكل أكاديمي سياسي ظل مواظباً على الحضور في قسم العلوم السياسية في جامعة صنعاء، وكان مؤثراً في طلابه، الذين تأثروا بأطروحاته وتعريفاته السياسية التي يصنعها بدهاء. وهو بامتياز صانع كثير من الاصطلاحات والتعريفات السياسية في الساحة اليمنية.
ويقول الدكتور أحمد الزنداني، أحد طلابه في قسم العلوم السياسية، وأصبح مدرساً في القسم نفسه، إنه سأله ذات مرة، عن تنقله وحيداً، ألا يخشى الاغتيال، فأجابه: "الأعمار بيد الله". ويضيف الزنداني، إن المتوكل "كان ودوداً مؤدباً جدّاً مهما خالفته في الرأي لا يغضب، عندما يلقاك يأخذك بالحضن ويهتم بك بشكل كبير".
وعُرف عن المتوكل تشجيعه الكبير العمل المدني، وحثّ أبناءه على خوض هذا الغمار، وحصلت رضيّة ابنته على عضوية اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني وانسحبت منها، مع زميلها ماجد المذحجي، قبيل انعقاد المؤتمر، احتجاجاً على تجاهل السلطة تنفيذ الشروط المتّفق عليها لنجاح الحوار، كما تشارك ابنته ابتهال حاليّاً ضمن 17 شخصية في لجنة صياغة الدستور الجديد لليمن.
[b]"المُوتور السياسي"[/b]
تعرّض المتوكل في الأول من فبراير/شباط 2011 لحادث مروري بواسطة دراجة نارية، وأصيب بجروح نُقل على إثرها إلى العاصمة الأردنية عمان، حيث خضع فيها للعلاج فترة، ثم عاد إلى صنعاء.
وعلى الرغم من كونه معارضاً للرئيس السابق، علي عبدالله صالح، طوال فترة نظامه، إلا أنه كان أول قيادي في "المشترك" يلتقي صالح بعد ثورة التغيير في عام 2011.
وقد وجّه اتهامات غير مباشرة إلى حزب "الإصلاح" بالوقوف وراء حادث "الموتور" (الدراجة) التي وصفها المتوكل في أحد حواراته الصحيفة بأنها "موتور سياسي".
بعد عام 2012، خفَت نشاط المتوكل السياسي، وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه، أعلن حزب "اتحاد القوى الشعبية" أن المكتب السياسي للحزب أقر إعفاء المتوكل من مهماته كنائب للأمين العام، وأرجع ذلك إلى ظروفه الصحية التي تحول من دون مواصلته العمل السياسي. وجاءت هذه الخطوة بعد تصريحات عدة للمتوكل أثارت الجدل.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن المتوكل واصل حضور أغلب الفعاليات في قسم العلوم السياسية في جامعة صنعاء، وهاجم مخرجات مؤتمر الحوار في إحدى الندوات التي عُقدت حول قرار الفيدرالية وتقسيم البلاد إلى أقاليم، معتبراً أنها تخدم مشاريع إقليمية ودولية ولا علاقة لها بما يبحث عنه المواطن اليمني، الذي يبحث عن "دولة عدالة ومواطنة".
وقد أثار اغتيال المتوكل صدمة كبيرة في اليمن، وذهبت بيانات النعي إلى أن رحيله يمثّل خسارة كبيرة للبلد. ويأتي الاغتيال في لحظة سياسية حرجة تمر بها البلاد، واعتبرت الرئاسة اليمنية أن الغرض من استهدافه في هذا التوقيت، هو محاولة خلط الأوراق، وهو قول دقيق إلى حد كبير، كونه يأتي في وضع متأزم على مسارات عدة أبرزها الصراع الميداني بين حزب "الإصلاح" وجماعة الحوثيين، التي يُحسب المتوكل عليها، على الرغم من بُعده التام عن أنشطتها.
وفور الحادث وجّه الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، بتشكيل لجنة عليا للتحري والبحث عن الجناة، برئاسة رئيس جهاز الأمن السياسي، جلال الرويشان، وعضوية رئيس جهاز الأمن القومي، علي حسن الأحمدي، وأمين العاصمة صنعاء، عبدالقادر هلال، ونائب وزير الداخلية، علي ناصر لخشع، وكذلك أي طرف يرغب في أن يكون ضمن اللجنة من أولياء الدم.
وتشير الطريقة التي تم اغتيال المتوكل بها، إلى أنها تشبه الطريقة الاحترافية التي اغتيل بها السياسي، أحمد شرف الدين، ومن قبله النائب البرلماني، عبدالكريم جدبان، وكلاهما من مكوّن "أنصار الله". وأعلنت السلطات لاحقاً أنهما استُهدفا ممَن عُرف ب"خلية التيس" التابعة لتنظيم "القاعدة"، غير أن التنظيم لم يعلن حتى اللحظة مسؤوليته عن حادث اغتيال المتوكل.
وعدا "القاعدة"، فإن الأحزاب السياسية اليمنية تبدو خاسرة برحيل الرجل الذي لا يستفيد من استهدافه في الظرف الراهن، سوى طرف يسعى بشكل حثيث إلى إلهاب الصراع السياسي والطائفي في اليمن. يُذكر أن للمتوكل ابناً واحداً وخمس بنات، واشتهر بالتواضع في ملبسه وممشاه، وكان يتنقّل راجلاً من دون أية حماية.