arpo28

الرئيس اليمني يستعيد حريته: روايات متعددة للخروج من صنعاء

في خطوة مفاجئة من شأنها إعادة خلط الأوراق في اليمن، تمكن الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، من الخروج من صنعاء والتوجه إلى عدن، بعد أن كان يخضع للإقامة الجبرية في منزله منذ استقالته.

توقيت الإعلان عن خروج هادي جاء بالتزامن مع الذكرى الثالثة لانتخابه رئيساً للبلاد، بناء على المبادرة الخليجية التي ترشح على أساسها كرئيس توافقي وانتقالي لليمن ليخلف الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.

كما جاءت خطوة هادي بعد شهر كامل من إخضاعه للإقامة الجبرية من قبل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) ليخلط بذلك الأوراق على الجميع، وتحديداً الجماعة التي مضت طوال الفترة الماضية بانقلابها على الشرعية والمؤسسات غير آبهة بتداعيات ما تقوم به على البلاد.

وتدخل التطورات الجديدة اليمن منعطفاً جديداً مفتوحاً على احتمالات عديدة، وخصوصاً أن الإعلان عن انتقال هادي إلى عدن ترافق مع مؤشرات من فريقه الرئاسي تؤكد أن الرئيس اليمني قد قرر مواجهة انقلاب الحوثيين من عدن، في ظل روايات متضاربة حول طريقة مغادرته، فضلاً عن تعثر المفاوضات السياسية التي كانت تعقد في موفمبيك برعاية المبعوث الأممي جمال بنعمر، وعدم وضوح الرؤية لدى الحوثيين أو باقي القوى السياسية حول ما ستحمله الأيام المقبلة من خيارات، والتي تنتظر صدور موقف واضح وحاسم من هادي الذي بدأ منذ الأمس اجتماعات في عدن أولها كان الاجتماع مساء باللجنة الأمنية العليا في المحافظة قبل أن يصدر بيانه الذي أوضح فيه عدم اعترافه بالانقلاب وكل ما ترتب عليه من إجراءات وقرارات تم فرضها بالقوة.

روايات متضاربة

الصحافي في مكتب هادي، أسامة الشرمي، قال ل "العربي الجديد" إن مغادرة الرئيس اليمني من صنعاء لم تكن ضمن أي اتفاق، بل كانت عملية تهريب معقدة وصعبة للغاية. وأوضح الشرمي أن هادي متمسك ب "الشرعية"، وأن انتقاله إلى عدن ألغى استقالته التي قدمها لمجلس النواب 22 يناير/كانون الثاني الماضي. وأشار إلى أن هادي سيدعو من عدن لانعقاد مؤسسات الدولة هناك، كما سيدعو القوى السياسية للتوجه إلى عدن من أجل استكمال المفاوضات السياسية، نافياً ما تردد عن احتجاز بعض أقارب هادي في منطقة "الرضمة" بمحافظة إب. وهو ما تم بالفعل، وترجم بالبيان الذي أصدره هادي.

من جهته، كشف مصدر مقرب من هادي، اشترط عدم ذكر اسمه، في تصريح ل "العربي الجديد"، أن مغادرة الرئيس اليمني لم تكن السبت، بل سبقها بيومين، وأنه تم تأخير الإعلان عن مغادرته، ليتوافق مع ذكرى انتخابه، فيما أشار مصدر آخر إلى أن رحلة خروج هادي استغرقت 12 ساعة من السادسة من مساء الجمعة وحتى السادسة من صباح السبت.

كذلك، أوضح مصدر رفيع في حزب المؤتمر الشعبي، طلب عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد" أن قائد اللواء الأول حماية رئاسية العميد صالح الجعيملاني هو من رتب مغادرة هادي من صنعاء، لافتاً إلى أن الجعيملاني، الذي أشيع عند استقالة الرئيس أنه غادر صنعاء، لم يغادرها، وإنما بقي ورتب مغادرة هادي.

كما أفاد ضابط برتبة عقيد في حراسة الرئيس هادي أن عملية الإفلات من الإقامة الجبرية تمت مساء الجمعة، باستغلال نقاط ضعف في الجانب الأمني لمسلحي الحوثي المحاصرين للمنزل، نافياً في تصريح خاص ل "العربي الجديد"، أية صفقة بين هادي والحوثيين أفضت لمغادرته. وبين المصدر أن هادي خرج بسيارة واحدة من منزله وتبعته سيارات أخرى منذ خروجه من صنعاء، مشيرا إلى أن السيارة التي أقلت هادي من منزله ليست من ضمن سيارات الموكب الرئاسي المعروفة.

وفي الوقت الذي تثور شكوك حول سرية المغادرة وعدم معرفة الحوثيين بها، كطرف يسيطر على صنعاء ويحاصر منزل الرئيس عبر اللجان المسلحة، قالت بعض المصادر، إن المغادرة تمت وفقاً لوساطة سرية بين هادي والحوثيين رعتها سلطنة عُمان. وما يعزز هذا الاعتقاد في نظر البعض، أن الأخيرة كانت قد رعت العديد من الصفقات والمفاوضات السرية بين هادي والحوثيين في الشهور الأخيرة.

وحول ما إذا كانت المغادرة بعلم الحوثيين أم لا، قال المصدر إن "ذلك أمر غير مستبعد" وإنه "قد يكون ضمن اتفاق غير معلن يقضي بصنعاء للحوثي وعدن لهادي"، مشيراً إلى أن هناك مؤشرات بأن الولايات المتحدة أدت دوراً في تأمين مغادرته صنعاء من دون أن تكشف تفاصيل حول هذا الدور.

من جهته، قال مصدر مسؤول حكومي فضل عدم ذكر اسمه، ل "العربي الجديد" إن مغادرة هادي تمت باتفاق مع الحوثيين وإنها استكمال لما اعتبر أنه مخطط تسليم الحوثيين الشمال وتسلم هادي الجنوب. وأوضح أن هادي خرج بموكب يتألف من ثماني سيارات اثنتان في الوسط ركب هادي في إحداهما، وثلاث سيارات قبلها وثلاث بعدها، حيث سار الموكب إلى منطقة "دمت" بمحافظة إب، ومنها انتقل إلى تعز، ولم يمر عبر مدينة الضالع مركز محافظة الضالع الجنوبية، قاطعاً بذلك مسافة تربو على 400 كيلومتر حتى وصل إلى عدن.

من جهتها، ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن هادي غادر صنعاء، بعدما سمح له الحوثيون الذين يحيطون بمنزله بالخروج تحت ضغط دولي ومحلي، حسب ما أفاد مساعدون مقربون منه.

وقال المساعدون إن هادي توجه إلى عدن حيث سيغادر البلاد بعد ذلك لتلقي العلاج الطبي في الخارج، مشيرين إلى أن الحوثيين سمحوا لهادي بالذهاب بعد ضغوط من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والأحزاب السياسية المحلية.

ارتباك حوثي

وفيما كان فريق هادي والمؤتمر الشعبي يقدمان روايات متضاربة، كانت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، المعني الأول بترددات نجاح هادي من مغادرة صنعاء، غير قادرة على تقديم تفاصيل كاملة حول ما جرى، فيما اتهمت اللجنة الثورية التابعة للجماعة "حادثة تهريب الرئيس المستقيل من صنعاء بأنها تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن استقالته من منصبه لم تكن مجرد استخدام لحق بل إن المقصود منها هو جر الوطن إلى الانهيار خدمة لقوى اجنبية".

وتابعت اللجنة في أول موقف رسمي للجماعة أن ما جرى يؤكد "صوابية الإجراءات التي اتخذتها اللجنة الثورية وعلى رأسها الإعلان الدستوري"، في إشارة إلى البيان الانقلابي.

القيادي في جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، عبد الملك العجري، أوضح ل "العربي الجديد"، أنه لا توجد معلومات مؤكدة حول طريقة مغادرته، لكن المرجح أن تهريبه جرى من وفود الزائرين الذين كثروا في الأيام الأخيرة، بمبرر مرضه، وخصوصاً أن الإجراءات حول مقر إقامة هادي لم تكن مشددة. وحول ما تتوقعه الجماعة، من هادي، بعد مغادرته، قال القيادي في جماعة الحوثي، إن ذلك سيتضح بعد أول خطاب من المتوقع أن يلقيه هادي.

وكان هادي يخضع للإقامة الجبرية منذ استقالته 22 يناير/كانون الثاني الماضي، وقبل أن يغادر صنعاء بأيام، انتشرت ادعاءات حول مرضه وأن حالته الصحية حرجة وتستلزم أن يغادر البلاد، وفقا لتصريح سابق لوزيرة الإعلام في الحكومة المستقيلة نادية السقاف. غير أن مسؤولاً سابقاً في الرئاسة اليمنية شكك في تصريحات سابقة ل "العربي الجديد" بالأنباء التي تتحدث عن تدهور صحة هادي، واعتبر أن التسريبات حول صحته تسعى لإيجاد مبررات من أجل مغادرته.

ولا تزال هناك الكثير من علامات الاستفهام حول مسألة مغادرة الرئيس من صنعاء إلى عدن، براً إذ تصل المسافة التي قطعها إلى 400 كيلومتر، وتمر بمحافظات صنعاء، ذمار، إب، تعز، لحج وصولاً إلى عدن. ويعد هذا الطريق هو الأكثر ازدحاماً ويمر من مناطق أغلبها ذات كثافة سكانية، كما يمر من نقاط تفتيش تابعة للجيش والأمن وأخرى تابعة للحوثيين. ومن الصعب تخيل أن هادي غامر كل هذه المسافة من دون تنسيق مسبق يؤمن طريقه. والأكثر من ذلك، هو أن يُقال إن ذلك حدث منذ يومين. الأمر الذي يعكس أحد احتمالين: الأول، أن ما جرى بضوء أخضر من الحوثيين، والآخر هشاشة الإجراءات الأمنية الحوثية.

زر الذهاب إلى الأعلى