يومياً، يقصد عيسى (16 عاماً) أحد أرصفة حيّ الصافية وسط العاصمة صنعاء، حيث يجلس مستجدياً المارة مساعدته ومستعطفاً إياهم بإعاقته الخلقيّة في رجله اليسرى التي تمنعه من المشي بشكل طبيعي، ما يضطره إلى سحبها متكئاً على عصا. فيقضي المراهق معظم ساعات نهاره، شاكياً إعاقته للناس للحصول على مال أو طعام أو لباس.
يقول: "أُجبرت على ذلك لأن إعاقتي منعتني من ممارسة أي عمل"، سائلاً: "هل تريدون أن نموت من الجوع؟".
وعن محصلته اليوميّة، يؤكد عيسى أنه بالكاد يحصل على ما يكفيه ووالدته وأختَيه. أما في رمضان فيحصل على مساعدات مختلفة وسخيّة، إذ "هو شهر البركة" بحسب تعبيره.
ويلجأ عدد كبير من المتسوّلين في اليمن إلى استعطاف الناس بعاهات مختلفة في أجسامهم، ما يدفع الناس إلى الاستجابة عبر تقديم مساعدات ماليّة أوعينيّة أو حتى طعام.
إلى ذلك، يدّعي أصحاء كثر الإعاقة، إذ في ذلك وسيلة سهلة لكسب المال. وهذا ما يؤكده صالح الصيادي وهو صاحب محلّ للمواد الغذائيّة، قائلاً إنه يعرف عدداً كبيراً من الشباب الأصحاء الذين يدّعون الإعاقة ومن ثمّ يستغلونها للتسوّل بالقرب من دكانه في شارع تعز شرق العاصمة صنعاء.
ويخبر الصيادي: "يقصدني شباب في نهاية النهار لتبديل ما حصلوا عليه من عملات نقديّة معدنيّة، بأخرى ورقيّة من الفئات الكبيرة". يضيف: "لا يبدو على معظمهم أي آثار للإعاقة، لكنني رأيت بعضهم يتسوّل في شوارع عامة وهو يبرز تقريراً طبياً يفيد بإعاقة ما".
ويؤكد صالح أن سلطات أمانة العاصمة كانت تستهدف في السابق المتسولين بحملات واسعة، من ذوي الإعاقات ومدّعيها، "أمّا اليوم فاختفت مثل هذه الحملات نهائياً. وهو الأمر الذي أدّى إلى زيادة انتشار المتسوّلين وازدياد أعداد المخادعين".
ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة، قصدت "العربي الجديد" مقرّ ما كان يسمّى ب "مشروع مكافحة التسوّل" في منطقة الحتارش شمال العاصمة. لكننا فوجئنا بأن العمل توقّف بالمشروع مؤقتاً بتوجيهات من أمانة العاصمة، وحوّل المقرّ إلى مركز للمرضى النفسيّين بحسب ما أفاد الحرّاس.
يقول رئيس المركز تركي القديمي إن أمانة العاصمة أمرت بإيقاف المشروع قبل عامَين، بعدما اتضح عدم جدواه، نظراً لعدم توفّر إمكانيات لإعادة تأهيل المتسولين. ويشير إلى أن العمل في المشروع سيستأنف هذا العام بمجرّد تأمين ميزانيّة، مؤكداً أن المتسولين اليوم في الشوارع "بلا حسيب ولا رقيب".
يضيف القديمي أن المشروع يعمل اليوم على إنشاء مبانٍ وورش نجارة وحدادة لتأهيل المتسولين من الرجال، ومشاغل للخياطة للنساء. كذلك، ثمّة قسم خاص للمرضى النفسيّين. لذا سيطلق على المشروع تسمية "بيت الرعاية الاجتماعيّة".
ويوضح أن المشروع في السابق كان يقتصر على "توقيف المتسوّلين ومن ثم إطلاق سراحهم بعد توقيعهم تعهداً بعدم العودة إلى التسوّل من جديد، من دون أن يُعاد تأهيلهم ومن دون أن يكتسبوا مهارات تمكّنهم من العمل".
وعن المتسوّلين بالإعاقات، يشير إلى أن عدداً كبيراً من الذين يعانون من عاهات يلجأون إلى التسوّل حتى وإن كانوا قادرين على العمل.
ويقدّر القديمي نسبة المتسوّلين ممن يدّعون الإعاقة ولا يحتاجون مساعدة، بنحو 20% من مجموع الذين يُلقى القبض عليهم. ويلفت إلى أن الدولة لا تلجأ إلى أي إجراءات قانونيّة جادة بحقّ هؤلاء، بسبب احتيالهم على المجتمع. وبعد تسليمهم إلى النيابة، سرعان ما يُفرج عنهم بضمانة عاقل الحيّ حيث يسكنون.
ويتحدّث القديمي عن عصابات مكوّنة من أطفال ورجال ونساء في صنعاء، "يعملون" في مجال التسوّل من دون أن يحتاج معظمهم إلى مساعدة.
من جهته، يقول مسؤول وحدة البحوث في مشروع مكافحة التسوّل طه الحكيم، إن المشروع كان يوقف عشرات المتسوّلين من أطفال ونساء ورجال يومياً. يضيف أن الأرقام تتضاعف في شهر رمضان.
أما المتخصصة الاجتماعيّة هند ناصر، فتشدّد على ضرورة تأهيل المتسولين الذين يُلقى القبض عليهم نفسياً ومهنياً، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً من هؤلاء في حاجة إلى علاج نفسي لعدم احتياج بعضهم إلى التسوّل. فمنهم من ينتمي إلى أسر ميسورة، لكن التسوّل أصبح عادة اكتسبوها بسبب ظروف مختلفة.
ويبقى ذوو الإعاقات الذين وبحسب ما تؤكد ناصر، "في حاجة إلى رعاية خاصة. فهم يعانون من ثلاث مشكلات هي الفقر والإعاقة والتهميش، من قبل الأسر والحكومة التي لا تُقدم لهم الخدمات في وقت يعانون من ندرة فرص العمل التي تناسبهم".