"يصلون متأخرين، بعد التهام الحريق أجساد وممتلكات الناس"... هكذا يجيب صلاح الضبيبي عن سؤالنا عن الدور الذي تضطلع به مراكز الدفاع المدني الموجودة داخل العاصمة صنعاء في إطفاء الحرائق تحديداً.
ويقول الضبيبي:"المدن اليمنية، ومنها العاصمة، تفتقر إلى مراكز كافية للدفاع المدني من أجل إطفاء الحرائق"، مؤكداً حدوث حالات حريق لا تعلم عنها مصلحة الدفاع المدني شيئاً.
ويحمل اليمنيون انطباعاً سلبياً عن جهاز الدفاع المدني، يعتبرونه مهماً لكنه لا يقوم بواجباته وقت الكوارث والأحداث التي تحتاج إلى سرعة التدخل لإنقاذ الأرواح والممتلكات. بل إن البعض لا يعرف معنى "الدفاع المدني".
ويقتصر عمل الدفاع المدني في اليمن على مواجهة الحرائق نظراً لعدم وجود إمكانات لوجستية تساعدهم على مواجهة الكوارث الأخرى مثل الزلازل والفيضانات.
معوقات بالجملة
كثيرة هي الأسباب التي قرنت الدفاع المدني في اليمن بالفشل. ويؤكد الإطفائي إبراهيم جميل(33 عاماً)، لـ"العربي الجديد" إهمال وزارة الداخلية لهذا القطاع. ويقول: "التوتر الأمني والسياسي والمواجهات حالت دون تطوير أو تحسين وضع المصلحة باستثناء إصلاح بعض عربات الإطفاء".
يختصر معاناة العاملين بقوله "أقوم بتوديع زوجتي وأطفالي قبل أن أتوجه إلى أي مهمة، لأني لا أعرف مصيري"، موضحاً بأنهم يذهبون لإطفاء حريق أحياناً، فيفاجأون بأن الحريق ناتج من مواجهات مسلحة أو عمليات إرهابية لا تزال مستمرة، مؤكداً حدوث مواقف كثيرة مشابهة، تسببت بإعاقة بعض زملائه.
ويشير جميل إلى عدم توفر المستلزمات التي تساعد الإطفائيين على التدخل السريع. ويقول:" 40 عربة إطفاء صالحة للاستخدام في 22 محافظة يمنية، نواجه مشاكل في توفير المحروقات والمياه وقطع الغيار للعربات"، مشيراً إلى أن "إطفاء الحريق الذي اندلع في المدينة التركية بصنعاء استغرق أربعة أيام لعدم توفر المياه".
ويواصل جميل "ليس لدينا وحدة مركزية خاصة بصيانة سيارات الإطفاء، ونضطر لاستدعاء مهندسين وإصلاح سيارات الإطفاء بورش فنية خارج المصلحة". وعن تأخر سيارات الإطفاء في الوصول بالوقت المناسب، يقول: "شوارع صنعاء ليست مرقمة ولا مرمزة وضيقة جداً، كما أن تجمهر الناس حول أماكن الحرائق يعيق وصول السيارات إلى مكان الحريق".
من جانبه، اتهم أحد الإطفائيين الذي فضل عدم ذكر اسمه، الحكومات السابقة ووزارات الداخلية المتعاقبة بعدم الاهتمام "بمصلحة الدفاع المدني والعاملين فيها"، مشيراً إلى أن الإطفائي وعلى الرغم من مخاطر عمله، من دون تأمين صحي أو مخصصات بدل مخاطر، ومرتبه الشهري لا يتجاوز الـ35 ألف ريال يمني (160 دولاراً أميركياً).
ويؤكد "الراتب لا يكفيني لعشرة أيام، ما يضطرني إلى مزاولة أعمال خاصة أخرى، وهذا بالتأكيد يسبب بعض التقصير في عملي الأساسي"، مبيناً بأنه لا يملك أية خيارات أخرى لمواجهة متطلبات الحياة المتزايدة.
ثقافة مجتمعية غائبة
ويرى محمد المحويتي الخبير في إجراءات الأمن والسلامة، بأن اليمنيين يفتقرون لثقافة الدفاع المدني حتى تكون لمؤسسات الدفاع المدني مكانة خاصة لدى المجتمع، مشيراً إلى أن رجل الإطفاء في المجتمعات الغربية له مكانة مرموقة في المجتمع وأخبارهم محل اهتمام في الصحافة.
ويؤكد المحويتي لـ"العربي الجديد" بأن الحكومة والمواطن شركاء في إضعاف الدفاع المدني في اليمن، محملاً وزارة الداخلية مسؤولية عدم إيلاء هذا القطاع اهتماماً خاصاً، كونه يقدم خدماته للمواطنين بشكل مباشر.
ويؤكد بأن المواطنين "لا يملكون ثقافة التبليغ عن الكوارث ولا يلتزمون بإجراءات الأمن والسلامة"، مشيراً إلى أنه "عندما تتحرك سيارات الإسعاف أو الإطفاء، لا يعمل من في الشارع على إفساح الطريق لهذه السيارات من أجل إنقاذ أناس يواجهون مخاطر مميتة".
أرقام وإحصاءات
وبحسب إحصائية قدمتها مصلحة الدفاع المدني لـ"العربي الجديد"، فإن إجمالي الحرائق التي تم رصدها خلال العام 2014 بلغ 634 حادثة، أدت إلى وفاة 24 شخصاً بينهم ثلاثة أطفال، وقُدرت الخسائر المادية بملايين الريالات.
وتوجد ستة مراكز إطفاء حرائق تغطي العاصمة صنعاء التي تبلغ مساحتها 390 كيلو متراً مربعاً ويتجاوز عدد سكانها المليوني نسمة. بينما تحدد المنظمة الدولية للحماية المدنية وجوب إنشاء مركز إطفاء لكل عشرين ألف نسمة. ويشار إلى أن مصلحة الدفاع المدني نفذت حملات توعوية عرّفت بأدوار الدفاع المدني شملت العام الماضي 83 ألف شخص.