تشنّ الطائرات الأميركيّة من دون طيار غارات على نقاط في الأراضي اليمنيّة، مستهدفة تحركات لمجموعات تابعة لتنظيم القاعدة، بحسب ما تعلن. لكن هذه الهجمات غالباً ما تخلّف قتلى مدنيّين، لا سيّما من الأطفال.
لم يكن محمد ط. (13 عاماً) يعلم بأنه سيكون على موعد مع الموت. هو لم يعرف أن طائرة أميركيّة من دون طيار سترديه قتيلاً، وذنبه الوحيد أنه كان يقضي إجازة النصف الأول من العام الدراسي مع أقرباء له، مستهدفين من قبل البرنامج الأميركي لمكافحة الإرهاب في اليمن.
يخبر أحد أفراد العائلة أن "محمد كان يرافق صهرنا إلى منطقة حريب في محافظة مأرب (وسط اليمن). لكن الطائرات قطعت الطريق على المسافرين بحجّة أنهم عناصر من تنظيم القاعدة. فأردت ثلاثة منهم وجرحت آخرين". يضيف أن محمد كان قد فقد والده وأحد إخوته في منطقة عزان في محافظة شبوة الجنوبيّة في عام 2011 بغارة أميركيّة مشابهة.
على الرغم من أن مقتل الطفل أتى على الأرجح خطأ غير مقصود إذ لم يكن هو المستهدف، إلا أن الحكومة اليمنيّة التي توافق على غارات الطائرات الأميركيّة لم تعتذر ولم تعرض الأمر على التحكيم ولم تعوّض على أسرة الصغير، بحسب ما يقول قريبه.
تجدر الإشارة إلى أنها ليست المرّة الأولى التي يسقط فيها أطفال قتلى أو جرحى بصواريخ طائرات "درونز" الأميركيّة، التي تلاحق عناصر يُشتبه في انتمائها إلى "القاعدة". ففي 26 سبتمبر/أيلول الماضي، استهدفت طائرة سيارة في منطقة الخسف آل مروان في محافظة الجوف (شمال شرق)، كانت متجهة إلى مأرب. فقتل أربعة أشخاص، من بينهم الطفل عبدالله ناصر العامري (14 عاماً) بالإضافة إلى إصابة ثلاثة أطفال آخرين كانوا في منزل مجاور، هم معيض عرفج (11 عاماً) وأختاه زينة (8 أعوام) وسعادة عرفج (6 أعوام).
يعلّق رئيس "المنظمة الوطنية لضحايا الطائرات من دون طيار" محمد القاولي على الحادثة قائلاً إن الأميركيّين "لا يعيرون أي أهميّة لحياة المواطنين اليمنيّين، خصوصاً الأبرياء منهم". وإذ يلفت القاولي إلى أن عدداً كبيراً من ضحايا تلك الطائرات هم أطفال أبرياء، يؤكد أن "الحكومة اليمنيّة حتى الآن لم تعوّض على الضحايا ولم تؤمّن لهم العلاج أو لم تعتذر حتى عن هذه الجرائم البشعة".
ويوضح ل "العربي الجديد" أن السيارة المشار إليها آنفاً والتي استُهدفت من قبل الطيران الأميركي "كانت قد قطعت مسافات طويلة من طريق الجوف مأرب، لكن الطيران الأميركي لم يستهدفها إلا عندما وصلت إلى منطقة مأهولة بالسكان المدنيّين. وهو الأمر الذي تسبّب بإصابة أطفال".
من جهته، يقول المنسق القانوني لمنظمة الكرامة في اليمن محمد الأحمدي إن "هجمات طائرات درونز بالإضافة إلى كونها جرائم إعدام خارج نطاق القانون"، تأتي كشكل من أشكال "العقاب الجماعي" ضدّ آلاف المدنيّين من رجال ونساء وأطفال يسكنون في المناطق المستهدفة. يضيف لـ"العربي الجديد" أن "هؤلاء يعيشون حالة رعب وقلق، في انتظار لحظة هجوم الطائرات التي تحلّق في سمائهم. فهم لا يعرفون متى تكون ولا هويّة الضحيّة المقبلة".
ويصف الأحمدي الطائرات من دون طيار ب "السلاح الأعمى" الذي لا يفرّق ما بين المجرم والمدني البريء، وهو ما يجعله لا يؤمن ب "شرعيّة هذه الوسائل في مواجهة عناصر تنظيم القاعدة".
وتزيد المخاطر التي قد يتعرّض لها الأطفال دون سواهم، عندما يحاول هؤلاء اللعب ببعض القنابل غير المنفجرة. وهو الأمر الذي يودي بحياة بعضهم ويتسبّب في إعاقات لآخرين. لكن الحكومة اليمنيّة لم تلجأ إلى أي إجراءات لإزالة المخاطر الناجمة عن مخلفات القصف.
فعندما استهدفت قرية المعجلة في محافظة أبين (جنوب) في 17 ديسمبر/كانون الأول 2009، راح ضحيّة القصف 41 من السكان المدنيّين، من بينهم 14 امرأة و21 طفلاً. وفي صباح 21 من الشهر نفسه، حضر المئات من أبناء القبائل لمعاينة آثار القصف وتقديم العزاء لأقارب الضحايا، فانفجرت قنبلة عنقوديّة من مخلفات القصف، ما أدّى إلى مقتل أربعة وإصابة 25 آخرين بجروح مختلفة، من بينهم أطفال.
وبعد عام من القصف، نقلت السيول بعضاً من المخلفات إلى منطقة المحرق على مسافة خمسة كيلومترات من المعجلة، فانفجرت في عدد من الأشخاص كانوا يجمعون عيدان شجرة الأراك (المسواك)، ما أدى إلى مقتل شخصَين وجرح أربعة آخرين.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، قتل سالم عاطف علي بسيول وجرحت زوجته وأطفاله الثلاثة في انفجار قنبلة من مخلفات القصف، كان قد جلبها الأطفال إلى المنزل من دون علم الأب، بحسب ما جاء في تقرير صادر عن منظمة الكرامة لحقوق الإنسان.
وفي السياق، يشكو بعض سكان منطقة المعجلة وجوارها من بعض الأمراض السرطانيّة منذ القصف الأميركي على القرية. وقد توفي في خلال السنوات الخمس الماضية، أربعة أشخاص من أبناء المنطقة على أقلّ تقدير، كان آخرهم الطفل منصر ناصر البعلة (عشرة أعوام) بعد إصابته بسرطان الدم.