منذ عام 1993 وأنا أنتقد سياسات الرئيس علي عبدالله صالح، وأنشر كتاباتي في الصحف اليمنية، ولا تواجهني أي مشكلة في النشر. ولكن عندما قررت التصعيد من انتقاد الرئيس إلى انتقاد حيتان الرئيس، تحولت في نظر هذه الحيتان إلى خائن وعميل انفصالي، وانشطاري، وقليل أدب.
لذلك فإنني دوماً أنصح الزملاء الصحفيين أن ينتقدوا الرئيس وأسلوب الرئيس، دون أن يتعرضوا للخطوط الحمراء المتمثلة في اللوزي والإرياني والأنسي والشاطر وبورجي، وإلى جانبهم محمد شاهر. ومن يعتقد أن الثوابت الوطنية هي الوحدة والجمهورية والثورة فهو مخطئ، لأن الثوابت التي يجب عدم التعرض لها، هي الفساد والاستبداد والإرهاب.
ومن السهل على أي صحفي أن ينتقد نجل الرئيس وابن شقيق الرئيس وحارس مزرعة الرئيس، ولكنه عندما تصل به الجرأة إلى درجة انتقاد وزير الإعلام أو وكيل وزارة الإعلام فهذا كفر؛ لأن الوزير قادر على جمع أعداد الصحيفة من الأسواق ومصادرتها، وقادر حتى على منع طباعة الصحف، فهو بالتالي خط أحمر لا يجوز التعرض له.
لهذا لا أطن أن نيابة الصحافة تحاكم صحيفة "المصدر" ومنير الماوري بسبب وصف الرئيس بأنه سلاح دمار شامل، لأن الوصف لا يحمل أي قلة أدل، ولكن السبب الحقيقي هو التصعيد في مقالات أخرى من انتقاد الرئيس إلى انتقاد من هم أخطر من الرئيس، وطبعاً هؤلاء هم الذين يسيئون للرئيس لأنهم يتعاملون معه وكأنه مجرد كرت يستخدمونه لمواجهة خصومهم، مثلما يستخدمون الوحدة شعاراً للدفاع عن الفساد، ويستخدمون رجال الأمن وسيلة للإرهاب، ويستخدمون الجيش وسيلة للدفاع عن الاستبداد.
ومشكلتنا نحن مع الرئيس ليست مشكلة مع شخصه، وإنما مشكلتنا مع أدواته، ولن أتحدث عن أدواته التي عفا عليها الزمن ولكنني سأضرب مثالاً واحداً في الجانب الإعلامي فقط عن طريق المقارنة بين شخصيتين إعلاميتين: الأول وزير الإعلام حسن أحمد اللوزي، الذي يدير الوزارة بالطريقة نفسها التي كان يديرها في السبعينات، ولم يعد يدرك أن هناك متغيرات كثيرة قد دخلت عالم الإعلام. وهناك شخص آخر اسمه اسمه عادل الأحمدي، شاب ناشئ لا أتفق معه في كثير من أرائه، ولكنه يذهلني في أسلوب طرحه لهذه الآراء، وطريقة دفاعه عن الوحدة اليمنية، ويذهلني أكثر عدم استعانة الرئيس به في معاركه الإستراتيجية.
الأول يدافع عن الوحدة اليمنية بمصادرة الصحف والتضييق على الآراء، والثاني يدافع عن الوحدة اليمنية بمهاجمة الفساد وانتقاد الأوضاع الخاطئة، ومد يد الأخوة لأبناء الجنوب لتحرير اليمن كل اليمن من الفساد والاستبداد. الأول يستخدم الميزانية الهائلة التي لديه في الإساءة للرئيس والوحدة والديمقراطية، والإساءة لسمعة اليمن بالخارج، ويستحق المحاكمة على ذلك. والثاني تمكن بميزانية لم تتجاوز 200 ألف ريال من تأليف كتاب عن الرئيس (يقصد الخيوط المنسية) أدى هذا الكتاب –دون أن يعلم مؤلفه- إلى إثارة غضب حيتان الرئيس، لأن الكتاب أظهر فشلهم، مثلما عرّاهم موقع "نشوان نيوز" في أسلوب الدفاع عن الوحدة اليمنية.
لو كان اللوزي واثقاً من أن الوحدة راسخة كرسوخ الجبال-يدّعي- لما صادر الصحف، لأن هذه الأوراق لا تستطيع أن تهز الجبال، ولكن لأن هذه الصحف تستهدف الفساد والممارسات السلبية المتجسدة في الكذب والخداع، فهي تروّج لثقافة الكراهية، ولا أدري هي يريد منا اللوزي أن نعتزل في حبه كي يصفنا بالوحدويين، نحن نكره فساده المتمثل في مصادرته لصحفنا وآراءنا، ونكره اليوم الذي ولدت فيه كل أدوات الفساد والإفساد؛ بل نحقد على الفاسدين ونفخر بحقدنا على أفعالهم. وبهذا المعنى فإن بلادنا لن ينقذها سوى الحاقدين، أما المتواطئين مع الفساد والمفسدين فإنهم يخدمون الانفصال والتشطير، ويخرجون عن ثوابت الوطن الحقيقية. وستؤدي أعمالهم إلى عودة الحياة لنائب الرئيس السابق علي سالم البيض في 21 مايو الجاري، يلي ذلك خطوة أخرى في 14 أكتوبر القادم، ثم إعلان تاريخي في 30 نوفمبر هذا العام، وعندها لن ينفع أي أسلوب من أساليب اللوزي القديمة في الدفاع عن الوحدة، وسيحتاج الوطن اليمني لإنقاذه من الانفصاليين في صنعاء قبل الانفصاليين في عدن.
كاتب ومحلل سياسي - واشنطن
صحيفة المصدر