يتكلم دولة د.عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية حيث ينبغي له الكلام، كلاماً مسئولاً يدل على تنبه مبكر لما قد ينجم عن تفاقم سوء الأوضاع. وهو بذلك لا يسجل موقفاً لمجرد التسجيل، إنما إيقاظاً للغافلين عن مبلغ التفاقم. وإذا في حديثه تفاءل، فبحذر. وإن حذَّر فبواقعية. أما حين يتوقع فوفق المعطيات الموضوعية، ثم يقول كلمته دون أن يمشي، وسواءٌ كان عدم مشيه كرهاً أو طوعاً.
ويفرِّق د. الإرياني، وهو الخبير بدهاليز السياسة، والمعاصر الفاعل في الواقع السياسي في اليمن بين الصداقة الشخصية، وبين المصلحة الوطنية: "لم يعد يجدي انتظارٌ فإننا برغم أنفينا معاً شرقٌ وغربُ". ويُميِّز بين ما يُراد، وما يتقرر مواءمةً لإمكانيات المطلوب وحاجيات الطالب فيستعيد قول الرئيس الصالح "تحت سقف الوحدة" ويضيف "طالب بما تريد وستعطى ما تستحق". إدراكاً بما يعتمل في نفوس العامة وعلماً بما تقدر -أو ما تريد أن تقدر- عليه النخبة. لذا يَبسُط القضايا بدون التفاف أو التواء على حقائق الوضع. ويضع ببراعة الجراح مبضعه ليبرأ الجرح الموروث!.
وفي حديثه الأخير، كثير الشجون، لصحيفة 26 سبتمبر والموجه لكل اليمنيين حكاماً ومحكومين، لم يفته عند الإشارة إلى "نعمة الوحدة"، أن يركز على دور الإعلام والتعليم في توعية جيل الوحدة بهذه النعمة، ولم يغفل الحديث المسئول عن الصمام الرئيسي لحماية الوحدة، وهو "ضمان المساواة أمام القانون وإشاعة العدالة" كشروط أساسية لتأمين الوحدة من الفصم، وليس الضمان "طول زمن الوحدة فيما يغيب صمام أمانها". إذ ليست مقياساً. ولا تبقى الوحدة ولا يبقى الوطن باستمرار أشخاص بعينهم إنما بالأجيال المتعاقبة والواعية لمسئوليتها تجاه وطنها.
واستذكر روح المفاوضات مع نظيره في خارجية الجنوب وقتها، وزميله هذه اللحظة في تقديم المشورة لرئيس الجمهورية، الأستاذ سالم صالح محمد، ومنطلقها من "الاعتراف بالآخر" بلوغاً للتعددية التي باتت أمراً اعتيادياً اليوم رغم تقدميتها على التجارب المجاورة لليمن الواحد. اليمن الواحد عامل الاستقرار والأمن في المنطقة.
ولأن حراكاً غريباً في بعض المديريات اليمنية الجنوبية يفرض نفسه على كل تناول سياسي، فقد استغرب تفرعات الحراك إلى عودة (السلاطين) و(الملاطين)، من بعد تحرك (الشلاَّطين)!. وهو يرى أن "العنف المحدود"، وإن تضخم بتأثير الصحافة والإعلام المتضادين، "لن يؤدي إلى تغيير واقع المجتمع وواقع الوحدة"، لكن الشكاوى العامة في كل محافظات اليمن من غربه إلى شرقه ومن جنوبه إلى شماله (وليست في الجنوب فقط) لن تنتهي ومن حق المواطن أن يشكو، لأن مكنون الحياة مسكون بهذه التفاعلات.
ومن مدخل (التهوين السياسي والتهويل الإعلامي) نَفَذ الزميل أحمد ناصر الشريف إلى التساؤل عن سلبيات الإعلام الرسمي، الذي غلّب الانفعال على الحقيقة. ليجيب الإرياني بثقة رجل الدولة بنفسه، أنه "لا يوافق على الضيق بالإعلام الحزبي"، وعلى الإعلام الرسمي أن يبلغ برده الموزون والحكيم والمنطقي مستوى المسئولية ولا ينجر إلى مهاترات غير مسئولة. وأشار المستشار، على الإعلام الرسمي أن يبرز الحقيقة ويعترف بالخطأ إن وُجِد لأن ذلك أقوى رد على أي افتراء. ومهمة الإعلام، وأيضاً الحوار السياسي، إطفاء نيران العنف بدلاً من "عرض الوحدة وكأنها في خطر". وإذا هبت (رياح العقل) على وسائل الإعلام فمن شأنها الدفع باستمرار ممارسة التجربة الديمقراطية والقبول بالآخر للارتقاء إلى مستوى المسئولية و.. الرشد.
ومن الإعلام إلى الدبلوماسية، استفز الشريف د.الإرياني بالسؤال عن ضعف الدبلوماسية اليمنية في أداء مهامها، ليدافع الإرياني عن إرثه الضخم، وينفي ذلك وأنها على عكس ما ورد في السؤال. ولا غرابة من سؤال سبتمبر هذا لأن الإعلام يفسد أحياناً، وأحياناً كثيرة، أجواء العلاقات الدبلوماسية، فتصلح الدبلوماسية ما يفسده الإعلام. وينطبق على آثار توتر العلاقات المزج بين القول الشهير وأغنية فيروز: الفضائل (كاسم المُحِبة) يُكتب على "رمل الطريق"، أما الرذائل (كاسم الحبيب) تُكتب على "الحور العتيق". وأداء الدبلوماسية اليمنية وفاعليتها الناضجة لا تُختزن في الذاكرة كاندفاع الطيش السياسي والإعلامي. لذا فمهمة الإعلام وأقلام الإعلام لا تقل في أهمية إعمال دورها عن أهمية دور الدبلوماسية بل يكون الإعلام –ويفترض- أن يكون هيئة دبلوماسية موازية تستميل ولا تستميت في الاستعداء! بعد (حديث سبتمبر)، هل يُصلِح الإعلام خطابه ويطوِّر أداءه؟
وبمروره على الحوار السياسي والتأجيل الانتخابي، وردت الخشية من (تعكيظ) الحوار وتعطيله وتأجيله بعد التضحية بتأجيل الانتخابات رغم عدم الرضا الدولي!. وبفهم واقعي ومنطق واضح شرّح مفاهيم الحكم المحلي الواسع والكامل الصلاحيات. ودعا كل أطراف المعادلة السياسية إلى تحمل مسئوليتهم الوطنية وإن تطلب زمناً طويلاً لإنجاز مهامهم التاريخية، والمؤمَّل ألا يبلغ الحال بساسة اليمن وحوارهم المرجو ما استشهد به الإرياني عن الوضع العربي: "لا حيٌ فيُرجى ولا ميتٌ فيُنعى"!.
• لطفي فؤاد أحمد نعمان
• [email protected]
• نشوان نيوز