يذكر القرآن الكريم أن من أهم أسباب سقوط حضارة أهل اليمن التي كانت تدين بالإسلام على مر العصور. هو أن الشيطان وسوس لبعضهم فكفروا بأنعم الله التي أهمها الوحدة كما هو واضح في الآيات التالية . حين طلبوا من الله أن يباعد بين أسفارهم.
قال عز من قائل في سورة (سبأ): ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ )). إلى قوله تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ))... ((فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ))..
وهكذا ظلم اليمنيون أنفسهم بأن دعوا ربهم بأن يفرقهم فجعلهم أحاديث لمن بعدهم وفرقهم كل تفريق. ومنذ ذلك اليوم وحتى اليوم ونحن ندور حول أنفسنا وقدمنا ملايين الشهداء في سبيل المجد والوحدة (تارة مؤمنين وتارة مشركين).
والقرآن الكريم لم يذكر بالتاريخ من باب توثيق القصص أو الاستعراض والإعجاز و ... وإنما من باب التحذير حتى لا يقع الناس فيما وقع فيه آباؤهم. ونستطيع القول إن ما يحدث اليوم يشبه ما حدث بالأمس، فأصحاب ما سمي "الحراك" الذين عانوا كغيرهم من اليمنيين من الفساد والإقصاء والتهميش وخرجوا لرفض الواقع التعيس لكنهم ضلوا الطريق ودعوا إلى ما يشبه دعوة "أصحاب السد" التي هي "باعد بين أسفارنا" فقالوا (أي أصحاب الحراك): "فك ارتباطنا".
والخلاصة أن اليمنيين تخلصوا في ستينيات القرن الماضي تدريجياً من التشطير والجهل ومخلفات الإمامة والاستعمار البغيض وإن أخطأوا وأفسدوا وتأخروا قليلاً فهذا لا يعني أبداً أنهم مضطرون للعودة إلى الوراء مهما كلف الثمن.. والدعوة إلى الثورة أسهل وأشرف وأنجح من الدعوة إلى التشطير بكل معنى الكلمة.. ولم تزل الأمور إلى اليوم في أيدينا ولم يقع "أصحاب الحراك" إلى اليوم في ما وقع فيه "أصحاب السد"، والدعوة إلى التشطير عيب ونكوص تاريخي ونقطة سوداء في تاريخ أهل اليمن قبل كل شيء وبغض النظر عما ستؤتيه ثمار هذه الدعوات..
ما نعيشه اليوم هو قصة مشابهة تدعونا للتأمل... قال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [يوسف : 111]..