آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الوحدة اليمنية.. بين الفتوى الدينية والعوامل السياسية!!

باعتقادي أن حشد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإصدار الفتاوى الدينية المؤكدة على فرضية ووجوب الوحدة اليمنية واعتبار الحفاظ عليها دين وواجب شرعي، باعتقادي أن مثل هذا الحديث والتوجه ليس صائباً ولا صحيحاً ولا ينطبق بشكل مباشر على ما يحدث هذه الأيام وما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية.

وخاصة تلك المتعلقة بالدعوات الانفصالية والموقف من الوحدة اليمنية باعتبار أن الوحدة في القرآن هي الرابطة الإيمانية والوحدة الإسلامية والاعتصام بالكتاب والسنة ونبذ الانقسام والفرقة، أما ما حدث في 22 مايو 1990م فقد كان وحدة سياسية بين شطري الوطن، وباتفاق سياسي وقرار قيادي تلبية لدواعٍ واقعية ورغبة في تحقيق المصلحة الوطنية والاستفادة من الظروف والمستجدات المرحلية.

ومع أن تحقيق الوحدة اليمنية يندرج في عموم النصوص الشرعية الداعية للوحدة والتوحد إلا أنها لم تكن فريضة دينية معينة ولا واجباً من الواجبات الشرعية المحددة، فالواجب في اللغة هو الحتم اللازم وفي الاصطلاح هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه مثل الصلاة والزكاة والصيام وبر الوالدين والإحسان بالجيران وغير ذلك مما يعاقب تاركه ويثاب فاعله وهذا لا ينطبق على الوحدة اليمنية التي تأتي في إطار المصالح المرسلة والمسائل المستحبة والمستحسنة من الناحية الشرعية والدينية والتكليفية.

بدليل أن لا أحد من العلماء أصدر قبل الوحدة فتوى بوجوب قيامها على الفور وبدون تراخي أو تأخير بل إن قيام الوحدة كان حدثاً مفاجئاً للجميع بما فيهم العلماء والدعاة الذين كانت لهم ملاحظات على دستور دولة الوحدة ويرون فيه مخالفة للإسلام لا يجوز إقامة الوحدة على أساسه بل ذهب الشيخ مقبل بن هادي الوادعي إلى القول ببطلان الوحدة لأنها مع الشيوعيين!!

واليوم ونحن ندعو للحفاظ على الوحدة ونرفض الانفصال أو فك الارتباط كما يقولون، فإننا مطالبون بالتزام العدل والانصاف والموضوعية وتغليب الجوانب الشرعية والمنهجية على النواحي العاطفية والوجدانية، والتعامل مع القضية بعيداً عن التهوين والتهويل وبدون تعسف للآيات ولي أعناقها والخطأ في الاستدلال بها ومن ذلك قوله تع إلى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) والأمر لجميع المسلمين بالاعتصام والتمسك بحبل الله الذي هو القرآن الكريم والسنة المطهرة.. وقوله (ولا تفرقوا) قال ابن كثير: أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها، أي كانوا على شفا دخول النار بسبب كفرهم، فأنفذهم الله أن هداهم للإيمان.

ونحن لا نستطيع تنزيل هذه الآية على ما يحدث اليوم، صحيح أن الداعين للانفصال والكارهين للوحدة على خطأ وباطل من الناحية السياسية والواقعية وحتى المصلحية إلا أنهم ليسوا على باطل من الناحية الشرعية والدينية وليسوا مخالفين للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، لأجل ذلك فالقول بأن الوحدة دين كما ورد في الفتوى الصادرة باسم علماء اليمن ووقع عليها أكثر من 80 عالماً أن هذا القول خاطئ، لأن اعتبار الوحدة ديناً، يعني وضع واعتبار الرافضين والكارهين لها رافضين وكارهين للدين، وهذا غير صحيح ولا واقعي لأن الداعين للانفصال أو الرافضين للوحدة لم يقولوا أنهم ضد الوحدة الإسلامية بل إن فيهم علماء ودعاة وطلاب علم وملتزمين ومتدينين يخافون الله عزوجل ويرجون ثوابه.

بل إنني أرى أن ما يصدر عن العلماء في مثل هذه المسألة باسم –بيان- وليس فتوى ونصيحة بضرورة الحفاظ على الوحدة والتحذير من الانفصال والفرقة، أما إذا قلنا إن الوحدة دين، جعلنا أصحاب الصلاح والإيمان والالتزام والتدين في خانة ضد الدين..

والأمر الذي يستحق الفتوى والحكم الشرعي القاطع هو الاعتداء على الناس والمواطنين لأنهم من محافظات ومناطق أخرى، كما حصل في مقتل بائع الحلويات القباطي واثنين من أبنائه واحد أقربائه مثل هذه الجريمة البشعة والمنكرة التي تتطلب من الجميع الوقوف ضدها والتصدي لها وعلى العلماء واجب بيان الحكم الشرعي بحرمة الدماء والأعراض والممتلكات والأموال، الأنفس، وقبل ذلك التحريض على الكراهية وبث وإشاعة الثقافة المناطقية والعصبية الجاهلية التي ظهرت في الفترة الأخيرة والمناوئة والداعية لطرد أبناء المحافظات الشمالية والغربية المقيمين في المحافظات الجنوبية والشرقية.

وعلى العلماء والدعاة في هذه المحافظات أن يقولوا كلمتهم ويعلنوا موقفهم من المناطقية والكراهية والتهديد والاعتداء والإساءة لإخوانهم بسبب انتمائهم المناطقي وبيان حرمة ذلك شرعاً وعقلاً وإنسانياً وتعايشاً، وأن السكوت على مثل هذه الأعمال أو التبرير لها أو الدفاع عنها لا يجوز شرعاً وعقلاً وواقعاً.

وإذا كان بعض الناس قد بدأ يتفهم لماذا تكرهون الوحدة وتطالبون بالانفصال فإن لا أحد يمكنه السكوت وتجاهل ما يحدث من بث لثقافة الكراهية والتحريض ضد (الشماليين الدحابشة) فإن هذا مما لا يرضاه الشرع ولا يقبله العقل حتى لو فرضنا أنكم (الجنوب العربي) وهؤلاء يمنيون وحتى لو افترضنا جدلاً أن الوحدة انتهت بحرب 94م.

بل حتى لو فرضنا أن الوحدة لم تقم أساساً وأن ما حدث كان ارتباطاً مؤقتاً وحان وقت فك هذا الارتباط مع كل هذا لا يوجد ما يبرر ظهور وبروز وانتشار العصبية المناطقية والنعرات الجاهلية والتي وصلت إلى العنف والقتل وسفك الدماء وإخافة وترويع الآمنين والمستأمنين والمعاهدين الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله.

زر الذهاب إلى الأعلى