اليمن يعاني أكثر من مشكلة سواء في الشمال أو في الجنوب, وأن الانقسام في اليمن سيكون بداية لانقسامات اخرى في مناطق اخرى في الجزيرة العربية.
الخوف والحذر الذي أبداه وزير خارجية اليمن د. أبو بكر القرني من تمزق اليمن, إثر الحرب الدائرة في مناطق صعدة في الشمال اليمني, خوف يُثير في نفوسنا خوفاً آخر على وحدة الأقطار العربية, التي تهددها مشاريع الانقسام كما هو حال السودان والعراق.
وإني اشاطر د. القرني ان تمزق أي بلد عربي, يمثل خسارة للامة العربية وليس لشعب ذاك البلد, اذ يكفي ما حصل للامة العربية من تمزق وانقسام اثر اتفاقية سايكس بيكو وما أعقبها من منح بريطانيا وعد بلفور لليهود.
إن الحرب السادسة في اليمن بين الجيش النظامي وبين جماعات الحوثيين في مناطق الشمال, التي مضى عليها قرابة أربعة أشهر, ما زالت مستمرة بشكل شرس, والخطورة فيها أنها:
1- حرب داخلية بين أبناء الشعب اليمني الواحد.
2- أنها حرب تدور في مناطق جبلية وعرة لا تصلح للقتال النظامي.
3- أن قوات الحوثي, ليست قوات عصابات تقليدية, بل انها صارت قوة لها ممكنات عسكرية وفنية وإعلامية. إذ تخوض قيادة الحوثيين حرباً إعلامية نشطة من خلال موقعها على الانترنت, وفي كثير من الحالات كانت تحرج النظام اليمني, لا سيما عندما تدعم اقوالها بالصور, وخاصة الصور التي تبرز السلاح المحروق أو المصادر من الجيش اليمني, أو تبرز قتلى مدنيين تدعي أنهم قتلوا على ايدي القوات اليمنية.
4- إن الحرب تدور في مناطق مأهولة بالسكان, وفي فصل الشتاء البارد, حيث يتعرض المواطنون اليمنيون في مناطق الشمال إلى التهجير خوفا من الحرب, أو بعد تدمير بيوتهم, وتبرز الصور مأساة الوف النازحين الذين يعيشون في الخيام من دون أدنى ممكنات الحياة اليومية, والأمّر من ذلك أن منظمات الإغاثة الأممية تشتكي من عدم تعاون السلطات اليمنية الرسمية لتقديم العون إلى النازحين. كما اشتكى عدد منهم امام شاشات التلفزة التي وصلتهم من قلة مستلزمات الحياة اليومية ولاسيما الاغطية في هذا الطقس البارد وعدم توفر المياه والطعام الكافي, ناهيك عن عدم توفر الدواء للمرضى في مثل هذه الايام التي تشهد انتشار مرض انفلونزا الخنازير.
5- تكرار التصريحات الحكومية بأن حسم الحرب بات قريبا في الميدان في حين تمتد المعركة إلى مناطق اوسع وتوقع المزيد من الخسائر, وهذا الواقع يؤثر على مصداقية الحكومة اليمنية واجهزة اعلامها, وتمنح قوات الحوثيين المزيد من المصداقية.
6- الحرب بين الجيش اليمني والحوثيين اخذت تمتد إلى خارج الحدود, ويبدو أن الحوثيين هم الذين يقودون مسار الحرب, حيث الكر والفر, واختيار ساحات القتال. فقبل أيام دخلت الحرب منعطفاً جديداً عندما تدخل الطيران السعودي في الحرب وقصف مواقع قيل أنها للحوثيين فوق جبال تفصل الحدود اليمنية - السعودية.
ماذا يعني توسيع ساحة الحرب, وخروجها عن دائرة السيطرة..?
1- الحوثيون الذين صمدوا أمام قوة الجيش اليمني طيلة الاشهر الماضية وما زالت لديهم القابلية الفنية للاستمرار وتطوير الحرب من حيث المكان والاسلوب. يعني أنهم يريدون اطالة امد الحرب تمهيدا لتدويلها وفرض واقع جديد على النظام اليمني.
2- اذا صح ان الحوثيين قد نقلوا ساحة المعركة من محافظة صعدة إلى الاراضي السعودية, فان هذا الانتشار القتالي دليل قوة وليس ضعف, كما أنه يؤشر مدى التقارب بين الحوثيين, وبين تنظيم القاعدة الذي أعلن اندماجه في السعودية واليمن, وصار تنظيماً في جزيرة العرب كلها. وقد ترافق هذا الاعلان مع مقتل ضابط سعودي كبير وعدد من مرافقيه في تلك المناطق الجنوبية من السعودية.
3- إن السعودية ما كانت لتقدم على عمل عسكري ضد الحوثيين إلا اذا تأكد لها من خلال الرصد الجوي والميداني, أن الحوثيين نقلوا مكان المعركة إلى الاراضي السعودية, وتؤكد المصادر العسكرية اليمنية والسعودية ان القصف الجوي للطائرات السعودية كان في الاراضي السعودية وليس في الاراضي اليمنية. وأن مثل هذا العمل يدخل في اطار الدفاع عن السيادة الوطنية للسعودية.
ومن الواضح أن الحكومة اليمنية راضية عما قامت به الطائرات السعودية سواء كان في الاراضي السعودية أو على الحدود المشتركة معها. لأن البلدين يستهدفان عدواً مشتركاً.
4- إن التطور الخطير الذي يُنذر بتحول الحرب من كونها تمرداً داخلياً إلى حرب إقليمية, هو بعد إعلان الحكومة اليمنية أن إيران تدعم الحوثيين وأن لديها وثائق وأدلة على هذا الدعم, سيتم الاعلان عنها في الوقت الذي تراه الحكومة مناسبا. كما أن نشاط تنظيم القاعدة واعلانه وحدة التنظيم في الجزيرة العربية, يعني ان المنطقة كلها مرشحة للفوضى والعنف والارهاب. وقد يتكرر المشهد الذي حصل في العراق عندما سيطر تنظيم القاعدة على مناطق غرب العراق, واعلان دولة العراق الاسلامية, قد يتكرر في دول الجزيرة العربية, ومن هنا فإن دول المنطقة باتت معنية بما يجري في اليمن.
5- إن خطوة الحوثيين بتوسيع رقعة المعركة, باتجاه الشمال والغرب, هو بهدف فتح طرق مواصلات يكمن للوصول إلى البحر, لضمان وصول الامدادات البحرية من أي مكان في العالم. وهذا الأمر يعني وجود مخطط خطير يُفضي فيما بعد إلى اعلان دولة منفصلة في شمال اليمن, يكون لها امتدادات مستقبلية في مناطق السعودية الجنوبية.
إن الحروب الاهلية حروب خاسرة في كل الحالات, وما من حرب اهلية نشبت في أي بلد في العالم إلا وانتهت باتفاق سياسي, الحرب في ايرلندا انتهت باتفاق سياسي, والحرب في جنوب السودان انتهت باتفاق سياسي, والحروب في بلدان افريقيا انتهت بواسطات دولية واتفاقات سياسية.
والحرب الاهلية في أي بلد عربي سببه إما لدوافع قومية أو طائفية كما حدث في العراق, والحرب السادسة في اليمن هي صراع على السلطة, وليس صراعاً دينياً أو عرقياً أو طائفياً بالمعنى الضيق.
الحوثيون إما يريدون إقامة نظام سبق أن انتهى في اليمن, أي انهم يريدون العودة إلى الوراء, ورغم ذلك فإنهم مواطنون يمنيون لهم طموحاتهم في عيش كريم. وما نشاهده في مناطق الشمال اليمني يؤشر الفقر والتخلف من حيث وجود البنى التحتية. وهذا يستلزم العدل والمساواة بين المناطق, فلا يجوز منح مناطق بعينها مستلزمات الحياة الحرة الكريمة, وحرمان مناطق أخرى من هذه المستلزمات.
إن اليمن يعاني أكثر من مشكلة سواء في الشمال أو في الجنوب, إذ تنذر الأحداث في اليمن, بمستقبل لا يسر الصديق, ولا يعود على اليمنيين بالخير, وأن الانقسام في اليمن سيكون بداية انقسامات اخرى في مناطق اخرى في الجزيرة العربية.
ورغم أن ما يحدث في اليمن أو السودان أو العراق أو لبنان أو فلسطين شأن داخلي, إلا أن هذه الاحداث تُعد شأناً عربياً يؤثر على الامة العربية ويفتح الباب واسعا أمام تدخلات خارجية. فمن واجب جامعة الدول العربية أن تتدخل في ضؤ ميثاقها وفي ضوء تجارب الماضي.
صحيح أن الجامعة العربية أخذت على نفسها التدخل عندما يقع عدوان خارجي على بلد عربي, إلا أن الحروب والفتن الداخلية تدخل في إطار القانون الدولي الانساني, الذي يرعى المدنيين والمحاربين على حد سواء عندما لا يملكون السلاح ولا يدخلون في أتون المعارك المسلحة.
إن الجامعة العربية معنية بتطبيق حقوق الانسان عندما تنشب حروب داخلية أو فتن داخلية, لأن هذه الحروب وهذه التمردات إنما تؤشر سلباً على المدنيين وتؤخر تقدمهم ونهضتهم.
ولا بد من القول بأن التمردات والحروب الداخلية لها دوافع وأسباب داخلية علاوة على الدوافع الخارجية, فغياب العدالة والمساواة سبب ودافع لهذه الحروب والتمردات, كما أن الجوع والجهل والفقر وغياب الحرية والديمقراطية أسباب جوهرية في تمرد القوى القومية أو الدينية أو الطائفية بهدف نيل حقوقها, وفي معظم الحالات تقود مثل هذه التمردات إلى حالات من الانفصال كما حصل في تيمور الشرقية في اندونيسيا وفي كوسوفو التي انفصلت عن صربيا.
وما يجري في اليمن شأن داخلي يرضي الأطراف الذين لا يريدون التدخل الايجابي, ولكنه شأن عربي ولا بد من مبادرات وجهود دبلوماسية تنقذ اليمن مما يعاني وتجنبه مخاطر الانقسام والتفتيت.