آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

العواقب الإنسانية لحرب اليمن

الأزمة الإنسانية التي تكشفت في اليمن نتيجة النزاع بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين في شمال البلاد تحتاج إلى الاهتمام الفوري. ففي هذه الدولة المركبة والعشائرية حيث يقال إن عدد الأسلحة فيها يضاهي ضعف عدد السكان..

فإن إمكان زيادة عدم الاستقرار كبير جداً، ومع ذلك فإن العواقب الإنسانية لهذه الأزمة لقيت اهتماماً بسيطاً جداً من المجتمع الدولي وليس ذلك منذ بدء الجولة الأخيرة من القتال في آب (أغسطس) فحسب ولكن منذ سنوات عدة.

من ناحية الأرقام، تبدو الأزمة طارئة نسبياً وصغيرة الحجم، فقد اظهرت تقديرات الأمم المتحدة ان حو إلى 175 ألف شخص نزحوا حتى الآن بسبب الجولات المتعاقبة للقتال منذ 2004.

ولكن القتال نفسه ترك آثاراً كبيرة في المدنيين. فالنزوح يتزايد ووضع العديد من المتأثرين بالنزاع يتدهور في شكل مستمر ومثير للقلق. فغالبية النازحين هم من النساء والأطفال. وقد اضطروا في معظم الأحيان للمشي لأيام عدة عبر طرق جبلية وعرة من أجل الوصول إلى أماكن آمنة. وحتى في هذه الحالات، لا تزال الظروف قاسية عليهم، فهؤلاء السكان الجبليون غير معتادين على المناخ الحار، كما أن معظمهم انتقل إلى مناطق حيث البنية التحتية الأساسية ضعيفة للغاية بما فيها شح المياه.

أما الذين علقوا في مناطق النزاع وخصوصاً في محافظة صعدة، فما زالوا بعيدين من اهتمام المجتمع الدولي وعمال الإغاثة الذين يحاولون الوصول إليهم. وما نعرفه عن وضعهم مروع للغاية حيث يعاني هؤلاء من نقص الغذاء واليأس. وإضافة إلى التهديد الدائم بالعنف، يواجه المدنيون والنازحون عن هذه المناطق أسعار غذاء ووقود متزايدة وفرصاً متناقصة للحصول على الرعاية الصحية الأساسية بسبب تفكك النظام الصحي.

كان سكان هذه المنطقة يعيشون في ظروف فقر شديد قبل جولة القتال هذه السنة. وفي اليمن ككل، ادت الأزمات المالية والغذائية الأخيرة والتغير المناخي إلى نتائج وخيمة. فاليمني يستورد 80 في المئة من حاجاته الغذائية. ومع هبوط التحويلات المالية من المغتربين اليمنيين وتضاؤل الاحتياطات النفطية، لم يبق للعديد من الأشخاص أي شيء لمقاومة الصدمات الجديدة. وتزيد حالة عدم الاستقرار الحالية من حدة هذه الضغوطات وتهدد بفقدان أية مكاسب تنموية تم تحقيقها في الأعوام الأخيرة.

في ضوء كل هذه المخاطر الكبيرة لا يمكننا اضاعة المزيد من الوقت. وهناك منطقتان في حاجة للعمل العاجل:

أولاً، نحن في حاجة للوصول إلى الأشخاص المحتاجين للمساعدة. فبينما استطاعت وكالات الإغاثة مد نطاق خدماتها من خلال الشراكات المحلية لحو إلى 50 في المئة من السكان المهجرين، فإن انعدام الأمن والهجمات على قوافل الإغاثة تستمر في إعاقة مرور وتوزيع المواد الإغاثية في مناطق عدة.

كل الأطراف عليها التزامات بما يتفق مع القانون الإنساني الدولي لمنع مثل هذه الهجمات. وبالطريقة نفسها، يجب احترام حق المدنيين في مغادرة المناطق غير الآمنة. وفي ظل غياب وقف إطلاق نار مقبول، نحن في حاجة على الأقل إلى هدنة إنسانية للسماح للمساعدات وعمال الإغاثة بالدخول والخروج. وتحتاج الحكومة المركزية للقيام بالمزيد لحل القضايا المحلية في بعض المحافظات المحيطة بمركز النزاع في صعدة.

ثانياً، بينما يجب على المجتمع الدولي أن يحافظ على تركيزه لتنمية اليمن والعمل على إيجاد حلول طويلة المدى للفقر المدقع الذي يشكل أساساً لهذه الأزمة، يجب أن يتوافر للمجتمع الإنساني المزيد من التمويل للاستجابة للحاجات المتزايدة في اليمن. في 1 كانون الأول (ديسمبر) تم إطلاق مناشدة لجمع 177 مليون دولار أميركي لتغطية نشاطات إغاثية أساسية في اليمن خلال عام 2010. وآمل بشكل خاص أن يستجيب جيران اليمن لهذه المناشدة.

سيتطلب الأمر جهوداً مشتركة لكل الأطراف المتعلقة بالموضوع لمساعدة المدنيين العالقين في القتال، وتجنب المزيد من تدهور الوضع.

* وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة

زر الذهاب إلى الأعلى