منذ هروب أسامة بن لادن، زعيم «القاعدة»، من مغارات تورا بورا بعد القصف الأميركي الأول لأفغانستان بعد هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، والإشاعات تقول إن الرجل ينوي الاختباء في اليمن..
وبعد ثماني سنين اتضح أن طريقه إلى اليمن ظل مسدودا، والأرض اليمنية استخدمها الأميركيون مصيدة سهلة لرجاله. اليوم تبدلت الظروف اليمنية بما قد يسهل عليه الانتقال من مخبئه، سواء كان في أفغانستان أو باكستان، أو كما يشاع أنه في إيران حيث يوجد ابنه سعد. السبب في الأزمة المثلثة التي تأكل اليمن، وأضلاعها الحوثيون و«القاعدة» والانفصاليون الجنوبيون.
وحتى لو لم ينتقل بن لادن للعيش في اليمن فإن مقاتليه هاجروا إليه، وهم من جنسيات مختلفة، هاربين من وزيرستان والعراق والسعودية والجزائر. ويبدو المنظر في الأفق كأنها المعركة الأخيرة، أو قد تكون بداية مرحلة جديدة من حرب جديدة في المنطقة عنوانها اليمن.
بعد تجاربها في العراق وأفغانستان وباكستان، اليمن محطة مهمة للقاعدة لأنها تعيدها إلى نقطة البداية. من هنا سعت إلى توجيه ضرباتها باتجاه الداخل السعودي، وخاضت حربا شرسة هناك انتهت بهزيمة ثقيلة. تلك الهزيمة دفعت «القاعدة» إلى العراق، ثم العودة مرة ثانية إلى باكستان، حيث تدور معارك شبه مضمونة الهزيمة للقاعدة وحلفائها. فباكستان رغم ملامح الفوضى، توجد فيها سلطة مركزية مهيمنة تتمثل في جيش قادر على العودة إلى الشوارع والإمساك من جديد بكل أركان الحياة.
لكن الذي يقلقنا أكثر هو اليمن لأنه يعاني بالفعل من مشاكل خطيرة نجمت عن تكالب الحوثيين و«القاعدة» والانفصاليين. ومهما كانت الآراء ناقدة للكيفية التي تدير بها السلطات المركزية صنعاء للحياة السياسية، فإن إعطاء الإشارات الخاطئة بالتخلي عن صنعاء سيهدد البلاد. والذي أعنيه أن التخلي عن صنعاء حتى لو كان ذلك كلاميا في وقت يتوافد فيه مئات من المقاتلين من «القاعدة» من أنحاء المنطقة للعمل في اليمن، وتستمر المعارك العسكرية في الشمال مع الحوثيين، وتتزايد نشاطات الانفصاليين الدعائية والميدانية في الجنوب، سيقرأ بشكل خاطئ تماما في الداخل اليمني. والقراءة الخاطئة في المنطقة من قبل الفرقاء عادة تتسبب في كوارث كثيرة، كما حدث عندما قرر صدام حسين غزو الكويت، اعتقادا منه أن الأمر لن يواجه بالقوة العسكرية دوليا.
«القاعدة» شاهدت الدخان يتصاعد من معارك الحوثيين وقررت نقل ثقلها إلى اليمن. فاليمن أهم كثيرا من الصومال، ودخولها على خط الفوضى سيساعد الأطراف اليمنية المعارضة على إرهاق السلطة المركزية بالحروب، وإضعاف السلطات اليمنية يهدد بالتالي الأطراف الخارجية المعنية بأمن واستقرار اليمن.
إن مبدأ التحالف عند القاعدة مع الأطراف الأخرى، حتى لو كانت عدواً لها، مثل الحوثيين أو الانفصاليين، أو البعثيين في العراق، أو المتطرفين الشيعة في إيران، أمر لا يزعج قيادة «القاعدة»، حيث أصبحت أكثر براغماتية في التعامل ضد العدو الرئيسي، الولايات المتحدة، أو الأنظمة الأخرى في المنطقة. غدا سأناقش جانبا مكملا عن اليمن واللعبة الحوثية.