كانت جماعة الإخوان المسلمين تحلم طوال سنوات حكم الرئيس مبارك، بأن تعقد علاقة مباشرة معه، حتى تستطيع أن تحمى نفسها، وأن تحصل على قناة اتصال آمنة لتحافظ على بقائها، وقد مشت الجماعة عدة خطوات لبناء هذه العلاقة وللحصول على هذه القناة.
من المعروف أن الرئيس المصرى محمد أنور السادات، كان قد التقى سراً مع قادة الجماعة في الشهور الأولى لتوليه منصب الرئيس عقب وفاة جمال عبدالناصر في 28 ستمبر 1970، لمناقشة عودة قيادات الإخوان الموجودين خارج مصر، للتحالف معهم ضد معارضيه من الناصريين واليساريين، وقد بدا التحالف واضحاً للغاية عندما ظهر للمرة الأولى والأخيرة مرشد للإخوان بجوار الرئيس وفى حفل أذاعه التليفزيون المصرى وعلى الهواء مباشرةً، فقد ألقى الرئيس السادات خطاباً مرتجلاً شعر معه عمر التلمسانى الذى كان يشغل موقع المرشد العام للجماعة بالحرج خاصة أن بعض المقولات التى طرحها الرئيس كان يقصد بها الإخوان، فطلب التلمسانى الرد.
أما الرئيس مبارك فقد احتفظ بمسافة واضحة بعيداً عن الإخوان، ولكنه سمح لهم بالعمل السياسى، دون غطاء قانونى، ورفض التقارير الأمنية التى صنفت الجماعة في صف المعارضين للنظام وأصحاب الأساليب الانقلابية، ولكن الرئيس لم يقتنع إلا بعد اكتشاف أجهزة الأمن أن الإخوان يحاولون اختراق معلومات الأجهزة الأمنية، وهى القضية الشهيرة باسم قضية "سلسبيل" والتى كشفت أيضاً عن وجود خطة لدى الإخوان مكتوبة بخط خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد العام باسم خطة التمكين وتهدف إلى السيطرة على مؤسسات الدولة للاستيلاء على الحكم في النهاية وإسقاط النظام.
وقد شعرت قيادات الإخوان بالانزعاج الشديد، فذهب عصام العريان وأحمد سيف الإسلام فور اكتشاف قضية سلسبيل التى تزامنت مع استيلاء الإخوان على مجالس إدارات النقابات المهنية في مصر، وطلبوا مقابلة مصطفى الفقى الذى كان يشغل وقتها– 1990– منصب سكرتير الرئيس للمعلومات، لطمأنة النظام المصرى، في مواجهة الدعاوى التى انطلقت ساعتها للتخويف من الإخوان، وأراد العريان وسيف الإسلام من الفقى أن ينقل رسالة من الإخوان فحواها رغبة الإخوان في أن يطمئن الرئيس إلى ولائهم له. ولم تسفر المقابلة عن نتائج إيجابية فدخلت قيادات الإخوان بعدها السجن بعد محاكمة عسكرية، ليدخل الإخوان في نفق مظلم طوال العقد الثانى من حكم الرئيس مبارك.
تقول مصادر بالحزب الوطنى الحاكم إن الرئيس مبارك كان قد قرر العصف بالإخوان لولا تعرض النظام لضربات قوية من جماعتى الجهاد والجماعة، وحينها حاول النظام استخدام الإخوان كتيار أقل تشدداً في مواجهتهما، فسمح لهم بالعودة إلى العمل الدعوى لجذب شرائح الشباب المسلم التى يمكن أن تنخرط في صفوف الجماعات المتشددة، وقد بدت مظاهر انضمام الإخوان إلى تحالف القوى السياسية ومنها الإخوان ضد هذه الجماعات في تكفير الجماعة الإسلامية للإخوان المسلمين، واتهامها لهم بالتعاون مع الطاغوت.
وتقول المصادر إن بوادر هذا التحالف بدت في حصول الإخوان على 48 مقعداً برلمانياً في انتخابات البرلمان المصرى سنة 1987 وعندما بدا في الأفق أن النظام المصرى في طريقه لاحتثاث الجماعات المتشددة تراجع تمثيل الإخوان في البرلمان، فحصلوا على أقل من خمسة مقاعد في برلمان سنة 1990 و1995 ثم حصلوا على 17 مقعداً في 2000 وتصاعد نصيبهم إلى 88 مقعداً لظروف تخص صراع النظام المصرى مع الأمريكان فيما يتعلق بمشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذى أراد الرئيس الأمريكى جورج بوش فرضه على المنطقة في 2004.
وتقول المصادر إن مفهوم الرسائل المتبادلة بين الرئيس والجماعة صحيح، ولكن بطريقة لا يمكن أن تؤدى إلى خسائر للنظام الذى يخسر كثيراً إذا اعترف بالإخوان سياسياً أو قانونياً في مرحلة سابقة، والرئيس كان يكتفى، بالرد على مقولاتهم دون أن يسميهم، ثم اعترف النظام بالإخوان سياسياً مع تجديد الحزب الوطنى من خلال ما يسمى بمجموعة الإصلاحيين في الحزب الذين يتزعمهم جمال مبارك نجل الرئيس، خاصة أن المجموعة أرادت تكوين حزب على غرار الأحزاب الأوروبية، فكانت جماعة الإخوان هى الخصم السياسى الذى يمكن أن يدفع بالدماء السياسية إلى الحزب الذى ورث تكلس الاتحاد الاشتراكى التنظيم الواحد الذى كان يحكم مصر خلال السنوات الأخيرة للرئيس جمال عبدالناصر والسنوات الأولى في حكم الرئيس السادات.
وتقول المصادر إن تضمين الرئيس لجمل في خطاباته هى رسائل سياسية ليس للإخوان فقط، ولكن لمؤسسات الدولة وللبيروقراطية المصرية حتى تتعرف على الطريقة التى يريدها الرئيس في التعامل مع الإخوان أو غيرهم، وتقول المصادر إن الإخوان عرفوا أن النظام المصرى لن يسمح بأن يستقبل أى من مسؤوليهم أحد قيادات الإخوان حتى لا تفهم قوى سياسية أخرى في مصر والخارج أن هناك إمكانية للإخوان في الوجود الشرعى في المستقبل، فيزيد هذا من قوة وتأثير الإخوان على المستوى المصرى والدولى، ولهذا اعتاد مرشدو الجماعة وكبار مسؤوليها أن يدلوا بأحاديث صحفية عقب الخطابات التى يلقيها الرئيس، حتى يصنعوا حواراً من نوع ما بينهم وبين الرئيس.
كان الرئيس قد ألقى خطاباً سياسياً في عيد الشرطة المصرية قال فيه "إن أمن مصر القومى بمفهومه الشامل هو مسؤوليتى الأولى لا أسمح حياله بأى تهاون أو تفريط، ولا أقبل فيما يتعلق به أنصاف الحلول"، مشيرا إلى أن مصر "تعيش في عالم مضطرب ومنطقة صعبة تزيد فيها مخاطر الإرهاب والتطرف وتتسع دائرة الفكر السلفى وجماعاته والدعاوى المغلوطة لتكفير المجتمعات والمحاولات المستمرة لترويع الآمنين والإخلال بالسلام الاجتماعى وزعزعة الاستقرار".
ثم سارع محمد بديع المرشد العام للجماعة للإدلاء بحوار لوكالة رويتر للأنباء، حذر فيه "من عودة الإرهاب من جديد في البلاد إذا واصلت الحكومة حملة تشنها على "الإسلام الوسطى". وقال إن من يتبنون الإسلام الوسطي في البلاد ليس هم الإخوان فحسب، وأن على رأسهم مؤسسات الأزهر التي قال إن الإخوان مستعدون أن يكونوا جنودا لها في نشر "هذا المفهوم الصحيح للإسلام"، ثم خص بديع الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم في مصر بجزء من رسالته فقال إنه يتحمل مسؤولية عن المناخ الذي يمنع بروز التيار الوسطى. وقال: "الحزب الآن يستأثر بالقرار ولا يشرك معه أحدا ولا يستمع لنصائح أحد. فإذا ما سدت القنوات يصبح هذا المكان الذي نعيش فيه مصر غرفة مليئة بالغاز".
وهذا الحوار الذى تم فسره خبراء سياسيون بأن الجماعة كانت تريد بالفعل أن تقنع الرئيس وقيادات في الحزب بأهميتها في معركة النظام ضد الجماعات المتشددة خاصة أن الحوار سبقه الإفراج عن عشرات من كوادر الجماعة الموجودة رهن الاعتقال.