آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اليمن الحزين.. ومشاكله ومؤتمر لندن

اليمن قديماً كان أرض الجنتين وموطن الحضارات وكان اليمن السعيد. أما الآن فالحضارة في المتاحف، والجنتان آثار وتاريخ، والسعادة أمل يبحث عنه اليمنيون. فاليمن يشهد ثلاث مشاكل معقدة كلها أعقد من غيرها.

فتوجد مشكلة «التمرد الحوثي» في الشمال اليمني، وفي الجنوب ما يُسمى «الحراك الجنوبي» وفي الوسط «القاعدة»، وما أدراك ما خطر «القاعدة». ثلاث مشاكل، لو في دولة مشكلة واحدة منها، لأعلنت حال الطوارئ القصوى ولنزل الجيش في كل شارع وحارة.

لكن بعض أهل اليمن يقولون إنه لولا الفساد الذي استشرى في البلاد ما ظهرت تلك المشاكل واستفحلت، وهذا ما يجعل المشاكل المعقدة أربعاً وليس ثلاثاً.

فمشكلة الحراك الجنوبي قديمة من الستينات، عندما استقل اليمن ونشأت دولتان: جنوبية شيوعية وشمالية، ثم مع العام 1994، وبعد حرب طاحنة توحد اليمن وتحقق حلم اليمنيين، فما الذي جعل الجنوب يتذمر؟ الاجابة تقول: الفساد السياسي والاقتصادي وحرمان الجنوبيين من تقلد الوظائف العليا. والسؤال الثاني: هل هذه مشكلة تستدعي ما يحدث أم أنه يوجد من يحرك الخيوط من الخارج؟

نقف عند هذا السؤال لننتقل للمشكلة الثانية، وهي مشكلة التمرد الحوثي، وهي مشكلة تنامت حتى وصلت إلى تجاوز الحدود اليمنية إلى السعودية، وهو ما استدعى تدخلاً عسكرياً سعودياً.

والعجيب في مشكلة الحوثيين أنها كلما هدأت تجددت، لكن في المرة الأخيرة لم تهدأ، وقد اتفقت الحكومة اليمنية مع السعودية على وجود أيدٍ خارجية تحرك التمرد الحوثي وتدعمه.

أما المشكلة الثالثة فهي، كما يقولون «ثالثة الأثافي»، تنظيم «القاعدة» وظهوره بشكل قوي وكبير وغير متوقع من تنظيم كان المرجح أنه في مرحلة تآكل.

التاريخ يقول إن «القاعدة» مرتبطة باليمن كارتباط بن لادن بأصوله اليمنية، لذلك كانت عملية ضرب المدمرة كول في أكتوبر 2000 في خليج عدن بمثابة تدشين لقوة القاعدة قبل 11 سبتمبر، لكن رغم وجود «القاعدة» في اليمن وقيامها بعمليات مختلفة فإن اهتمام أميركا وبريطانيا باليمن كان متوقفاً على التنسيق الأمني فقط، ولكن عملية طائرة ديترويت التي قبض فيها على نيجيري كان يعتزم تفجير الطائرة، وقيل إنه تلقى تدريبه في اليمن، أدت إلى تغيير الاهتمام الأميركي - البريطاني، فأعلن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون عن مؤتمر لندن من أجل اليمن، والذي انعقد في 27 يناير الماضي، وهو ما أثار الشعب اليمني من تدخل أجنبي، ووصلت الإثارة إلى ذروتها بإعلان علماء اليمن الجهاد إذا ما تدخلت قوى أجنبية في اليمن.

لكن الولايات المتحدة عازمة على التدخل في اليمن، حسب ما أعلنه مسؤولون في الإدارة الأميركية من أنهم يبحثون في مد صلاحيات البنتاغون لمساعدة بلدان مهددة من «القاعدة»، كاليمن والصومال (كما جاء في صحيفة «الشرق الأوسط» في 20 يناير الماضي).

الشاهد أن اليمن مرشح بقوة لحال صوملة أو عرقنة أو أفغنة، والولايات المتحدة تخطط للتدخل في اليمن لحسم نصر سريع ضد «القاعدة» لتغطية الإخفاقات في أفغانستان، ولكن الأميركيين يفكرون بتريث في كيفية التدخل، وقد التقطوا إشارة علماء اليمن، فعلى الأرجح أنهم سيدعمون الحكومة اليمنية بالخبرات والسلاح وكل أنواع الدعم المنظور وغير المنظور.

ويبقى أن البعض يتساءل: لماذا ترك الغرب الحراك الجنوبي والحوثيين يتحركون بحرية في تمزيق اليمن، ولم يتدخلوا لمساعدة الحكومة اليمنية «التي ساعدتهم كثيراً» إلا عندما وصل الخطر فقط إليهم في ديارهم عن طريق طائرة ديترويت؟ الإجابة تقول: إنها الفوضى الخلاقة من أجل تفتيت كل وحدة وإضعاف كل قوة في الوطن العربي.

وأخيراً كان الله في عون الشعب اليمني الحزين وأعانه على القضاء على مشاكله وأولها وليس آخرها - كما يقول اليمنيون - الفساد.

زر الذهاب إلى الأعلى