آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الإتحاد العربي

قال المسؤول إن الصيغة الحالية لجامعة الدول العربية تخطاها الوقت. لم تتمكن من جبه التحديات المتكاثرة. لم تستطع بلورة إرادة عربية جامعة حتى حول الحد الأدنى الضروري. الأرض العربية تحولت ملعباً لمبارزات بين سياسات غير عربية. موقع العرب في الإقليم سجل تراجعاً غير مسبوق.

إيران تتصرف كدولة كبرى في الإقليم. لا يدوم وقف النار في غزة ان لم توافق عليه. لا يحظى لبنان بالاستقرار من دون استئذانها ولا تتشكل حكومته من دون مباركتها. دورها في العراق يوحي أنها تسللت فعلاً إلى نسيجه. خير دليل أن الرئيس جلال طالباني اعتبر زيارة طهران أكثر جدوى من المشاركة في قمة سرت. هذا من دون أن ننسى أن «يوم القدس» نفسه صار مناسبة إيرانية بامتياز.

ورأى المسؤول في التضخم المفاجئ للدور التركي دليلاً إضافياً على انحسار الدور العربي، وإن وضع ذلك تحت لافتة الرغبة في احداث توازن في مواجهة الصعود الإيراني. لاحظ أن ملاسنة بين رجب طيب أردوغان وشمعون بيريز رفعت شعبية الأول على الأرض العربية.

الوضع العربي الحالي لا يطاق. قال. لا يمكن أن يستمر. حان الوقت للقيام بنقلة نوعية. على العرب التفكير جدياً في إقامة الاتحاد العربي. أنظر إلى أوروبا كيف طوت فصول النزاعات والخلافات والتقت على قاعدة المصالح والبحث عن المستقبل. على قاعدة ترسيخ الاستقرار وتأكيد الازدهار. نحن ماذا ينقصنا كعرب؟

فاجأني السؤال. ماذا ينقصنا؟ سكت للحظات. لا أريد إغراق الحوار في التحليل؟ كأن أقول تنقصنا الثورة الفرنسية والثورة الصناعية وفصل الكنيسة عن الدولة وما أبدعه عصر التنوير في الفلسفة والأدب والموسيقى. والحق في التساؤل. وفكرة المؤسسات. والصحافة الحرة. والعناوين التي لا تطبخ في وزارة الإعلام أو دائرة الاستخبارات. وحكم القانون. والقضاء المستقل. والدستور. والاحتكام إلى الرأي العام. واحترام ارادة المجتمع المدني.

راودتني أفكار خبيثة. هل يستطيع نيكولا ساركوزي مثلاً أن يحشد الجيش الفرنسي على حدود ألمانيا بسبب تلاسن بينه وبين السيدة المستشارة؟ وهل يستطيع سيلفيو برلوسكوني زعزعة الأمن في باريس رداً على سوء تفاهم مع سيد الأليزيه؟ وهل تتعطل العلاقات التجارية والثقافية بين دولتين أوروبيتين بسبب فقدان الود بين رئيسيهما؟ وهل تجرؤ ألمانيا مثلاً على التدخل في تشكيل الحكومة النمسوية على غرار ما تفعل إيران حالياً في شأن الحكومة العراقية؟

خشيت أن تقر قمة سرت فكرة انشاء اتحاد عربي. مَن سيرأسه؟ وأين المقر؟ ومَن يتولى الشؤون الخارجية؟ وكيف سننظم رقصة تداول المواقع؟ والانشقاقات؟ والانهيارات؟ إن خطوة من هذا النوع ستغرقنا في نزاعات تنسينا مصير القدس وفلسطين ووحش الاستيطان فضلاً عن تحديات أخرى كثيرة.

أغلب الظن أننا نطالب مجتمعاتنا ودولنا بما لا طاقة لها على تقديمه. إننا نقيم في حقبة أخرى. نحتاج إلى مدارس فعلية. وجامعات جدية. وشبكات طرق. ومياه صالحة للشرب. و إلى لقاحات ضد أوبئة التعصب والتسلط ورفض الآخر. وبعد ذلك يمكن البحث عن الاتحاد العربي اقتداء بأفريقيا قبل أوروبا.

زر الذهاب إلى الأعلى