في الوقت الذي التأم فيه مؤتمر العمالة اليمنية ومتطلبات سوق العمل الخليجي -الذي نظمه مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية في العاصمة اليمنية صنعاء مؤخراً؛ كان الرئيس اليمني يحاضر في كلية الشرطة عن الأوضاع العامة في اليمن. ومما قاله: "أيها الوحدويون في القرى والمحافظات.. احذروا دعاة الانفصال، لقد رفعوا الشعارات عدة أشهر عندما كنا مشغولين في صعدة، هؤلاء «الفئران» خونة الوحدة! أين هم الآن؟ هم في النمسا عند أسيادهم الذين ترعرعوا في أحضانهم وربوهم على العمالة والاستخبارات".
وأضاف:
"الوحدة ليست بالقوة، ولكن بالوعي، الذين يرفعون شعار الجنوب العربي عار عليكم ترفعونه، تجردون اليمنيين في أبين وفي لحج وفي شبوة وغيرها، تجردونهم من يمنيتهم وتقولون لهم جنوب عربي، عار عليكم يا عملاء، أستطيع أن أقول عليهم عملاء وخونة".
وهذا يشير إلى مدى أهمية ما يجري على الساحة اليمنية الداخلية بخلاف ما يجري في صعدة أو على الحدود مع السعودية.
وفي ذات الوقت كانت نخبة من المفكرين اليمنيين ونظرائهم الخليجيين يبحثون في أوراق عمل رصينة تناولت موضوع العمالة اليمنية وآفاق استيعابها في دول مجلس التعاون الخليجي.
كان الحوار صادقاً وشفافاً، على رغم أن المؤتمر أتاح الفرصة للإخوة اليمنيين للتعبير عن حالة العمالة اليمنية في بعض دول مجلس التعاون من حيث المعاملة والسكن. فقد طرحت عدة أوراق عمل مهمة تناولت الموضوع مثل: العلاقات الثقافية بين اليمن والخليج في العصر الحديث. وواقع العمالة اليمنية ودورها في الاستقرار الأمني لدول مجلس التعاون. والتأثير الديموغرافي للعمالة الآسيوية على التركيبة السكانية للخليج. ومجالات العمل المتاحة في السوق الخليجي والمعالجات المتخذة من دول مجلس التعاون للحد من العمالة الآسيوية والبدائل المقترحة. ثم الآثار الإيجابية المتبادلة لانضمام اليمن إلى عدد من مكاتب مجلس التعاون. وأخيراً الجهد الرسمي لتأهيل العمالة اليمنية. وواقع واتجاهات القوى العاملة في اليمن وفرص استيعابها في دول مجلس التعاون.
هنا سجلنا بعض الاتجاهات التي نراها جديرة بالمناقشة. وكان رأينا فيما يتعلق بمعاملة العمالة اليمنية في دول الخليج؛ أن تلك صورة نمطية تاريخية قد لوحظت في بضع دول الخليج ولا يجوز تعميمها على جميع الدول! فالعمالة اليمنية لها تقديرها واحترامها في المنطقة، كما أنها ساهمت في عمليات التنمية منذ السبعينيات، وليست لديها مشاكل. ناهيك عن سهولة تعايشها وانتمائها للأرض. . كما أشرنا إلى أن دول المجلس قامت بتحديث قوانينها بعد أن وقعت على المواثيق الدولية الخاصة بحماية العمالة وتوفير أفضل الظروف لها. وأنشأت بعض هذه الدول مكاتب وإدارات لصيانة حقوق العمال.
وكان رأينا أن موضوع استقدام العمالة اليمنية لدول مجلس التعاون ( هنالك أكثر من 4 ملايين عامل جاهزين للعمل في الخليج) قرار سياسي في الدرجة الأولى،كما أنه قرار سيادي لا تتدخل فيه العاطفة. وهنالك اتفاقيات وقعها اليمن مع بعض دول الخليج تحدد أطر وكيفية استيعاب تلك العمالة. كما أننا نرى أن دخول الإخوة اليمنيين سوق العمل سيساهم حتماً في تعديل خلل التركيبة السكانية، ولكن مع هذا فإن دول المجلس لها حساباتها من حيث تنامي التطرف -في ظل وجود "القاعدة" في اليمن- وكذلك الإحباط الذي يعاني منه كثير من أبناء اليمن العاطلين عن العمل نتيجة واقع الحال، والذي أشارت إليه أوراق العمل التي أعدها مفكرون يمنيون مثل: سوء الإدارة، والفساد، والحظوة، وحال أبناء الجنوب، والوضع الاقتصادي المتدهور، والأمية، ووقف المساعدات الخارجية، والخطف، وتهريب الأسلحة والمخدرات، وأخيراً الحرب مع الحوثيين. وكل ذلك يؤثر على استقرار اليمن ويؤجل قبوله عضواً كاملاً في دول مجلس التعاون.
وكان الرأي أن يتم تأهيل اليمن أولاً! وأن هذا لن يأتي عبر المساعدات المالية فقط، بل يأتي عبر المصالحة الوطنية، وحل المشكلات العالقة بين أبناء الشعب الواحد -حالة الجنوب والحوثيين. والتأهيل لن يتم إلا بتغيير نهج الإدارة ونسف الروتين! بل وقيام "ثورة" شعبية على (القات) الذي يهدر ما بين 5- 8 ساعات يومياً من وقت المواطن اليمني.
ولقد أشار الرئيس اليمني إلى هذه القضية في محاضرته المذكورة بالقول: "أتمنى أن هؤلاء الشباب عندما يخرجون يوم الخميس والجمعة ألا أرى واحداً منهم يخزّن! أتمنى أن هذا الجيل الجديد الذي تربى وترعرع في ظل الثورة والجمهورية والوحدة يحارب (القات) ويحافظ على صحته".
وكان الرأي أيضاً ألا تكون المساعدات الخليجية والدولية لليمن من (أجل عيون صد خطر "القاعدة" وحده)، بل أيضاً من أجل عيون اليمنيين الأعزاء، لأن المساعدات الظرفية غير المؤسسة تزول بزوال الظرف! ولقد نقلنا للإخوة اليمنيين تجربة مجلس التعاون مع اليابان عندما طلب الخليجيون عام 1997 من اليابان إقامة مصانع ضخمة لمنتجاتها في دول المجلس، وجاء الرد الياباني حازماً ومباشراً: "اضمنوا الأمن في منطقتكم أولا، ثم تأتيكم المشاريع"! وتلك إشارة واضحة لأهمية الاستقرار السياسي والأمني، وإشارة للحرب العراقية- الإيرانية وغزو العراق للكويت وحال واقع الحال مع إيران!
كما أوضح الإخوة اليمنيون أن العمالة اليمنية ستساهم في (عودة) الثقافة العربية لأهل الخليج بعد أن أضعفتها الثقافة الآسيوية! وكان ردنا أن الآسيويين في الغالب لا يكونون مؤدلجين بعكس العمالة العربية، والعمالة الآسيوية مطواعة وتقبل بأية ظروف بعكس العربية! أما من ناحية تأثر مجتمعات الخليج بالثقافة الآسيوية؛ فإن ذلك يحدث في نطاق محدد -الخدم والسائقين- ولكن الطفل عندما يكبر ويدخل المدرسة ينسى ما تلقاه من الخادمة الآسيوية في الصغر. ولذا فلا خوف على الهوية الخليجية من العمالة الآسيوية العامة التي غالباً ما تسكن في مناطق معزولة ولا تتداخل مع المواطنين. ولكن يجب ألا يؤخذ هذا الموقف على أنه موقف سلبي تجاه العمالة اليمنية؛ بل -كما أشرنا- فالعمالة اليمنية سهلة وسريعة في التجاوب والاندماج!
وكان رأينا أن تنشأ معاهد تأهيل للعمالة المدربة، التي يمكنها منافسة العمالة الآسيوية -أو تمتلك مقومات العمل الأساسية، ولعل اللغة الإنجليزية من شروط العمالة المتعلمة! وتلك المعاهد ستخرج عمالاً مهرة ينافسون العمالة الآسيوية ويُرضون صاحب العمل.
إن المؤتمر المذكور أضاء الطريق نحو استيعاب العمالة اليمنية في دول مجلس التعاون، وتبقى الأهمية في إيصال نتائج البحوث أو توصيات المؤتمر إلى أصحاب القرار في كل من اليمن ودول مجلس التعاون.