قد لا تختتم المبادرة اليمنية لإنشاء "اتحاد الدول العربية" رحلة إغنائها وإثرائها بملاحظات من شأنها إنضاج المبادرة لتنتقل بالحالة العربية من طور الجمود السلبي إلى طور الحيوية الإيجابية.
ولا بأس في تكرار القول عما أنتجته المبادرة المقدمة إلى العرب من قبل فخامة الرئيس علي عبدالله صالح منذ نهاية الثلث الأول من العقد الأول في القرن الحادي والعشرين، حيث أنتجت خطىً نوعية متمثلة في "تقارب خلاق بين قيادتي ليبيا واليمن، والتقاء ودي بين عدد من القيادات العربية -التي كانت مختلفة- بعد صبغة عملية أيضاً لقرارات القمة العربية، ومحاولة تقليص المسافة بين النص والتنفيذ".
وفي اللقاء المرتقب لقيادات العراق وقطر وليبيا ومصر واليمن مع أمين عام جامعة الدول العربية لمناقشة ووضع آليات تطوير منظومة العمل العربي المشترك في ضوء مبادرة الرئيس اليمني الصالح وأفكار قائد ثورة الفاتح العقيد معمر القذافي، ما يعزز النهج البراجماتي في التعاطي مع هكذا أفكار ومبادرات.. سواء من ناحية صيغة المبادرة، أم أسلوب طرح الأفكار، لا سيما الذي يتناول مستقبل جامعة الدول العربية، وهي -حسب المبادرة- ستؤول كمسمىً- إلى "اتحاد الدول العربية" إلا أنها مسألة خاضعة للإجماع والتوافق العربي العام.
لا يغيب عن ذهن المتابعين أن دبلوماسية الطرح اليمني لم تتجاوز أحقية مصر، وهي قلب العروبة التاريخي، في احتضان مقر الاتحاد، كما لم يهمل الطرح اليمني مآل إرث الجامعة من ممتلكات ومؤسسات وهيئات وحقوق والتزامات إلى مسمى الاتحاد، لكنه في كل الأحوال لا يغير شيئاً من واقع الحال العربي؛ إذ سيكون الاتحاد مثلما هو كائن -أي الجامعة- انعكاساً لوضع الدول العربية، سواء جمعتها الجامعة أم وحدها الاتحاد.
بيد أن الإجراءات والمقترحات العملية التي تضمنتها المبادرة قابلة للنفاذ، وإن تضمنها إطار الجامعة القائم حالياً؛ لأنها تفيد فكرة تطوير وتفعيل العمل العربي المشترك بغض الطرف عن المسميات.
ملامسة المبادرة في أهداف الاتحاد -المراد يمنياً توريثه جميع متعلقات الجامعة بما فيها الملفات العالقة!!- لرفع مستوى معيشة مواطني دول الاتحاد.. وتشجيع قيام المؤسسات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني إلى آخر ما اختص به البند السابع من "المادة السادسة: أهداف الاتحاد"، تلامس كذلك ذات القضايا الداخلية اليمنية، مما يعطي انطباعاً بأن مشاكل اليمن الداخلية هي ذات المشاكل الداخلية في الدول العربية الأخرى، وأن اليمن لم يفر بمبادرته هذه إلى الخارج من وجه مشاكل الداخل كما يتقول المتقولون!
وإذا كانت جامعة الدول العربية بوضعها تعكس وضع الدول العربية، فإن مبادرة اليمن بإنشاء اتحاد الدول العربية وإصلاح الشأن العربي تعكس الشأن اليمني الذي يقر اليمنيون بعلاته وأدوائه، وأنه لن يصلح ما لم يصلح محيطه العربي.
إنها تمثل خطوة نحو الحل، وجدير بالمجتمعين بليبيا أن يمضوا إليه وإلى الأخذ بأكثر البنود إيجابية وعقلانية وسلمية فيما يخص تشجيع الممارسة الواعية للديمقراطية -وهي الحل الأسلم-، وتوحيد البنى التشريعية وتحقيق التكامل اقتصادياً وسياسياً، ورفض استخدام القوة وأساليب الاستيلاء على الحكم بشكل غير دستوري.
وهكذا قد تنهي المبادرة اليمنية رحلة إغنائها بما يغني عن ترحيلها إلى قمة عربية مقبلة في بغداد أو غيرها.