بعد لقاء القاهرة وما احدثه من بلبلة في صفوف الحراك الوطني السلمي الجنوبي، وبعد تسريب الرسالة الداخلية الخاصة بذلك ، وبعد مشروع صنعاء بقيام اتحاد عربي وتصاعد القمع الامني في الجنوب ، كان لابد من توضيح التالي:
أولا: كان لقاء القاهرة بين وفد اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني وبعض الاخوة من الجنوبيين في الخارج قد احدث بلبلة في صفوف الحراك ، وقد قمنا بإرسال ملاحظاتنا عليه في رسالة داخلية خاصة بقادة الحراك في الداخل والخارج ولا نعرف من الذي سربها للمواقع ، و تسريبها للمواقع لا يخدم القضية. وحسب علمي بأن أول من نشرها موقع الهيئة الوطنية في لندن، واطلب منه ان يفيدنا بمن سربها اليه ووضع اسمي عليها وهي لم تحمله. ولتجنب التفسيرات الخاطئة، فإننا قد قلنا في الرسالة بأن وجود جنوبيين ضمن وفد اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني قد خلط الأوراق وجعل اللقاء بدون هوية، لأنه من غير المعقول بان يحاور الجنوبيون بعضهم على قضيتهم ، ومن غير المعقول ايضا بان تكون آليّة حلها عبر حوار وطني شامل وهي قضية بين طرفين وليست بين أكثر من طرفين. والأهم من ذلك ان مؤتمر الحوار الوطني الشامل سيقام على قاعدة السلطة والمعارضة وليس على قاعدة الشمال والجنوب، و هذا من حيث المبدأ هو دفن أبدي للقضية الجنوبية.
كما أن عبارة السقف المفتوح للحوار الواردة في نقاط الاتفاق والتي يعتقد الجنوبيون بأنهم كسبوها، هي فخ جديد بعد الفخ الذي ظللنا فيه منذ الاستقلال، لأن الجنوبيين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل سيضيعون في بحر الحضور الشمالي الهائل وستكون عبارة السقف المفتوح لصالحهم و سيفرضون ما يرونه حتى وإن كان تحت إشراف دولي.
وقد طلبنا من الاخوة الذين حضروا لقاء القاهرة بأن يعيدوا النظر في ذلك ، و قلنا لقادة الحراك في الداخل بان الاخوة الذين حضروا اللقاء ، هم اكثر اخلاصا للقضية و من يشكك فيهم يشكك في نفسه ، و لكن قد يكون حصل خطأ في التكتيك ، و ممكن ان نختلف معهم عليه ، و لكنه لا يجوز ان نختلف عليهم . فهم قادتنا السياسيون حتى تحل القضية، لان طاقة الشباب بدون خبرة القدامى تظل عمياء ، و خبرة القدامى بدون طاقة الشباب تظل ميتة. وبالتالي فإنه لا فائدة من طاقة الشباب بدون خبرة القدامى ، ولا فائدة من خبرة القدامى بدون طاقة الشباب ، ومن يقل بغير ذلك هو ذاتي و لا يخدم القضية.
ثانيا : إننا اذا ماكنا أصحاب قضية وطنية مقدسة، فإنه لابد أن نجعلها تسمو بشكل مطلق على ماعداها مهما كانت المبررات. وعلينا ان لا نفرح بأخطاء بعضنا أو تشويه بعضنا ، بل نحزن إذا ماكانت لدينا قضية وطنية مقدسة ، و يجب بأن لا نخاف من أي طرف جنوبي يدخل على خط الحل السياسي بدوننا اذا ماكان هذا الحل على قاعدة الشمال والجنوب وتحت إشراف دولي و بموجب قراري مجلس الامن الدولي أثناء الحرب و تعهد صنعاء للمجتمع الدولي بعد الحرب أو على أساس استفتاء شعب الجنوب على تقرير مصيره ، لأن الاهم هو حل القضية و ليس الاهم من يحلها . فالتشرذم لا يدل على الوطنية، بل يدل على عكسها بالضرورة. ولابد أن ندرك أن السلطة تبحث عن مرتزقة في الجنوب لبعثرة الحراك و تشويهه، و أن اللقاء المشترك يبحث عن حزبيين بلا قضية في الجنوب لنفس الهدف، و الفارق بينهما هو فقط في الاسلوب. فالسلطة تريد ذلك بالقوة والقمع و ماتقتله في سنة واحدة أكثر مما قتله الإنجليز في (130 سنة)، و اللقاء المشترك يريده بالسياسة، و مافعله من مكر حتى الآن أكثر مما فعلته بريطانيا. ولهذا فإننا ندعو جميع الجنوبيين في الداخل و الخارج إلى وحدة الصف على أساس رفض المشاركة في أي حوار تدعو إليه السلطة أو المعارضة ما لم يقم على قاعدة الشمال و الجنوب وفقا لقراري مجلس الأمن الدولي أثناء الحرب و تعهّد صنعاء للمجتمع الدولي بعد الحرب. فلا يجوز الخروج عن الشرعية الدولية مهما كانت المبررات. وإذا لم يستجب لمثل ذلك من قبل السلطة والمعارضة أو حتى من قبل العالم ، فإنه من الأشرف لنا ترك القضية للأجيال القادمة ولا نشرعن لدفنها. فليست القضية مع علي عبدالله صالح كشخص أو كنظام فقط، وإنما هي مع صنعاء كدولة. فلو ذهب علي عبدالله صالح و خلفه الشيخ حميد الأحمر أو حتى جنوبي ، هل تكون القضية الجنوبية قد حُلّت أم أنها ستظل قائمة بقوة الواقع ؟؟؟ .
ثالثا : إن اي حوار يأخذ صفة السلطة والمعارضة وليس صفة الشمال والجنوب هو إسقاط لقراري مجلس الأمن الدولي أثناء الحرب و لتعهّد صنعاء للمجتمع الدولي بعد الحرب ، و بالتالي هو د فن أبدي للقضية الجنوبية وشرعنة لنهب الارض والثروة في الجنوب و حرمان أهلها منها. و هذا يعني أن السير نحو مؤتمر الحوار الوطني الشامل كآليّة لحل القضية الجنوبية سيؤدي إلى ذلك بالضرورة . واطلب ممن يخالفني ذلك بان يحتفظ بهذه الكلمات للتاريخ. فمن غير الممكن موضوعياً ومن غير المعقول منطقيا حل القضية الجنوبية إلاّ بالحوار مع السلطة على قاعدة الشمال والجنوب وليس بالحوار مع المعارضة على قاعدة السلطة والمعارضة. و لابد من الادراك بأنها لا توجد مصلحة للنظام في الحوار مع المعارضة بدون الجنوبيين وبالذات الحراك الجنوبي، وأعتقد انه من المستحيل أن يدخل النظام في حوار جدي مع اللقاء المشترك إلاّ بوجود الجنوبيين و بالذات الحراك.
رابعا : إن مؤتمر الحوار الوطني الشامل اذا ما تحقق و شارك فيه الجنوبيون ، فانه سيخرج بد فن القضية الجنوبية ، لانه سيخرج بنتائج ثلاث ، و لا يمكن ان يخرج بغيرها ، و اولها : الاتفاق على استئجار جنوبي مؤقت لخلافة علي عبدالله صالح بعد نهاية ولايته ليحسب ذلك على الجنوبيين ، مع ان استبداله بعد نهاية ولايته الحالية هو تحصيل حاصل لكبر سنة و طول فترة حكمه و وعوده للعالم بذلك ، و تحصيل حاصل لمواد الدستور . كما أن استبداله بجنوبي مؤقت سيكون مخرجاً لهم من ازمة المنافسة على الخلافة بين احمد و حميد و سيؤدي إلى تذويب الروح الوطنية الجنوبية لدى الجنوبيين و هو الاهم بالنسبة لهم . و ثانيها : الاتفاق على نظام سياسي لا مركزي يقوم على الحكم المحلي أو فيدرالي على اكثر من اثنين ، بحيث يؤدي كل ذلك إلى طمس الهوية والتاريخ السياسي للجنوب و شرعنة لنهب أرضه و ثروته وحرمانه منها. و ثالثها : ضياع الفرصة على شعب الجنوب من رفض الانتخابات النيابية القادمة وحل قضيته ميدانيا بنفسه.
خامسا : لقد كان على قيادة حزب الاصلاح التي تقود اللقاء المشترك و تقود اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني أن تقتنع أولا بخطيئة حرب 1994م و نتائجها قبل ان تطلب الحوار مع الجنوبيين ، و ان تحّمل النظام مسؤولية الحرب و نتائجها ، و ان تعتذر لشعب الجنوب على المشاركة فيها و على الفتوى الدينية التي بررت الحرب و اباحت الارض و العرض و حوّلت الجنوب إلى غنيمة على طريقة القرون الوسطى إن كانت صادقه مع القضية الجنوبية ، لان الحوار معها بدون ذلك شرعنه ضمنية للحرب و نتائجها ، و شرعنه ضمنية للفتوى الدينية التي مازالت باقية. فإذا ما قامت قيادة حزب الاصلاح بذلك فانه يمكن الحوار معها و الاتفاق على تحديد القضية موضوع الحوار .
سادسا : ان تحديد القضية موضوع الحوار هو ابجدية العمل السياسي ، لان تحديدها هو الذي يشكل وحده القياس للافكار السياسية الصائبة من غير الصائبة . فإذا كان الإنسان مثلا لا يستطيع معرفة الخطأ و الصواب في الزمن الاّ بوحدة القياس التي هي الساعة، و لا يستطيع معرفة الخطأ و الصواب في المسافة إلاّ بوحدة القياس التي هي الكيلومتر .... الخ ، فانه لا يستطيع معرفة الخطأ و الصواب في السياسة إلا بوحدة القياس التي هي القضية موضوع الخلاف ، فما هي القضية موضوع الخلاف ؟؟؟ . وهل هي قضية السلطة أم أنها قضية الوحدة التي اسقطتها الحرب ؟؟؟ . فإذا ما كانت قضية السلطة، فان طرفيها هما : السلطة والمعارضة وآليّة حلها صناديق الاقتراع ، و إذا ما كانت قضية الوحدة، فإن طرفيها هما : الشمال و الجنوب و آليّة حلها هو الحوار بينهما . و في الحوار بينهما لابد من الاجابه على سؤال موضوعي واحد يحدد الحل بوضوح ، و هو : هل اليمن السياسي واحد أم انه يمنان سياسيان؟؟؟ .
سابعا : ان الاجابة الموضوعية على هذا السؤال هي الحل . فاذا ما كان اليمن السياسي يمنين كما كان في الواقع و كما هو موثق في المنظمات الدولية إلى يوم 22 مايو 1990م ، فإن الوحدة بينهما هي وحدة سياسية بين دولتين. و في هذه الحالة تكون حرب 1994م و نتائجها قد اسقطتها في الواقع و في النفوس و قد جعلت الوضع في الجنوب احتلالاً و ليس وحدة كتحصيل حاصل لنتائج الحرب ، و بالتالي تكون القضية موضوع الحوار هي إزالة هذا الاحتلال ، و يكون طرفاها ، هما : الشمال و الجنوب وآليَة حلها هو الحوار بينهما على قاعدة الشرعية الدولية بموجب قراري مجلس الامن الدولي اثناء الحرب و تعهد صنعاء للمجتمع الدولي بعد الحرب أو على قاعدة الشرعية الشعبية بموجب استفتاء شعب الجنوب على تقرير مصيره . أمّا اذا ما كان اليمن السياسي واحدا و ليس يمنين سياسيين ، فان الوحدة بين الشمال وا لجنوب هي وحده وطنيه بين اطراف من دوله واحده و ليست وحده سياسيه بين دولتين . و في هذه الحالة تكون حرب 1994م و نتائجها مشروعه ، و تكون القضية موضوع الخلاف هي قضية السلطة و ليست قضية الوحدة، و يكون طرفاها ، هما : السلطة و المعارضة وآليّة حلها صناديق الاقتراع كما أسلفنا. و بالتالي يصبح قيام الدولة في الجنوب بعد الاستقلال خيانة وطنية عظمى، لأنه من غير الممكن موضوعيا و من غير المعقول منطقيا اعتبار اليمن السياسي واحدا و قيام دولتين شرعيتين فيه. فلا يمكن مطلقا أن يستقيم المنطق في العمل السياسي تجاه القضية الجنوبية إلا بذلك . وأما غيره فهو مضيعة للوقت و تعقيد أكثر للقضية كما هو حاصل منذ حرب 1994م حتى الآن .
ثامنا : إن القضية الجنوبية هي ام القضايا كلها ، لان بقية المشاكل في البلد هي من صنع السلطة لدفن القضية الجنوبية ، و لكنه فقط انقلب السحر على الساحر و اصبح الحوثيون و تنظيم القاعدة و اللقاء المشترك يوظفونها لصالحهم كلا بطريقته. وحتى السلطة ذاتها اصبحت تهدد السعوديين بالحوثيين وبتنظيم القاعدة لمنعهم من قول كلمة حق مع القضية الجنوبية ، و تهدد الأمريكان بتسليم البلاد لتنظيم القاعدة اذا ما تدخلوا في قضية الجنوب . كما ان السلطة قد وزعت الأدوار فيما بينها و جعلت فريقاً منها يدعم تنظيم القاعدة في اليمن و فريق منها يقاتله ، وبالذات من خرج عن طاعتها من المنحد رين من الجنوب ، و بالتالي تقدم نفسها للأمريكان بانها تحارب الارهاب . وآخر محاولة لدفن القضية الجنوبية مشروع الاتحاد العربي المضحك الذي قدمته صنعاء للقادة العرب ، بينما القادة العرب يعرفون بأن الشمال مجتمع قبلي غير قابل للدولة أصلاً . فهم يعرفون أن قبائل الشمال التي بيدها السلطة والنفوذ مقتنعة بأن العرف القبلي أفضل من القانون . فلا أتصور بان شيخ قبيلة أو أياً من أولاده يقبل بأن يكون متساويا مع عامل النظافة امام القانون .
تاسعا : إن مشروع الاتحاد العربي ما هو إلا هروب إلى الأمام من القضية الجنوبية، و هو هروب مكشوف جعل ردود الفعل العربية تسخر منه ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . فمن عجز عن بناء بيته كيف يمكن له ان يبني بيوت الآخرين ؟؟؟ . و فوق ذلك فان التاريخ يقول لنا بان صنعاء اوّل من شرّع لترسيم الحدود بين الاقطار العربية عام 1934م مع السعودية في الشمال و مع السلاطين و الانجليز في الجنوب ، و اول من هزم الفكر القومي في رأس عبدالناصر و المصريين . فقد جاءوا إلى صنعاء و هم مشبعون بالثقافة القومية العربية و ضحوا بآلاف الشهداء في صنعاء من اجلها ، و لكن مكر القبائل اليمنية جعلهم يخرجون من صنعاء و هم كافرون بها، حتى أن أنور السادات حوّل الهوية العربية لمصر إلى صفه. فقد كانت العربية المتحدة وأصبحت مصر العربية . كما ان الجنوبيين قد جاءوا إلى الوحدة في 22 مايو 1990م و هم مشبعون بثقافة الوحدة اليمنية على طريق الوحدة العربية ، و اصبحوا الآن كافرين بكل شيء. و بالتالي من هو الذي سيصدق مشروع صنعاء بإقامة اتحاد عربي ؟!!.
عاشرا : انني في الختام اطلب من الاستاذ جمال عامر نشر كل مالديه من ردود على موضوعاتي مهما كانت جارحة لعلنا نجد فيها ما يظهر نواقص فكرتي ، مع انني لم اقل كلمه إلا بتعليل و لم اقل كلمة إلا بتحليل و لم أقل كلمة إلا و أكدها الواقع باعتراف الجميع إلا الملقنين. فأنا واثق بأنني على حق، و من هو على حق لا يضيع وقته مع من يعارضه ، و إنما يترك له إمكانية العودة إليه في آخر المطاف . اما التجريح الشخصي فانا لم و لن اغضب منه ، لأن صحته تتوقف على معرفتهم بي و معايشتهم لي ، و انا لا عايشتهم و لا عايشوني و لا أعرفهم و لا اعتقد بأنهم يعرفوني ، لانهم لو كانوا يعرفوني لكانوا عرفوا بان مناصب السلطة قد عرضت علي ثلاث مرات و لم اقبلها ، و لكان أُزيل من عقولهم ما قيل لهم من كذب و كتبوه.