يلتزم دستور الجمهورية اليمنية بمبدأ الحقوق والحريات من خلال التزامه بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث تنص مادته (6) على أنه:«تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة».
ويفصل الدستور الحقوق والحريات العامة التي يكفلها للمواطن اليمني ومنها على سبيل المثال لا الحصر: حق التبادل السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات «م4»، وحق الانتخاب والترشح «م43»، حماية واحترام الملكية الخاصة «م7»، حرية التجارة والاستثمار «م10»، حرمة وصيانة الأموال والممتلكات العامة «م19»، حق تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا «م24»، حرية البحث العلمي والانجازات الأدبية والفنية والثقافية «م27»، حق العمل والأجر العادل «م29»، حق التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية «م32»، المساواة بين المواطنين «م41»، حرية الفكر والرأي والتعبير «م42»، حق الجنسية «م44»، حق البراءة الأصلية «م47»، الحرية والكرامة والأمن والسلامة الشخصية «م48»، حق المثول أمام المحكمة المختصة والمحاكمة العادلة «م49»، حق الرعاية والضمان الاجتماعي «م55، 56»، حرية التنقل «م57»، حق وحرية التنظيم السياسي والمهني والنقابي «م58»، وحقوق أخرى كفلها الدستور اليمني للمواطنين، كما جاءت القوانين تفصل في حمايتها للحقوق والحريات، وإن كان لنا رأي في أن بعض تلك الحقوق والحريات قُيِّدت ببعض تلك القوانين.
ويأتي دور البرلمان كسلطة تشريعية مقنناً للحقوق والحريات ومراقباً لالتزام السلطة التنفيذية بها نصاً وروحاً كما جاء في المادة 62 من الدستور التي نصت على أن:«مجلس النواب هو السلطة التشريعية للدولة وهو الذي يقرر القوانين ويقر السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة والحساب الختامي، كما يمارس التوجيه والرقابة على أعمال الهيئة التنفيذية على الوجه المبين في هذا الدستور». وبناء على ذلك أفردت اللائحة الداخلية لمجلس النواب اليمني لجنة برلمانية متخصصة هي «لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان» لتؤدي هذه اللجنة المهام التالية كما بينته المادة 49 وهي: مراجعة ودراسة مشاريع القوانين والاتفاقيات المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان، ومراجعة ودراسة ومتابعة كل ما يتعلق بالقضايا الخاصة بالحريات العامة وحقوق الإنسان، والدفاع عنها وفقاً للدستور والقوانين النافذة، والرقابة على الجهات المعنية للتأكد من ضمان سلامة تطبيق القوانين المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان وعدم انتهاكها، كما نصت لائحة مجلس النواب (م48) على تشكيل لجنة أخرى هي (لجنة العرائض والشكاوي) مهمتها: مراجعة وفحص الشكاوى والعرائض المرفوعة إلى المجلس والمحالة إليها وتقديم تقرير بشأنها إلى رئيس المجلس أو من ينوبه متضمناً ما تراه من مقترحات وآراء لمعالجة موضوع الشكوى أو العريضة، ومتابعة الجهات المعنية بتنفيذ المقترحات والتوصيات الصادرة عن المجلس وهيئة رئاسته بشأن الشكاوى والعرائض.
من الواضح إذن أن هناك توجه تشريعي ومؤسسي لحماية الحقوق والحريات سواء كان بدافع ذاتي أو كان بتوجيه خارجي متعلق بسمعة النظام اليمني وحكومته دولياً أو مرتبط باشتراطات المانحين وأجنداتهم لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويتداوله الباحثون والناشطون والمراقبون هو: هل حقق البرلمان اليمني أي تقدم في تعزيز الحقوق والحريات منذ انعقاده بعد إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 ؟ وهل تقوم لجنتاه المعنيتان بحماية الحقوق والحريات بدورهما المناط بهما دستورياً ولائحياً ؟ وهل يؤوب المواطن إليهما بحثاً عن نصرة وإنصاف ؟
للإجابة على تلك الأسئلة لا بد من التذكير أن هناك شقين أو جبهتين يعمل عليهما المجلس لتعزيز الحقوق والحريات هما: جبهة التشريع وجبهة الرقابة.
فعلى جبهة التشريعات ورغم ما اعترى العالم كله من انتكاسة حقوقية جرا أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من حرب على الإرهاب «كما أطلق عليها» وما نتج عنه من تضييق عالمي على الحقوق والحريات إلا أن كل ذلك لم يثني الناشطين في مجلس النواب من العمل على المجال التشريعي ودفع المجلس على المصادقة على الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان ومواءمة القوانين الوطنية بما يكفل تطبيقاً أفضل لهذه الاتفاقيات.
ومن تلك النجاحات التي نعتز بها إصدار قانون ( وقاية المجتمع من الإيدز وحماية حقوق المتعايشين معه ) وكانت لي شخصياً فيه تجربة جميلة حيث شكلنا فريقاً من 10 نواب وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أقمنا للفريق دورتينعمليتين لاستيعاب تفاصيل موضوع الإيدز في القاهرة والخرطوم تعرف النواب من خلالهما على الإيدز ومسبباته وعايش نماذج من مرضى الإيدز ومعاناتهم والوصمة التي تلاحقهم فتزيد من معاناتهم إن لم تكن هي الأمر والأنكى فعاد النواب أكثر حماساً لتشريع يعمل على حماية حقوق المتعايشين معه، ورغم الصعوبات التي اعترضتنا في مجتمع تقليدي محافظ يجرم الإيدز وحامله ويعتبره عقاباً لا يجوز رحمته، إلا أننا نجحنا في إصدار التشريع والدور الآن على تطبيقه ونشر مفاهيمه.
أما على جبهة الأداء الرقابي للمجلس فهناك جهد لا بأس به في زيارة السجون وتلقي الشكاوى ودعم القضايا المجتمعية العادلة.. إلا أن الظروف السياسية تعيق الكثير من تلك الجهود بسبب تداخل القضايا ببعضها وعدم الفصل بين ما هو سياسي وحقوقي لدى الكثير من النواب.
زد على ذلك فإن ثقافة حقوق الإنسان لا زالت تتخلق في رَحِم مجتمعنا اليمن بنضال منظمات المجتمع المدني وفعالياتها وجهدها وإمكاناتها المحدودة مما يجعل مفاهيم حقوق الإنسان ومناصرة قضاياه تعاني من بدائية على مستوى الوعي العام ومن ثَمَّ في مجلس النواب الذين لا يزال بعضهم ينظر بعين الريبة إلى مفاهيم حقوق الإنسان وقيمها ومعاييرها خاصة النواب التقليديين ذوي الانتماء القبلي والمحافظ، كما أن تنامي الفقر وزيادة البطالة سارع من تردي الأوضاع الحقوقية في البلد، وصَعَّب على القلة الحقوقية في البرلمان ملاحقة قضايا الانتهاكات، ثالثة الأثافي هو الفساد الذي أغرق البلد في متاهات سببت نهب المال العام والحقوق الخاصة، ورابعها أولئك القادة العسكريين والمشايخ الذين لا سلطان عليهم ولا يجروء البرلمان على فتح القضايا المتعلقة بهم، وإن فُتحت لسبب أو لآخر سرعان ما يغلق ملفها وتقيد ضد مجهول، ولدينا من النماذج والأمثلة ما يشيب لها الولدان.
ولكن ومع كل ذلك فإن جهود تعزيز حقوق الإنسان وحرياته العامة مستمرة لا يمكن أن تتوقف. ونعول كثيراً على منظمات المجتمع المدني لتعمل على دمج أعضاء البرلمان في أنشطتها وبرامجها لتتحول قضايا ومفاهيم حقوق الإنسان في البرلمان إلى استراتيجيات يعمل لها وعليها الجميع.
*عضو لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان بمجلس النواب اليمن
المقال منشور في (نشرة البرلمانات العربية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العدد 6).