أرشيف الرأي

مرحلة مابعد علي عبدالله صالح.. المخاض العسير

عبدربه منصور هادي ذو الشخصية الكارزمية التي تتميز بالصمت العميق, والهدوء المثير للدهشة والاستغراب , يقترب من رئاسة اليمن رويداً رويداً, اقتراب يشوبه الحذر وتقدم تلفه لحظات الرهبة العصيبة,

فهو بين شارع يطالب بان يكون عبدربه منصور هادي رئيساً خلفاً لصالح الذي يرقد في المستشفى العسكري بالسعودية, وبين مراكز قوى لاترغب في أن ترى الرجل الراكد في منزله بشارع الستين رئيساً, وبين هذا وذاك لا يريد هادي أن يخالف رغبات الشارع الملتهب والأحزاب الفاعلة في ملعب السياسة, ولا يريد أن يغضب مراكز القوى التي يعرف جيدا ما تخبئه له أن هو خالف رغباتها, لقد أصبح عبدربه في وضع حرج للغاية, بين مطرقة الثورة والثوار وسندان مراكز القوى والنفوذ.

- " هادي في مرمى النقد والتوافق"

الشارع اليمني بعد رحيل " صالح" أصبح شغله الشاغل تحليل شخصية هادي التي تتسم بالغموض, فالبعض يرى من باب النكتة السياسية أن اختصاص " هادي" يتوقف عند حمل المقص وقص شريط الافتتاح, وبقائه نائباً بروتوكولياً, بينما هناك الكثير من الكتاب والمثقفين ينظرون إلى شخصية" هادي " بأنها شخصية ضعيفة تتسم بطابع التردد والخوف وذلك ما ذهب إليه الكاتب صلاح السقلدي حيث قال أن هادي لا يستطيع تصور نفسه خارج دائرة الموظف الهامشي ك(كمالة عدد) مغلوب على أمرة حتى وان كانت كل الدلائل والمستجدات اليوم تشير إلى أنه من الممكن أن يمارس وظيفة فعلية ( سلطة وصلاحيات) خارج نمطية الوظيفة التي عهد بها إليه الرئيس صالح, أن غضينا الطرف عن قانونية منصبه هذا من عدمه لعدم صدور قرار تعيين رئاسي لغرض في نفس صاحب القرار وربما حجب ذلك القرار لمثل هذه الظروف، ولكن من واقع الحال فهو نائب.

ويضيف السقلدي، صعقني الأستاذ الفاضل/ عبدربه منصور هادي وهو يقول أن لقائه بممثلي شباب الثورة كان بخصوص عمليات قطع الطريق أمام شاحنات النفط والغاز وانقطاع التيار الكهربائي، وكأنه يحاور قطاع طرق وليس شباباً ثائراً وضع فيه بصيص أمل في أن يخرج نفسه والبلاد من هذه الربطة المطوقة أعناق الجميع قبل أن يخيب أمل الثوار كعادته بتصريحه الأخير هذا, مع العلم إن سيادة النائب كان قال بنفس اليوم الذي ألتقى فيه هؤلاء الشباب بأنه يعتزم إجراء تغييرات عميقة بالبلاد.

ويتابع السقلدي أن حال " هادي" برغم كل إشارات التطمين ورسائل التشجيع التي تبعث له كل يوم، بل كل ساعة من مختلف القوى وحتى من قبل كثير من دول العالم ودول الجوار باستثناء المملكة السعودية لحساباتها المريبة وغير البريئة وعقدتها الثورية المستبدة بها, إلا أنه مازال متردداً في الانتقال باليمن إلى آفاق أخرى.

سودارسان راغافان قالت في تقرير نشرته "الواشنطن بوست" إن السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين حالياً هو هل يتمتع هادي بالقدرة والإرادة اللازمة ليحل محل حلفاء صالح؟ ومنهم ابنه وأبناء أخيه الذين لم يغادروا اليمن بعد خروج الرئيس اليمني لتلقي العلاج من إصابات خطيرة في المملكة العربية السعودية منذ الثالث من يونيو (حزيران) الذي شهد الهجوم على مسجد القصر الرئاسي.

وتنقل سودارسان عن سلطان العتواني، قوله: «إن هادي بين المطرقة والسندان»، فمن جانب يواجه هادي ضغوطاً متزايدة من أطراف متعددة في اليمن بدءا من النشطاء الشباب ووصولا إلى رموز المعارضة التقليدية وشيوخ القبائل ليتولى منصب الرئاسة.

وعلى الجانب الآخر يقول العتواني: «لا يعترف بعض أطراف النظام وهم أبناء صالح وأبناء أخيه بشرعية هادي، بل يرونه نائب رئيس يدير شؤون البلاد إلى حين عودة الرئيس».

علي سيف حسن من جانبه يقول أن هادي يجيد فن الاستماع , في إشارة إلى أن هادي لا يجيد فن إدارة الأزمات, وتحمل المسؤوليات في وقت الشدائد, بينما يفسر أمين عام حزب الحق سكوت هادي ومحاولة تهربه من الرئاسة بأن هادي لا يسعى إلى التمسك بالسلطة, وفي الجانب الآخر يقول قياديون في الحزب الحاكم إن "هادي" من أكثر الأشخاص إخلاصاً للرئيس".

وبين هذا وذاك يبقى " هادي" في مواجهة الضغوط لاتخاذ موقف حاسم ينقذ اليمن من الانهيار الاقتصادي والكارثة الإنسانية التي بدأت تبرز إلى السطح بشكل جلي وواضح للعيان.

- مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح:

لا يمكن وصف المرحلة الحالية إلا بأنها مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح الذي ترك الحكم اضطراراً ولم يتركه اختياراً, وما يفسر ذلك هو تصريح مسؤول سعودي رفيع المستوى بأن صالح لن يعود إلى اليمن, في الوقت الذي تدفع فيه قوى دولية إلى الحيلولة دون رجوع "صالح " إلى اليمن، معتبرين رجوعه إلى اليمن بمثابة الكابوس الذي يهدد البلد بالدخول في متاهات حرب أهلية, وبالتالي تحويل اليمن إلى صومال آخر, قد يجعل من جهود الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب والقرصنة مجرد محولات عبثية قد تكلفها الكثير من المال والعتاد.

الخوف من سيناريو الصومال دفع بالكثيرين إلى الضغط على الرئيس صالح لنقل صلاحياته إلى نائبه.. وقالت مصادر دبلوماسية إن هناك اتصالات دولية على مستوى رفيع بهذا الشأن، ومن ضمنها الاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بالعاهل السعودي، الملك/ عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود، الثلاثاء الماضي، وتمت خلاله مناقشة تطورات الوضع اليمني، بالتزامن مع بدء اجتماع المجلس الوزاري الخليجي في جدة.

ووفقاً لذات المصادر، فقد أوكلت للعاهل السعودي، مهمة إقناع الرئيس صالح والضغط عليه، لنقل السلطة سلمياً، مقابل ضمانات سيتم تقديمها لها من المجتمع الدولي، ولهذا فقد أجرى العاهل السعودي، عقب اتصال أوباما به، اتصالاً هاتفياً في اليوم التالي، بالرئيس صالح، في مقر إقامته بالمستشفى العسكري بالرياض.

ويقول مسؤولون أميركيون إنهم متحمسون لتواصل هادي مع المعارضة، حيث قالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية في إشارة إلى محاولات هادي لتعزيز الحوار الوطني: «نعتقد أننا ليس لدينا وقت نضيعه فيما يتعلق بالانتقال إلى مستقبل ديمقراطي يستحقه اليمن».

المعارضة من جانبها اعتبرت نقل السلطة لنائب الرئيس "عبد ربه منصور هادي" بصورة فورية وعاجلة خطوة مهمة لإرساء الأمن والاستقرار في اليمن وإزالة مسببات العنف.

أما محمد قحطان الناطق باسم اللقاء المشترك فقال في وقت سابق للبي بي سي: إن استلام هادي للسلطة يمكن أن يمهد لتطبيق بقية بنود المبادرة الخليجية حتى وإن لم يتم التوقيع عليها، وإن المعارضة لمست اتجاهاً جدياً لدى نائب الرئيس لوقف إطلاق النار وأعمال العنف وإنها تؤيد ذلك الاتجاه وستقف معه.

الشيخ/ صادق الأحمر قال إن نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي يستطيع تهدئة الأوضاع في الساحة اليمنية، كونه مقبولاً من الجميع، لكن يبدو أنه متردد ولا يعلم مبرراً لتردده، رغم أن معه الدستور والقانون وكافة أبناء الشعب اليمني وقواه الحية.

وأوضح الأحمر في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه على تواصل مع نائب الرئيس عبدربه منصور هادي ويدعمه ويؤيده إذا قاد اليمن إلى بر الأمان في هذه المرحلة الحرجة ، عبر الانتقال السلمي عن طريق الدستور، وهو ما ينبغي على النائب العمل لأجله وإذا أغلق هذا الباب فليس أمام المعارضة والساحات إلا تشكيل المجلس الانتقالي والفعل الثوري هو كفيل بإخراج اليمن من المخاطر التي تهددها.

كما دعا الأمين العام للجنة الحوار الوطني الشيخ/ حميد الأحمر القائم بمهام الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى تسلم السلطة "مراعاة لمشاعر الشعب اليمني الثائر, وكان موقفاً مشابهاً قد اتخذه علماء اليمن بشأن نقل السلطة إلى هادي.

وفيما هدد القائم بأعمال الرئيس اليمني/ عبد ربه منصور هادي بالاستقالة إن استمرت "سياسة لي الذراع"، مشيراً إلى أنه سيغادر صنعاء إلى عدن ، بحسب ما نقل عنه شباب الثورة أوضح شباب الثورة أن هادى يتعرض لضغوط كبيرة من قبل أبناء الرئيس صالح ونافذين في النظام، مؤكدين عدم قدرته على إجراء أي إصلاحات في الوقت الحالي.

حيث طالب أكثر من 100 عالم من كبار علماء اليمن رئيس الجمهورية بالتنحي عن السلطة بعد أن أصبح عاجزاً عن إدارة البلاد وتسليمها درءاً للمفاسد وحقناً للدماء وإنقاذاً للبلاد من الدخول في فوضى عارمة وحفاظاً عليها من المخاطر.

وأكد البيان الصادر عنهم أن الوضع الدستوري في اليمن يحتم على "رئيس الجمهورية بالنيابة أن يبادر خلال الأيام القليلة وبالتوافق مع سائر القوى اليمنية بتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد والإعداد والإشراف على الإنتخابات الرئاسية المذكورة سابقاً، وما تستلزمه من تشكيل لجنة عليا للانتخابات يرتضيها الجميع وما تحتاج إليه من وقت يتم التوافق عليه لتصحيح سجلات الناخبين، وكذا التوافق على قانون للإنتخابات يحقق للشعب اليمني انتخابات حرة ونزيهة وآمنة".

كما طالب علماء اليمن هادي بالعمل على استقلال القضاء وفصل السلطات وذلك من خلال عقد مؤتمراً للقضاء يتم فيه انتخاب مجلس أعلى للقضاء يشرف على القضاء مالياً وإدارياً وقضائياً حتى يجد جميع الناس مرجعاً قضائياً مستقلاً يطمئنون إليه في فصل خصوماتهم وحل نزاعاتهم، مؤكدين في السياق ذاته على أهمية الحفاظ على وحدة الشعب اليمني وتعميق روابط الأخوة والمحبة بين أبناءه وإزالة كل المظالم والضغائن والأحقاد التي تعلق بالنفوس نتيجة بعض المواقف والأحداث، مجددين التأكيد على حرمة الدماء المعصومة وعظيم جرم من يتجرأ على سفكها بغير حق.

وطالب علماء اليمن جميع أبناء الشعب اليمني بالالتفاف حول القيادة الدستورية الجديدة المتمثلة بنائب رئيس الجمهورية ليتمكن من انجاز مهامه الدستورية، والتحلي بالصبر والحلم ومكارم الأخلاق والبعد عن روح الانتقام، والعمل على توحيد الجهود ورص الصفوف والتوجه بروح فريق العمل الواحد مع الجهات ذات العلاقة لتحقيق الأمن والاستقرار وحماية الممتلكات العامة والخاصة التي لا يجوز الإضرار بها أو التعدي عليها بأي حال من الأحوال، مشددين على ضرورة توظيف الطاقات الخيرة والاستفادة منها بما يحقق الخير للأمة والمصلحة العليا للبلد وبناء مستقبل واعد على أسس متينة ومنهجية علمية صحيحة.

كما طالبوا بالتعجيل برفع القوات العسكرية والأمنية التي قامت بقصف المساكن وقتل المدنين والاعتداء عليهم في العاصمة صنعاء وعدن وتعز وغيرها من المدن اليمنية ونقلها إلى أماكن أخرى بعيدة عن المدن، داعيين الدولة إلى القيام بواجبها في توفير السلع الضرورية للشعب وعدم احتكارها، وتحمل مسئوليته في البحث عن المفقودين من المعتصمين وغيرهم وإطلاق المسجونين والمختطفين ومعالجة الجرحى والمصابين وتعويض جميع المتضررين تعويضا عادلاً.

كما دعوا في بيانهم جميع القبائل اليمنية إلى تكوين ائتلاف لقبائل اليمن وتشكيل مجلس أعلى لهذه القبائل يقوم بتوحيد جهودها وإصلاح أوضاعها وحل مشاكلها، مطالبين وسائل الإعلام المختلفة الالتزام بالصدق وبالآداب الشرعية في خطابها الإعلامي والبعد عن كل ما يثير الأحقاد والضغائن وإشعال نار الفتنة ويفرق كلمة المسلمين، مطالبين أيضا بإنشاء "إدارة عامة للتوجيه الديني في القوات المسلحة والأمن لتحصينها من أي تعبئة خاطئة وحتى يكون ولاؤها لله ولرسوله وللشعب اليمني وليس لفرد أو أسرة أو حزب".

كما أكدوا على وجوب تثبيت المواد الدستورية المتعلقة بالدين الإسلامي أو التي تؤكد على الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المجالات وجعل هذه المواد ثابتة وغير قابلة للتبديل أو التعديل أو الاستفتاء، واتهموا من وصفوه ب"الحاكم المستبد" بإدخال تعديلات على الدستور وفق أهواءه ورغباته.

واعتبروا تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع الضرورية وانعدام الغاز والمشتقات النفطية وتردي الخدمات الصحية والتعليمية وانفلات الأوضاع الأمنية وتقلص سيطرة الدولة على عدد من المحافظات، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الفقر والبطالة اعتبروا كل ذلك

ناتجاً عن السياسات الخاطئة في إدارة شؤون البلاد والاستبداد في اتخاذ القرارات بشأنها وتعطيل مؤسسات الدولة عن القيام بمهامها وواجباتها ومسئولياتها.

مطالبة علماء اليمن لشارع اليمني بالالتفاف حول القيادة الدستورية الجديدة أثار سخط العديد من الجهات النافذة التي لم يرق لها ذلك, وعلى رأسها وزير الأوقاف والإرشاد حمود عباد المتورط بعمليات قتل للمعتصمين في الحديدة الذي أصدرته وزارته بياناً قالت فيه أن اتحاد علماء اليمن غير شرعي وما يصدر عنه غير قانوني , وكان الوزارة تريد أن يقوم احمد علي أو يحيى محمد بإصدار فتوى بشرعية القيادة الدستورية الجديدة .

الراهن يقول إن عبدربه منصور هادي أصبح رئيساً فعلياً, وأن نصوص الدستور والقانون تقول ذلك, إلا أن الواقع الذي يريده أبناء صالح وأبناء أخيه قد يخالف الدستور, وعلى أية حال فمرحلة " صالح " انتهت, والمرحلة الحالية هي مرحلة المخاض العسير الذي يأمل الكثير من اليمنيين أن يتجاوز اليمن هذه المرحلة بأمن وسلام وبأقل التكاليف, ليبدءوا مرحلة جديدة من مراحل البناء والتنمية ليمن طالما أثقلت كاهله الأزمات, وشردت أبنائه الحروب, وأهدر موارده المتنفذون والأقرباء.

زر الذهاب إلى الأعلى