استغرب كثيرون بما في ذلك قيادات كبيرة في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم مما وصفوه بالمسرحية الهزلية رديئة الإخراج التي حدثت الأسبوع الماضي خلال اجتماع قيادي لهذا الحزب انتهى بقرار منع الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الحزب من السفر إلى الخارج للعلاج،
أما داعي الاستغراب فيتمثل في أن قرارا من هذا النوع لا يحتاج لمثل هذا الإخراج الباعث على الشفقة بقدر ما يحتاج إلى إعلان من صاحب الشأن نفسه يقول فيه أنه قرر البقاء في الوطن مضحيا بصحته في سبيل الإشراف على نجاح الانتخابات الرئاسية المبكرة، ومثل هذا الإعلان البسيط سيكون أكثر تأثيرا ومصداقية من المسرحية المذكورة آنفا.
ولم يكتف الصقور الذين كانوا النجوم الأبرز في المسرحية بإصدار قرار منع الرئيس من السفر بل أخذوا يهاجمون نائب الرئيس المرشح للرئاسة ويذكون الخلافات بينه وبين الرئيس المنتهية ولايته، في الوقت الذي يدعون أصلا أنهم يريدون من الرئيس البقاء لإنجاح عملية نقل السلطة إلى النائب الذي يهاجمونه ويتهمونه بالتواطؤ مع أحزاب المشترك، ويعلم جميع المراقبين أن هذه المجموعة المتطرفة داخل الحزب الحاكم تدرك جيدا أن مصالحها ستنتهي بخروج صالح من الحكم.
فهو ظل دوما يفضل الاعتماد على هؤلاء في مواجهة المعارضة من قبل وفي مواجهة الجناح المعتدل في حزبه الذي يقوده نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي ومستشاره السياسي عبد الكريم الإرياني ووزيرا الخارجية والاتصالات أبو بكر القربي وأحمد بن دغر ومدير مكتبه علي الآنسي الذين كان لهم الدور الأساسي في إنجاز الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية والتفاهم مع المعارضة بشأنها ويبدون اليوم الحرص الكامل على الوفاء بمتطلباتها أمام الداخل والخارج.
ويعرف اليمنيون أن هذا الجناح المتطرف داخل حزب الرئيس المنتهية ولايته هو الذي ظل يسدد الضربات القاتلة ضد الرئيس نفسه بدعوى الإخلاص له وعدم تمكين المعارضة من تحقيق أي مكاسب على حسابهم، لأن رموز هذا الجناح يدركون جيدا طريقة تفكير الرجل الذي يعتبر أن معيار الإخلاص له يتمثل في أن تمارس النقد المقذع ضد المعارضة وأن تقطع كل خطوط التفاهم والتواصل معها بحيث تجد نفسك في لحظة ما مضطرا للارتماء الكامل في حضنه بعد أن تكون دمرت كل علاقاتك الإنسانية والسياسية مع الآخرين وأنهيت أي احترام لك في نفوسهم، هنا فقط تصبح من أهل الثقة المقربين.
وهؤلاء ركنوا على فكرة أن الشعب اليمني ميت وأن المعارضة أضعف من نملة وأن العقلاء والمعتدلين داخل المؤتمر لم يعودوا أصحاب تأثير وأن الرئيس وعائلته يمتلكون قوة عسكرية ضاربة فأرادوا أن يحتووه بإثبات إخلاصهم الشديد له بدءا بإحباط وثيقة هامة أنجزتها اللجنة الرباعية التي تشكلت في شهر أكتوبر من العام 2010م أي قبل ثورات الربيع العربي من هادي والإرياني عن المؤتمر الحاكم ونعمان والآنسي عن المشترك المعارض كانت ستؤدي لإجراء انتخابات نيابية نزيهة خلال العام 2011م وكانت بالتأكيد ستجنب البلاد لاحقا اندلاع الثورة الشبابية الشعبية.
لكن هؤلاء الصقور حرضوا صالح على نائبيه في الحزب فقام بتمزيق مشروع اللجنة الرباعية ورفضها، بعدها بشهرين أعلن الأمين العام المساعد للمؤتمر توجه الحزب لاقتلاع عداد الرئاسة بإلغاء الفترتين الرئاسيتين في الدستور تمهيدا للتمديد لصالح لولايات مفتوحة إلى ما شاء الله حتى إنجاز عملية التوريث لنجله، فكان هذا الموقف إحدى شرارات اندلاع الثورة الشعبية التي اشتعلت بعد مرور أقل من شهر على هذا الإعلان المشؤوم.
ومنذ اندلاع ثورة الشباب وتعاظم زخمها بشكل لم يكن النظام يتوقعه بدأ هذا الأخير في التخبط بمبادرة تلو المبادرة في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد الذي تسلح بآمال كبيرة بإمكانية إسقاط حكم الرئيس صالح وعائلته بعد أن تحقق ذلك في كل من تونس ومصر، لكن صقور المؤتمر كانوا دوما للرئيس صالح بالمرصاد، إذ أفشلوا كل مبادراته وأحبطوا كل مساعيه للخروج المشرف من الحكم خاصة أنه صاحب المقولة المشهورة (يجب أن نحلق لأنفسنا قبل أن يحلق لنا الآخرون).
ووصل الأمر بهم أن أقنعوه بالمماطلة في التوقيع على المبادرة الخليجية طوال شهري إبريل ومايو كما حرضوه على تفجير الموقف العسكري في كل من حي الحصبة في صنعاء ضد أنجال الشيخ الأحمر واقتحام ساحة الحرية في تعز بعد أن فشلوا في حشد أي أنصار لهم في تلك المحافظة الثورية، وحتى بعد حادثة تفجير جامع الرئاسة في يونيو الماضي التي أصيب فيها الرئيس صالح إصابات بليغة لازال يعاني منها حتى الآن ويحتاج بسببها إلى رعاية طبية استثنائية لا تتوفر إمكانياتها في اليمن ظل هؤلاء الصقور يحرضونه على عدم التوقيع إلى درجة أن أحدهم قال له أثناء علاجه في الرياض أنه إن كان ولابد من توقيعه على المبادرة فليقم بعزل نائبه وتعيين نجله أحمد نائبا بدلا عنه فاضطر مدير مكتب الرئيس أن ينهره علنا مبديا استياءه من هذا الرأي المتطرف.
وأخيرا وصل الأمر بهذا الجناح الصقوري المتطرف أن يقنع الرئيس صالح بالإصرار على قانون الحصانة القضائية الذي يعتبر في مضمونه إدانة لنفسه وعهده ورفض فكرة إصدار قانون للمصالحة الوطنية اقترحته المعارضة كان أكثر لياقة بالرئيس وأكثر تشريفا له ولا يحمل أي تناقض مع الدستور والمفاهيم الدولية لحقوق الإنسان!
أصبح من المؤكد أن هذا الجناح المتطرف على وشك النجاح في حرمان صالح من الخروج المشرف من الحكم، وأصبح الكثيرون من رموز الاعتدال في المؤتمر الحاكم وشركاء الحكومة من المجلس الوطني والمراقبون من سفراء الخليج والمجتمع الدولي يشعرون بالقلق من امتداد نفوذ هذا التيار الصقوري، الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لإعاقة تنفيذ المبادرة الخليجية وتفجير الوضع وهو بذلك يسعى بقصد أو بدون قصد إلى حرمان الرئيس صالح أيضا من الخروج الآمن، لأنه يدرك أن أدواره السياسية ستنتهي بمجرد مغادرة صالح من الحكم، لكن الخبراء بطريقة تفكير الرئيس المنتهية ولايته والعالمون ببواطن الأمور يعلمون أن هذا الأخير يدرك أن عناصر هذا الجناح ستكون أكثر من سيوجه له الانتقادات حد التجريح عقب تركه للسلطة لذلك فإنه سيبيعهم قبل أن يبيعونه، وأنه بالفعل يستعد لمغادرة البلاد للعلاج عقب إصدار قانون الحصانة وأنه لن يظل رهينة لهم ليتسببوا في الانتهاء به إلى مصير أسود.