في أكثر من لحظه تاريخيه فاصله أثبت الوعي الشعبي اليمني تقدمه وتجاوزه لوعي "النخب" وإدراكه لحقائق الواقع الملموس دونما ضجيج أو كلام كثير وجمل ادعائية ملتبسة...
خرج اليمنييون بكثافة لم تألفها الانتخابات الديكورية في العقدين الماضيين . ذهبوا إلى صناديق الاقتراع ليؤكسوا على مرحلة كابوسيه أسقطوها ، وليمنحوا الرئيس التوافقي شرعية شعبيه هي شرط نجاحه وفاعليته في أداء دوره ومهامه لما بعد 21 فبراير
هذه المشاركة التي فاقت كل التوقعات تعطي الرئيس الجديد والتسوية السياسية عموما الأرضية الصلبة التي يقف عليها بثبات ، شرعيه شعبيه كاسحه لم يسبق لها مثيل في تاريخ اليمن .
لم تكن هذه المشاركة الواسعة التي فاقت كل التوقعات مضمونه ، فقد كانت كل الاحتمالات قائمه وممكنه بما فيها احتمال العزوف عن المشاركة في انتخابات بمرشح وحيد . لكن الصورة بانت تدريجيا من صباح الثلاثاء عن وضع مختلف ، ومرد اختلافه ليس دعاية المشترك ولا إدعاءات المؤتمر الكاريكاتورية ، بل الوعي العميق بمجرى التاريخ ومتطلباته الذي يختزنه الوعي الشعبي البسيط ويعبر عنه بهدوء في اللحظة الفاصلة دونما مزايدات أو إدعاءات نخبوية فارغة المعنى ومفتقرة للمسؤولية الاخلاقية كالتي أصمتنا بها أسماء منتفخة كنا نظنها كبيرة.
مثل هكذا نتيجة أفرزتها المشاركة الواسعة والمكثفة لليمنيين تقذف بالكرة مباشرة إلى ملعب الرئيس الجديد الذي يتحمل المسؤلية الأولى في إنفاذ الاراده الشعبيه باعتباره رأس الدوله ورأس حربة التسوية السياسية ومحورها في المرحلة الانتقالية الثانية.
وخلاصة هذه الرسالة الشعبية أن الرئيس الجديد لم يعد لديه أي حيثيات يمكن أن يستند إليها للقبول بتعطيل فعاليته ، والتباطؤ في السير نحو تنفيذ برنامج إصلاح اليمن ، من خلال عناوينه في مضامين الآلية المزمنة ، وأهداف الثورة الشعبية السلمية كإطار عام باعتبارها الأصل والتسوية السياسية هي الفرع الذي وجد لترجمة أهداف الثورة وتحقيقها بصيغة سياسية.
لقد تابع اليمنيون أداء هادي خلال الأشهر الماضية وهو يخطو بحذر كمن يمشي في حقل ألغام.. كان حذراً وصبوراً ، ومعذوراً في حذره وصبره وهدوءه وهي نفسها الصفات التي زادت مستوى ثقة الناس فيه وقدمته لهم بخلاف ما كان متوقعاً لدى بعض الأوساط التي ثابرت على تثبيط تفاؤل اليمنيين به ومراهناتهم على صبر الرجل وحكمته ومهنيته كقائد عسكري محترف..
كل ذلك يختلف الآن مع هذا التأييد الشعبي الكاسح، مواصلة الرئيس الجديد سلوك الحذر أو القبول بتعطيل صلاحياته بعد أن أصبح رئيساً لليمن ، ومدعوماً بهذه الشرعية الشعبية القوية سيكون له رد فعل عكسي ، وسيبرز إذا ما حدث كعامل سلبي مؤثر على مرحلة يزدحم جدول أعمالها بمهام تأسيسية كبرى ،دولة القانون والحوار الوطني في قمتها.
كلمة السر في فعالية الرئيس عبدربه ومفتاح نجاحه لهما عنوان واحد : استعادة مؤسسة الجيش ، وتحريرها من الارتهان للإرادة الفردية العائلية ، لتكون محكومه بالإرادة الوطنية ومصلحة البلد ، والأداة الفاعلة لإنفاذ هذه الإرادة الوطنية الجامعة.
يحتاج الرئيس الذي باركته إرادة الشعب إلى استيعاب وضعه الجديد كصاحب قرار كامل ونافذ وليس مجرد شرطي مرور بين الفرقة والحرس . وتوحيد الجيش واستعادته من بين مخالب العائلة سيبقى الرئيس ومؤتمر الحوار الوطني والمسار السياسي عموماً تحت رحمة المسيطرين على المؤسسة الوطنية الكبرى والتي حولها صالح إلى إقطاعيات خاصة لأبنائه وأقاربه.
ولن يكون بإمكان الرئيس الجديد أن يستوعب دوره ومكانته المحورية ما لم ينطلق في تفكيره من الإقرار بواقع انتصار الثورة الشعبية السلمية التي قفزت به من الهامش إلى واجهة البلد وحولته من صفر على شمال صالح إلى الرقم واحد في اليمن . مثل هكذا حدث ثورة كبرى وليست الأزمة إلى نتاج لأساليب صالح التي أفرط فيها في محاولته تجنب سقوطه المحتوم بفعل الثورة .
فخامة الرئيس الرصين: أنت الأقوى الآن لأنك في سدة المركز السيادي للبلد ...فقط استوعب هذه الحقيقة وأعترف بثورة الشعب الذي منحك تأييده الكاسح وبادر بترجمة التغيير إلى قرارات جمهورية.