آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

المتوكل والموتر السياسي

[قلب نقي في ثياب دنسة خير من قلب دنس في ثياب نقية].. أبو إدريس الخولاني.

(1)
هل تتذكرون نكتة الاعتداء على بقعة سيارة عبده الجندي في رمضان الفائت؟ أعاد بقايا نظام المخلوع بالتعاون مع شركة (الأئمة أسيادكم) إنتاج حكاية جديدة عن محاولة مشتركية -إصلاحية بالتحديد لاغتيال محمد المتوكل، والترويج بأن حادث اصطدام دراجة نارية بالمتوكل كان حادثا سياسيا وجريمة وراءها المشترك والإصلاح انتقاما منه (للدقة هو يتهم الإصلاح فقط لكنه يموه كلامه ويخلط في بعضه بل ويقول أحيانا: أنا لا أتهم أحدا)!

الفارق بين الحكايتين أن الأولى أضحكت وأدرجت ضمن تسالي رمضان.. أما الحكاية المتوكلية – روج لها بعض إعلام المخلوع منذ نهاية نوفمبر الماضي- فمزيج من الفجائع والأكاذيب. فأما الفجائع فلأن الرجل أصيب بالفعل وما تزال آثار الحادث مؤثرة في تفكيره كما سنرى لاحقا، كما أن اتهامه للمشترك والإصلاح بالوقوف وراء الحادث هو بحد ذاته فجيعة قائمة لوحدها ليس فقط لأنه بذلك يواصل خدماته المعلنة والخفية للمخلوع ولكن لأن الاتهام في هذه المرحلة الحرجة هو طعنة غادرة في ظهور أقوى المعارضين للمخلوع الرافضين لبقائه هو ونظامه، ويلقي ظلالا كثيفة من التشكيكات والاتهامات عليهم لن يستفيد منها إلا بقايا نظام العائلة!

والحق أنه لا جديد في مضمون اتهامات (المتوكل) للإصلاح، فهي شنشنة متوكلية متكررة لدرجة القرف منذ زمان طويل؛ إذ يمكن القول إنه (بئر بغضاء وأحقاد وحسد) لا ينضب ضد الإصلاح ورموزه، لكن الإصلاح مثل الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل – أي لا يؤثر- الخبث فيه، وسلسلة طعنات المذكور صارت اعتيادية ومتجاوز عنها لأسباب كثيرة منا تقدير حالته النفسية الناتجة عما يمكن وصفه بأنه غيظ من هؤلاء الذين صاروا محط الأنظار والأضواء واستحقوا تاج المعارضة الذي كان يظن أنه سيوضع على رأسه! لكن هذه المرة وصل الغدر إلى اتهام واضح بالوقوف وراء حادثة كادت تقتله؛ فالأمر إذاً يحتاج إلى فتح ملف المتوكل بصراحة وإن كانت ستجرح لكن لابد منها؛ فالإصلاحيون ليسوا عصابات مافيا ولا بلاطجة يفرحون باتهامهم بالغدر والتآمر على الآخرين، وحتى لو كان (المتوكل) يمهد بهذه (النحنحة) لتمرير أو تبرير انخراطه في مشروع سياسي جديد بعيدا عن المشترك يضم رموزا من أنصار المخلوع ومغفلين من الحوثيين والحراكيين والمستقلين بشعارات براقة يجيد تأليفها كعادته؛ فالواجب ألا تمر اتهاماته وأكاذيبه هذه المرة بهدوء وتجاهل.. فقد يتخلص منه حلفاؤه الجدد في زقاق ثم يستخدمون اتهاماته ضد المشترك والإصلاح لتحميلهم وزر الجريمة!

(2)
هناك ثلاثة محاور في هذه المسألة سنتناولها هنا؛ ففي هذا الأسبوع سنناقش رواية المتوكل عن حادثه الموتر السياسي أو العنصري أو البلطجي مقارنة برواية الأخت/ سمية علي القواس، الإصلاحية الشهمة التي كانت بجواره وأسعفته وأحاطته برعايتها حتى أدخل غرفة الإنعاش، وحتى حافظت على ملابسه وما كان يمكن أن يكون فيها من أوراق – ظنت المسكينة كما روت لي أنها يمكن أن تكون من أوراق المشترك وخشيت وقوعها في يدٍ أخرى- قبل أن يعود المتوكل ليتهمها بأنها كانت ضمن مخطط استدراجه ومحاولة اغتياله! ثم سنناقش – بإذن الله تعالى- فيما يلي من الأسابيع؛ بعض أكاذيبه وآرائه التي ظن أنها معجزات فكرية وكانت سببا لمحاولة قتله، وننهي المقالات بالعودة إلى سنوات ماضية كان عنوان حياة المتوكل فيها هو (أنا بأكره الإصلاح) وإن حاول أن يغلفها بمظهر الليبرالي المنفتح داعي الحوار والتسامح والقبول بالآخر!

(3)
في رواية المتوكل لمجريات الحادث – رواها لصحيفتين: مؤتمرية وحوثية- أنه حضر صباح يوم الحادث اجتماعا مع حلفاء جدد في مؤسسة (الوعي المدني) التي دعاه للانضمام إليها الدكتور/ عبدالكريم الإرياني؛ النائب الثاني لرئيس حزب المؤتمر؛ للعمل على إحداث توازن قوى في البلاد، واقتضى (التوازن) أن يستأنف الاجتماع في (الليل المتأخر) وفق تعبيره، وكاد يعتذر عن الحضور لأنه يؤمن بقوله تع إلى {وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا} لولا أهمية التكتل الجديد بالنسبة له (عقبال أن ينتبه أيضا لقوله تعالى: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، واتفق الطرفان على إرسال من يحضر المتوكل إلى الاجتماع الليلي المتأخر، والذي يفهم الآن أن تحديد موعده كان جزءا من خطة استدراجه (لم ينتبه أن الناس سوف يسألون: من الذي حدد الموعد الليلي: المشترك والإصلاح أم قيادة مؤسسة الوعي المدني؟). المهم جاء المبعوثان لاصطحابه وهما كما سماهما: سامي الحداد وسمية (..) لم يتذكر اسمها وقت الحوار.. عرف فيما بعد أنها إصلاحية.. وذهب الجميع إلى مكان اللقاء في شارع الشرطة، لكن المرور في الجسر كان متوقفا مسدودا بسيارات(!) ولذلك سارت السيارة في طريق آخر – يعني من أسفل الجسر- إلى شارع آخر يؤدي إلى الشارع الكبير – هو شارع الشرطة أحد أكبر شوارع قلب صنعاء- حيث يقع مقر الوعي المدني، وفوجئ المتوكل - فقط- بأن الشارع يخلو تماما من المارة.. لا سيارات(!) لا مترات(!) ولا مشاة من بني آدم.. الكهرباء مقطوعة (يعني تماما مثل ظروف حادثة اغتيال حسن البنا) فتساءل عن البيت.. فقالوا: خمس دقائق ونصل. فقال: طيب نقطعها مشي(!!!) ولم يعرف بعد ذلك ما حدث إلا بعد 3 أيام وهو في الأردن.

(4)
كانت تلك رواية المتوكل عما حدث، وكان لابد من الاستماع إلى رواية الأخت/ سمية القواس التي حادثتني عبر الهاتف، وبدأت حديثها بصوت حزين: (أنا مصدومة من التصريح حقيقة) ثم راحت تسرد وقائع تلك الساعات بترتيب متقن من كثرة ما روته للمحامين وأجهزة التحقيق، وترد على بعض الاستفسارات حول بعض ما كنت أقرأه لها من رواية المتوكل، وهاكم التفاصيل:

1- الذي حضر لأخذ المتوكل (سيدتان اثنتان) وليس رجل اسمه: سامي حداد وامرأة اسمها: سمية كما يوهم كلامه؛ الأولى وهي المكلفة أساسا من (الوعي المدني) بإحضاره واسمها (سامية حداد) وهي عضو مؤسس، وزوجة الأخ/ علي الديلمي العضو المعروف في اتحاد القوى الشعبية ووثيق الصلة بالمتوكل، وهي أيضا صديقة بناته، فضلا عن العلاقة المعروفة بين عائلتي الديلمي والمتوكل: تاريخيا وسياسيا ودينيا(!). والحق أنني عندما قرأت كلامه شعرت بانزعاج إذ كيف ترضى الأخت سمية – وهي شقيقة أحد أعز إخواني وأصدقائي منذ 29 عاما- أن تتنقل في سيارة مع رجل ثم مع رجلين وفي الليل المتأخر! والحمد لله طلع الكلام كذبة أو أن الصحيفة أخطأت بين سامي وسامية إسهاما منها في حبك خطة الاستدراج بأثر رجعي!

2- أكدت (سمية القواس) أن ذهابها لإحضار المتوكل لم يكن في بالها إطلاقا، وأنها ذهبت فقط مراعاة لإلحاح صديقتها (سامية الحداد) التي تعرفت عليها في الساحة وأقنعتها بالانضمام إلى (الوعي المدني).. بل أكدت أنه تمت محاولة هاتفية من زميلتها أثناء ذهابهما لإقناعه بتأجيل الموعد إلى اليوم التالي لكن المحاولة فشلت (وضاعت فرصة إفشال جريمة الليل المتأخر كما يفهم من استمرار عملية إحضاره) رغم إيمانه بالتوجيه الإلهي عن لباس الليل.

3- وصلت السيدتان إلى شارع الزراعة مع أذان المغرب، وحاولت (القواس) الاعتذار لزميلاتها وإعفائها من مرافقتها وخاصة أنهما كانت قرب منزلها؛ لكن السيدة الفاضلة رفضت وألحت عليها ألا تتركها لوحدها مع المتوكل (هذا يؤكد أنها مؤمنة ترى بنور الله). وفي السيارة سمع المتوكل من (القواس) شكواها مما حدث في حفل إشهار مؤسسة (الوعي المدني) قبل 4 أيام عندما قرأ أحدهم رسالة موجهة من د. عبدالكريم الإرياني تأييدا للمؤسسة باعتباره رائد التغيير(!) وأكدت للمتوكل إنها وغيرها آخرون يرفضون مثل هذا الأمر باعتبار الدكتور – الإرياني وليس المتوكل- من رموز النظام، كما أنه سبب لها إحراجا باعتبارها إصلاحية، وتعاطف معها المتوكل (صح.. ما يصلحش، هذا تصرف شخصي وأنا بأحل المشكلة)، ولحظتها عرّفت (سامية الحداد) المتوكل على زميلتها وأنها إصلاحية.. (والآن يزعم أنه لم يعرف أنها إصلاحية إلا في الأردن بعد أن جاء وفد الوسواس الخناس إليه وتم تأليف فيلم: الموتر السياسي!). تأكد من كلام سمية أن الليل لم يكن متأخرا كما حاول المتوكل أن يبلف (لو سألنا رجلا أميا: ما معنى ليل متأخر لقال: عشرة مساء ومطلع) فالحادث وقع تقريبا وقت أو بعد أذان العشاء إن لم يكن قبله، لكن المؤلف والمخرج أقنعوا المتوكل أن الوقت المحدد لاستدراجه كان متأخرا لكن معلش كله من أجل عيون توازن القوى: الجسر لم يكن مسدودا بالسيارات بطريقة مريبة كما حاول إيهام القراء، والدخول من شارع آخر كان الغرض منه الوقوف في جهة يسهل منها العودة، كذلك لم يكن شارع الشرطة خاليا من السيارات ولا الموترات ولا من بني آدم.. وبالتأكيد كان هناك جن وعفاريت ميري سياسيين بتوع توازن القوى؛ فمن غير المعقول أن نصدق أن شارعا بذلك الأهمية كان خاليا تماما من المارة ما بين المغرب والعشاء، ويخلو حتى من عفريت بلطجي مؤمن بتوازن القوى، وضرورة استئناف الدراسة الجامعية، وغاضبة من عسكرة الثورة والاحتفال بحادث تفجير مسجد الرئاسة الذي حدث في الساحات! والدليل على أن الشارع لم يكن خاليا – كما تقول القواس- أنه بمجرد وقوع الحادث هرع المارة وأصحاب المحلات – توجد هناك محلات عديدة خاصة بمستلزمات الأعراس وزينة السيارات- وأصحاب سيارات أجرة.. كلهم هرعوا لتفقد المصاب.. السياسي!

4- كيف وقع الحادث؟ لحظة نزول الثلاثة من السيارة بعد ركنها؛ اتصلت إذاعة (سوا) الأمريكية بالمتوكل عبر هاتف (سامية الحداد) لكنه رفض الرد مؤجلا المشاركة، وبينما كانت (الحداد) تتحدث مع راديو (سوا) مشى المتوكل والقواس باتجاه مقر (الوعي المدني) واجتياز الاتجاه الأول من شارع الشرطة، وعند بدء اجتيازهما للاتجاه الثانية وكان المتوكل قد سبق السيدة المرافقة له بخطوتين – المتوكل رجل ومغرم بالمشي دائما وطبيعي أن يسبق امرأة بخطواته- اصطدمت دراجة نارية – أو موتر سياسي بلغة كاتب السيناريو- بالمتوكل.. كانت الدراجة مسرعة جدا إلى حد أن أحدا لم ينتبه لها.. وأخذ المصاب إلى الرصيف، وهرعت (الحداد) إلى (الوعي المدني) لإخبارهم.. وتم إسعاف المتوكل في سيارة أجرة رافقه فيها: عصام القيسي وسمية القواس.

5- تدبير الحادث من المشترك والإصلاح يبدو متناقضا مع الوقائع الواردة؛ فالذين حددوا موعد خروج المتوكل ليلا هم حلفاؤه ولا علاقة لهم بالإصلاح، ولا يعني هذا اتهاما لهم ولكن في مثل هذه المؤسسة يصعب تصور عدم وجود عفاريت سياسية، وأبو الجن والعفاريت – مافيش داعي لذكر الأسماء- لا شك أنه يتابع نشاط الوعي المدني لإيجاد توازن قوى(!) وبالتأكيد عرف أن المتوكل قادم وفي الليل المتأخر.. والسيدة التي كلفت لتحضره بسيارتها بريئة من الإصلاح، ومتزوجة من (صنو) المتوكل وأحد خصوم الإصلاح، والإصلاحية الوحيدة كان وجودها عارضا وغير مخطط له وفرض عليها فرضا. وكما قالت: (لولا أن المتوكل سبقني بخطواته الواسعة لكانت الدراجة النارية اصطدمت بي معه).. وحينها طبعا يصعب اتهام الإصلاح، ويطلع المتر براءة، ويفسد السيناريو! (صدقوني.. لو أصيبت سمية كان المتوكل سيقول: ضحوا بالمسكينة لإبعاد التهمة عنهم.. أكيد فيها عرق من الطيبين الطاهرين.. لكن حيروحوا فين من كونان؟). الولد الذي كان يقود الدراجة عمره (16) سنة، ومعه صبي (7 سنوات)، وظلا في مكان الحادث حتى تم تسليمهما لجلال الحلالي عضو مؤسسة الوعي المدني. ولا شك أن الطفلين لو كانا مدفوعين ومضللين ومدفوع لهما لقتل المتوكل لهربا أثناء الربكة وخاصة أن الكهرباء كانت مقطوعة! وللتذكير أيضا.. فالمتوكل قابل بعد عودته راكب الموتر السياسي كشرط للعفو عنه، فجاء الولد وسأله وسمع منه، وتأكد أن الولد متحسر على ما عمله وأقسم ألا يكرره فعفا عنه! ويفهم من هذا الكلام أن الولد لم يقل للمتوكل أنه مرسل لقتله أو إيذائه.. وإلا كان الواجب أن يعلن ذلك بصراحة؛ بل وأن يتم تسليم الولد للنيابة لأخذ أقواله وتوثيقها، ومعرفة من الذي أو الذين ضللوه ودفعوا له لارتكاب الجريمة، والقبض عليهم ومحاكمتهم حتى يعرف المجتمع المدني الحقيقة ولا تضيع كما ضاعت في جرائم سابقة.. هذا أقل الواجب وغيره مجرد تهويشات أبالسة وألاعيب أجهزة أمنية تريد استثمار الحادث لمصلحة توازن القوى المفترى عليه!

6- في أكثر من موضع يؤكد المتوكل أن الحادث كان متعمدا وأن سببه المباشر مجموعة من المطالب والآراء والمواقف السياسية التي أعلنها داخل اللقاء المشترك وأثارت غضب الإصلاح فدفع هو ثمنها! والغريب أن توجيه هذه الاتهامات للإصلاح جاءت في سطور متقاربة مع محاولته المعتادة الظهور بمظهر المتعقل المتسامح وهو يقول (نحن اليوم نعيش مرحلة توافق ولهذا أرى أنه لا يجوز أن نتهم أحدا بل علينا أن نكرس جهودنا في الاستفادة من مرحلة التوافق..).. ألا يدل ذلك على أن المتوكل لم يصل في دريس القرآن إلى قوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم...).

* (في الأسبوع القادم سنناقش بإذن الله تع إلى مواقفه وآراءه لأنها بحد ذاتها سلسلة أخرى من الأكاذيب التي لا تليق بمن يحترم سامعيه).

زر الذهاب إلى الأعلى