آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

المطلوب من النظام الجديد لمؤتمر أصدقاء اليمن

رغم كل العراقيل التي لازالت عائلة الرئيس السابق علي عبدالله صالح تضعها أمام عملية الانتقال الكامل والتام للسلطة إلى الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، فإن مؤتمر أصدقاء اليمن سينعقد بالعاصمة السعودية الرياض في موعده الجديد غداً الأربعاء 23 مايو الجاري مع أن هذه العراقيل كانت أحد أسباب تأجيل المؤتمر من شهر مارس إلى شهر إبريل ثم أخيراً إلى الموعد الجديد...

فقد كان أصدقاء اليمن يفضلون أن يتم هذا الانعقاد في ظرف تكون فيه كل جوانب السلطة قد انتقلت للرئيس الجديد وأصبحت جميع خيوطها بيده وبيد حكومته، وأن يكون قد قطع خطوات حثيثة في العديد من الإجراءات السياسية وفي مقدمتها الحوار الوطني.

ما أنجز من عملية سيطرة الرئيس الجديد على الجيش والأمن حتى الآن غير كافٍ بالتأكيد في نظر أصدقاء اليمن لكنه مقبول ليمكن البدء في النظر في كيفية إنعاش الملفات الاقتصادية والاستثمارية في الجمهورية اليمنية خاصة بعد قرار العقوبات الصارم الذي أصدره الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأربعاء الماضي...

كما أن تشكيل لجنة الاتصال المعنية بالتحضير للخطوات الأولى المتعلقة بالبدء في الحوار الوطني هو في حكم المقبول كبداية جيدة للتحضير لمؤتمر الحوار الوطني... وبما تم في الجانبين المذكورين آنفاً يعتقد رعاة المبادرة الخليجية الإقليميون والدوليون أنه أصبح حائلاً دون أي عودة للخلف أو أي انقلاب محتمل من العائلة الحاكمة السابقة على التغيير الذي تم في اليمن منذ 21 فبراير الماضي ومع ذلك فإن الرعاة لازالوا يؤكدون باستمرار جديتهم في تهديداتهم باتخاذ إجراءات أممية ضد هذه العائلة في حال استمرار إعاقتها لتنفيذ قرارات رئيس الجمهورية التي حظيت بترحيب كامل من المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي.

في أول اجتماع لأصدقاء اليمن بالعاصمة البريطانية لندن أواخر يناير 2010م أعطى الاجتماع للرئيس السابق علي عبدالله صالح ونظامه وحكومته رسائل متعددة تحمل من المحاذير والتحذير تماماً مثلما تحمل من التفاؤل والآمال... لكن تلك الرسائل لم تقابل منه - تحديداً - بالقدر الكافي من الجدية والاهتمام رغم جدية الضغوط التي مورست عليه طوال ذلك العام...

كان يعتبر أن أصدقاء اليمن (بقرة) أرسلها الله إليه ليحلبها ويبتزها واثقاً من قدراته السياسية على التلاعب والمناورة على مكونات (أصدقاء اليمن) الإقليمية والدولية التي كان يعتقد أنه يوجد بينها من يمكن أن يفرط به مثلما يوجد ضمنها من يستحيل أن يفرط به... لكن تقديراته كانت خاطئة، فالبقرة الحلوب كانت في الحقيقة متمنعة أن تعطيه أي قدر من حليبها بل إنها كانت على استعداد لأن تتحول ثوراً هائجاً يطيح به إن لم يدرك متطلبات التغيير - شبه الجذرية - المطلوبة في أدائه وفي تكوين سلطته وفي آليات سلطته...

وتكررت رسالة (أصدقاء اليمن) في مؤتمرهم الثاني بنيويورك في سبتمبر 2010م ولم يعقل أيضاً أو بالأصح لم ينبهه قادة سلطته المحيطون به إلى خطورة الوضع القائم حينها لأنهم لم يكونوا يجرؤون على مكاشفته ومصارحته وإن فعل أحدهم ذلك - وهم لا يزيدون في كل الأحوال عن أصابع اليد الواحدة - اتهمه صالح بالخوف والجبن والاستسلام للنفوذ الخارجي بل واتهمه بالجهل السياسي وعدم الفهم...

وهكذا مضت القصة لتنطلق الثورة الشعبية في يناير 2011م وتعيد تشكيل الخارطة السياسية اليمنية، وما لم يفعله الرئيس السابق بإرادته قبلها فعله مجبراً في ظل ثورة شعبه عليه... وهو اليوم مهما اختلق من عراقيل في وجه الانتقال الكامل للسلطة، فإنما هو ينتحر سياسياً ويدمر كل ما تبقى من جوانب مشرقة في ماضيه السياسي... وقد أعجبتني رسالة خاصة بعث بها وزير الخارجية د. أبوبكر القربي إلى الرئيس السابق في 18 فبراير 2010م وأماط عنها اللثام مؤخراً بنشر نصها في جريدة (أخبار اليوم) وبها نصائح طيبة في قضايا محاربة الفساد واستعادة هيبة الدولة وإصلاح القضاء... ومن خلال معرفتنا لمجريات الأمور بعد تاريخ الرسالة المذكورة نستطيع التيقن أن صالح لم يقتنع بمضمونها بدليل عدم تنفيذ أي من الأفكار التي وردت بها.

هاهم اليوم أصدقاء اليمن سيجتمعون مجدداً في مؤتمر سياسي بالدرجة الأولى لمباركة التغيير الذي حدث في اليمن وتعزيز التوجهات القائمة لبناء اليمن الجديد وإثبات وتأكيد حسن نوايا المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي نحو هذا البلد الفقير والمحظوظ بهذا القدر من الاهتمام العالمي بسبب موقعه الجيوسياسي ذي الطابع الإستراتيجي... ولست أدري كيف استعدت حكومة الوفاق الوطني للتعامل مع هذا المؤتمر لأنها ستخطئ خطأ كبيراً إن تعاملت معه أنه ليس أكثر من بقرة حلوب، ولست أدري إن كانت استعدت برؤى إستراتيجية حول عملية بناء الدولة الجديدة أو (الجمهورية الثانية) من كل الجوانب أم أنها ستذهب ومعها تصورات لمشروع هنا أو هناك، وهو أمر مؤسف إن حدث!

يريد أصدقاء اليمن أن يلمسوا في العهد الجديد، عهد الرئيس عبدربه منصور هادي وعهد حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها السياسي الوطني المخضرم محمد سالم باسندوة أسلوباً جديداً في التفكير والإدارة، وهما الأمران اللذان افتقدهما اليمن طوال سنوات ما بعد حرب صيف 1994م عقب استتباب الأمر للرئيس السابق...

هل سيتمكن الرئيسان هادي وباسندوة أن يقدما نموذجاً جديداً في التفكير والإدارة يليق بعظمة الثورة الشعبية التي جاءت بهما إلى الحكم ويكافئ تضحيات الشباب الضخمة من شهداء وجرحى ومعاقين؟ وهل سيدركان طبيعة وحقيقة التغيير الجذري الشامل المطلوب منهما وطنياً وإقليمياً ودولياً في إدارة كل السياسات الداخلية والخارجية لليمن؟ ندرك حجم الصعوبات التي تواجههما وندرك حجم العراقيل... لكن عليهما ومعهما الأحزاب الشريكة في الحكم وفي مقدمتها أحزاب اللقاء المشترك أن يقدموا جميعاً تصورات جديدة وجدية وواقعية ومقبولة وحازمة وصارمة لعملية بناء الدولة اليمنية الجديدة وهو الأمر الذي سيجد الترحيب والدعم السياسي الكامل من مؤتمر أصدقاء اليمن وسيتحول بعد ذلك من خلال مؤتمرات المانحين ومؤسسات الداعمين إلى مساندة اقتصادية ومالية وخبراتية واضحة في مختلف المجالات.

زر الذهاب إلى الأعلى